وتفقد الطير


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

سليمان عليه السلام ذلك الملك النبي الذي سخر له الله مفاتيح الأرض وجند له من الجنود ما نعلم وما لا نعلم من الجن والإنس والطير وفي خضم هذا كله لابد أن تكون المسؤولية متناسبة مع هذا التكليف الرباني الكبير والمهمة الجليلة.

فكان من الطيور المجندة لخدمة سليمان عليه السلام والسير معه في الطريق الهدهد الذي كان عليه السلام يعرفه حق المعرفة فهو جاء بلفظ التعريف لا التنكير فلابد وأنه مكلف بمهمة معينة وله دور معين يسهم به حتى ذكره الله بلفظ التعريف دالاً على معرفة سليمان عليه السلام به وأنه ليس أي هدهد من الهداهد.

فعندما تغيب الهدهد عن الصف تفقد سليمان عليه السلام جنوده من الطير بحكم مسؤوليته كقائد للسائرين في ذلك العصر. حيث يقول الله تعالى: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ)النمل 20 – 21.

و هنا تظهر أخلاق القائد في تفقد جنده السائرين معه في الطريق فإن هذا مما يزرع حب القائد في قلوب جنده ويعزز علاقة الأبوة بين الجند والقائد ويشحذ همم الجنود فيكون لهم دافعاً في العمل والسير في الطريق بقوة وثقة ومحبة.

إن طريقة التفقد التي يتبعها القائد لابد وأن لها أثراً عميقاً في النفوس فلابد وأن تتميز بالرفق والحنو ولا تكون بأسلوب الأمر المتسلط الذي يدل على العجرفة والتكبر وإنما جاء بصيغة (ما لي لا أرى الهدهد؟ أم أنه كان من الغائبين؟) فلم يجزم بغيابه ربما كان موجوداً و لكن لم يره و كان يستطيع عليه السلام أن يقول بأسلوب آخر (أين الهدهد؟ لماذا لم يأتي؟ أو لماذا هو غائب؟) فكلا الأسلوبين سيؤدي نفس الغرض بالنسبة لسليمان عليه السلام ولكن الأسلوب الأول ذو حدة أقل في طرح السؤال وفيه عدم الجزم المنفر للجنود وهذا الأسلوب هو من أخلاق الأنبياء والقادة ولو أن سليمان عليه السلام تعامل بأسلوب غير هذا لكان النقد له والتوجيه من الله تعالى ولكان الله وضح ذلك معلماً الخلق أسس التعامل ولكن الله ارتضى هذا الأسلوب من التعامل فذكره ولم ينكره.

و من سياق النص يفهم أن الهدهد قد تغيب عن الصف من غير إذن في ظاهرة غريبة تحدث للمرة الأولى في صف جنود سليمان عليه السلام فأراد الحزم في هذا الموضوع حتى لا تنقلب الأمور فوضى فجاء القرار عاجلاً بعد أن تبين غياب الهدهد بالفعل بالعقوبة لهذا الهدهد ولكن في النهاية إن سليمان هو النبي وليس ملكاً متجبراً ظالماً فأردف قراره بالعفو إن جاءه الهدهد بما يبرر غيابه من عذر بين واضح وهذه هي أخلاق القائد والنبي التي أراد الله تعالى أن نتمثلها و تكون لنا واقعاً حياتياً معمولاً به.

فلتتفقد .. وتحسن التفقد.. وتحزم.. وتلتمس العذر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply