من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

دوماً نسمع  كلاماً حول موضوع حرية الإعتقاد من دعاة الحرية ويستشهدون دائماً بكلام الله تعالى ويقولون (فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) ويستشهدون بجزء مقتطع من آية قرآنية في موضع آخر (لا إكراه في الدين) للوقوف في وجه الدعوة إلى الله وتبيان الحق وإزاحة الستار عن الطريق, ولكنهم دوماً يقتصون من الآيات ما لا يتوافق وأهوائهم وهؤلاء من ينطبق عليهم قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) البقرة 204 – 205.

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) القصص 50.

لنوضح هذه النقطة حتى ينجلي اللبس ويظهر مدى جهل هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب.

يقول الله تعالى:

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ * فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا * وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ * بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) الكهف 29.

(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة 256.

(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) الغاشية 21 – 26.

(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) عبس 7.

(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل 125.

وفي سياق آخر يقول الله تعالى:

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة 193.

(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال 39.

(أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) التوبة 13 – 14.

(قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة 29.

(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الممتحنة 8 – 9.

(وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ) التوبة 6.

وفي موضوع آخر يقول الله تعالى:

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال 60.

وفي الحديث النبوي:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى) متفق عليه.

فكيف نربط بين كل هذه الأمور التي قد تراها للوهلة الأولى متناقضة وحاشى لله أن يكون كلامه من المتناقض. وعليه فإن:

·       الحرية في الإختيار ما بين الإيمان و الكفر لا تكون إلا بعد الدعوة و إظهار الحقائق أمام الناس, أما أن يحتج بهذه الآية لمنع الدعوة وإظهار الحقائق التي تتفق و الفطرة البشرية فهذا محض افتراء وكذب على الله, حيث يقول الله تعالى في نفس الآية (... قد تبين الرشد من الغي ...) وهل يتبين الحق من الباطل دونما دعوة وعمل؟ ... وفي آية أخرى (قل الحق من ربكم ...), وهي خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يبين الحق لمن أغفلت قلوبهم عن ذكر الله, وهل تبيان الحق يأتي من غير دعوة ولا توضيح ؟, وهل من الممكن أن يطلب الله من نبيه (قل الحق من ربكم) دون أن يبين ما هو الحق حتى لا يظلم بعد ذلك أحد؟, فحاشى لله أن يعاقب عبداً دون بينة حيث يقول الله تعالى:

(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) الإسراء 15.

فالمطلوب إذا تحقيق درس نبوي وهو (خلوا بيني و بين الناس) أبين لهم وأوضح لهم وأدعوهم, وبعدها لهم الحرية فيما يختارون وهم المسؤولون عن اختياراتهم أمام الله تعالى.

·       إذا وقف الكافر أو المشرك أو أياً يكن, حائلاً دون انتشار الدعوة أو مانعاً الناس أن تؤمن أو قائماً على فتنة الناس عن دينهم الحق فإن قتالهم هو الجهاد عينه وهذا النوع من الجهاد هو جهاد الطلب وهناك جهاد الدفع, وجهاد الطلب هو مشروع مثله مثل جهاد الدفع وليس كما يقال من البعض أن الجهاد هو جهاد الدفع فقط, فالجهاد في سبيل الله و في سبيل نشر الإسلام ماض إلى يوم القيامة ولكن ينظر في هذا النوع من الجهاد إلى حال الأمة ومدى استطاعتها القيام به ويؤخذ بفقه الأولويات وفقه الواقع في تقرير الشروع به. و هنا أقتبس من تفسير الشهيد سيد قطب (في ظلال القرآن) لآية (وقاتلوهم ...) حيث يقول:

"إذا كان النص - عند نزوله - يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة، وهي التي كانت تفتن الناس، وتمنع أن يكون الدين لله، فإن النص عام الدلالة، مستمر التوجيه. والجهاد ماض إلى يوم القيامة. ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة تصد الناس عن الدين، وتحول بينهم وبين سماع الدعوة إلى الله، والاستجابة لها عند الاقتناع، والاحتفاظ بها في أمان. والجماعة المسلمة مكلفة في كل حين أن تحطم هذه القوة الظالمة، وتطلق الناس أحراراً من قهرها، يستمعون ويختارون ويهتدون إلى الله".

·       ليس القتال هو الهدف لذاته و ليس الإسلام الذي ينتشر بحد السيف كما يقول البعض محتجاً بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم, و هنا أذكر ما يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله : (الإسلام ما قام يومًا، ولن يقوم على إكراه , لأنه واثق من نفاسة وسمو تعاليمه وجودة شرائعه , فكل ما يريده أن يجد مكانًا في السوق العامة يعرض فيه ما لديه على العيون المتطلعة , فإذا لم تكن جودة الشيء هي التي تغري بالإقبال عليه وقبوله فلا كان قبول ولا كان إقبال), وإنما شرع القتال وسيلة لنشر الدين وإظهاره في الأرض وإزالة العوائق والموانع التي تحول دون سماع الحق واتباعه، ولهذا جعل الشارع الحكيم للقتال آدابا وضوابط تهذبه وترقى به وتميزه عن الوحشية والظلم. وحيث أن الكفار عند قتالهم هم أمام خيارات ثلاث:

-         الدخول في الإسلام و أمرهم على الله.

-         الإستسلام ودفع الجزية (بشروط ضابطة) فيتركوا و شأنهم.

-         القتال في حال الرفض وعدم الكف عن منع انتشار الحق.

حيث ثبت في صحيح مسلم من حديث بريدة الطويل قوله صلى الله عليه وسلم (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم).

·       الآيات في سورة التوبة (13 – 14 – 29) إنما كانت تتحدث عن المشركين الذين ناصبوا العداء للإسلام وعملوا على منع الحق من الظهور وفتنوا الناس عن دينهم بغير وجه حق. حيث أمر الله بقتالهم.

وهكذا تبين الرشد من الغي, وهذا معلم من معالم الطريق ...

 

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply