محنة أمّة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

﴿الجمعة 24 رجب 1435 الخطبة الأولى  23ماي 2014﴾

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وقَدَّرَ فَهَدَى، وَخَلَقَ الإِنسَانَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ، جَمَّلَنَا بِكَرِيمِ الْخِصَالِ، وَأَكْرَمَنَا بِجَمِيلِ الْخِلاَلِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَالِ، لَهُ سُبْحَانَهُ الْعُلاَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلاَلِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنبيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي أَخْلاَقِهِ السَّامِيَةِ،وَآدَابِهِ الرَّفِيعَةِ الْعَالِيَةِ ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾القلم:4.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾الأنعام:90

أَمَّا بَعْدُ: فَيا أيّها المؤمنون الكرام،عن أَبَي هُرَيْرَةَ قال :بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: (مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: (عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ) فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) قَالَ: (مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ). فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ، فَقَالَ: (مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) فَقَالَ: (عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ). فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟) ،فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: (أَصَبَوْتَ؟) فَقَالَ: (لَا وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ) البخاري.

هذا محمّد يربطّ ألدّ أعداء الإسلام ثمامةَ بنَ أُثال في سارية المسجد،ليطّلع على حال صحابة رسول الله في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم...وليدرك عظمة الإسلام فينقاد إليه عن طواعيّة وطيب خاطر... ويشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،ويتحوّل كرهُه لمحمّد وللإسلام ولمدينة رسول الله حبّا وولاء.

هذا محمّد يقدّم نموذجا أخلاقيا رائعا في الرحمة بالبشر، وحسن المعاملة لمن أظهر العداء للمسلمين، وقتل منهم الكثير... هذا محمّد يلين الجانب لمن عاداه، ويعفو عمّن ظلمه،ويتجاوز عمّن أخطأ في حقّه، ويجزي بالسيّئة الحسنة.

قال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾فصّلت:34-35.

هذا محمّد يربّي المسلمين على الرفق واللين والرحمة والشفقة، ويرغّبهم في معاشرة الناس بخلق حسن  فيقول: (إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ). البزّار ويبشّرهم بالجزاء الأوفى والدرجات العلا، فيقول: (مَا مِنْ شَىْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ،وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ) أبو داود.

فهل جعلنا رسولَ الله أسوةً لنا وقدوة في تواصلنا مع بعضنا البعض، وفي علاقاتنا بغير المسلمين؟ ما هي الصورة الّتي نحملها عن أنفسنا باعتبارنا مسلمين ننتمي إلى أمّة محمّد ؟ وما هي الصورة الّتي يحملها عنّا غيرُنا في شتّى أنحاء العالم؟ هلّ جسّمنا بحقّ وصدق تعاليم ديننا وأحكامَه وتشريعاته في واقعنا الأسري ومعاملاتنا المالية ومعاشرتنا اليومية ؟ هل أحسنا تسويق الإسلام بأعمالنا وتصرّفاتنا ومواقفنا وأخلاقنا وسلوكنا ،وحبّبناهم إليه ؟

أيّها المؤمنون الكرام، إنّ النّاظر في واقع مجتمعاتنا العربيّة الإسلاميّة في وقتنا الحاضر يدرك دون كبير عناء ما تعانيه من محن وأزمات جرّاء التكالب على السلطة،والحسابات المصلحيّة الضيقة،وحبّ الدنيا... على حساب الدّين والأخلاق والقيم... فهذه الشقيقة سوريا تعيش كارثة حقيقيّة كان من نتائجها قتل أكثر من 162.000 شخص إلى حدّ الآن،بالإضافة إلى جرح وإعاقة آلاف من السكان،وتشريد جموع كبيرة من شعبها،ودمار أغلب مدنها وانهيار بناها التحتية.

وهذه مصر الحبيبة تخسر أكثر من عشرة آلاف شخص من شبابها وفتياتها ورجالها ونسائها بطريقة لم يشهد العالم لها مثيلا، وبمرأى ومسمع من كلّ دول العالم وشعوبها،وتدخل في دوّامة العنف والتفجيرات والاغتيالات وتصفية الحسابات... وهذه الجارة ليبيا يستمرّ فيها التوتر والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي وتتزايد المخاوف من اتساع رقعة الانفلات الأمني الناجم عن وجود مجموعات مسلحة خارجة عن السلطة، ومن انتشار العنف في دول الجوار... وهذه اليمن والعراق ولبنان.... فبِيَد من يحصل ذلك الدّمار الشّامل؟ صوب من يتّجه السّلاح؟ ما ذنب الأطفال والشيوخ والنّساء في هذا الصّراع البغيض؟ من يستفيد من اقتتال المسلمين؟ ألا يرسّخ هذا الاقتتال تلك الصورة القاتمة التي يحملها العالم عن حبّ المسلمين لسفك الدّماء؟

كيف لمن يرجو الله، ويخشاه، ويخاف عقابه، ولعنته، وغضبه، وعذابه والخلود في ناره، يتجرّأ على قتل أخيه المؤمن عمدا،قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ النساء: 93 ألا يعلم المؤمن أنّه لا يزال في سعة من دينه ما لم يصب دماً حراماً؛ فإذا فعل ذلك ضاق عليه دينه، ويكون في ضيق بسبب ذنبه العظيم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله : (لا يزال المؤمنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حرامًا) أخرجه البخاري.

أليس الوصف الأنسب للمؤمنين الصادقين بأنهم أشداء على الكفار في الحقّ وفي الدّفاع عن الحقّ، رحماء في دائرة هذه الأمة العظيمة، ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾؟ أليست الأمّة الإسلاميّةُ مكلفةً بحفظ نظامها واستدامة صلاحه بصلاح أفرادها، وإزالة الفساد في تصاريف أعمال النّاس﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾الأعراف: 56. ﴿وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾البقرة:60 ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾محمد:22-23 

أيّها المؤمنون الكرام،هذه بعض الجوانب الحقيقية التي تكشف صورتنا أمام أنفسنا،فما هي الصورة الّتي يحملها عنّا العالم؟ وما السّبيل إلى تغييرها وترجمة الإسلام في واقع حياتنا كما يحبّ الله ورسوله ؟ ذلك ما سنتناوله في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى. أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

﴿الجمعة 24 رجب 1435 الخطبة الثانية  23ماي 2014﴾

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عِمْرَان:102]. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النِّسَاء:1]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾الْأَحْزَاب:70-71.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عباد الله، نقل عن رئيسة وزراء أستراليا،أنّها قالت مخاطبة أحد المسلمين المقيمين في استراليا: (أنت متعصب، لماذا لا تسكن في (....) أو (....)؟ ولماذا غادرت دولتك الإسلامية أصلاً؟ أنتم تتركون دولاً تقولون عنها إن الله باركها بنعمة الإسلام، وتهاجرون إلى دولٍ تقولون إن الله أخزاها بالكفر من أجل الحرية، والعدل، والترف، والضمان الصحي، والحماية الاجتماعية، والمساواة أمام القانون، وفرص العمل العادلة، ومستقبل أطفالكم، وحرية التعبير... إذن لا تتحدثوا معنا بتعصب وكراهية، فقد أعطيناكم ما تفتقدونه... احترمونا                أو غادروا).

هذا ردّ فعل رسمي من وزيرة تجاه تصرّفات بعض المنسوبين إلى الإسلام فـــــــــــــــــــــــــــــــي البلاد الغربية الّتي آوتهم... ولكنّه يعبّر عن الصورة الّتي يحملها الناس العاديون في تلك البلاد عن المسلمين... إنّهم في جانب كبير منهم يعتبرون المسلمين أناسا كسالى متقاعسين مستهلكين، لا يضيفون إلى البشر أيّ جهد  مفيد، ولا يشاركون العالم في إنجازاته ،والشيء الوحيد الذي يحسنونه  هو الملذات الحسية والاستمتاع برؤية الأشلاء تتطاير، والدماء تصبغ المشهد في بلدانهم وأين ما حلّوا.

عباد الله يخبرنا التّاريخ عن حقيقة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا، وفي إفريقيا وأوروبا و سائر بلاد العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة، العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر، وإنما ذهبوا إليها تُّجارا يحملون أخلاقَ الإسلام، وهَمَّ الدعوة إلى الله، وذلك بالحسنى والمعاملة النبيلة، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان. فقد حمل التجار المسلمون بضائعهم، ورحلوا من المشرق الإسلامي إلى تلك البلاد النائية، فأخذوا يبيعون ويبتاعون، ووجد أهل تلك البلاد النائية فيهم الصدق، وعرَفوا فيهم العفَّة والأمانة، ثم علموا أن هذا كله من أثر العقيدة التي يحملونها؛ فحُبِّب الإسلام إلى نفوسهم؛ الأمر الذي لم يظلوا عليه طويلاً حتى باتوا يَدِينُون بالإسلام، وأصبحوا من أبنائه المخلصين.

وشتّان بين مسلم يحبّب الناس في الدّين، ويبشّرهم بعطاياه العظيمة وأفضاله الكبيرة، وأخلاقه الكريمة، ويترجم تعاليمه السمحة وأحكامه المنسجمة مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها في المخالطة والمعاشرة والاجتماع... وبين مسلم ينفّر الناس من الدين بمظهره غير اللائق، وغلظته في التعامل، وحدّته في التواصل، قال رسول الله : (الْمُؤْمِنُ آلِفٌ مَأْلُوفٌ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ) الطبراني وقال : (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا)البخاري.

عباد الله: إنّ المخالفين لنا في الدين يحكمون على ديننا من خلال سلوكنا وتصرّفاتنا وأعمالنا ومعاملاتنا، وإنّ ابتعادنا عن مبادئ الإسلام وأخلاقه وقيمه لا يضر بأنفسنا فقط, بل يضرّ بديننا ويدعم الصورة السلبية والنمطية التي يقدمها الإعلام الغربي عن الإسلام ونبيه محمد .

ولذلك فإنّنا في حاجة إلى ترجمة حية وحقيقية لتعاليم القرآن وسنّة خير الأنام، وعلينا أن نلتزم بالإسلام وروحه وجوهره، سلوكا وقيما ومعاشرة واجتماعا... تماما مثل رسولنا الّذي كان خلقه القرآن، وكان قرآنا يمشي على الأرض... وإذا بلغنا ذلك غيّر الله ما بحالنا، وهدى بنا النّاس في جميع بقاع العالم.

واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ (128النحل).

عباد الله، اعلموا أن الله تبارك وتعالى قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ 56الاحزاب.

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.  اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاً طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.  اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، فَإنَّهُ لاَ يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، فَإنَّهُ لاَ يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ.

اللهم إنك قلت وقولك الحق: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، اللهم إنا ندعوك خوفا وطمعا، نسألك أن تغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما جهلنا وما تعمدنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحي الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبحانك وبحمدك ظلمنا أنفسنا واعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .اللَّهُمَّ صُنْ بَلَدَنَا وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، صُنْ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.اللَّهُمَّ أَذِلَّ الْحَاسِدِينَ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ يَبُثُّونَ الْفِتْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ أَبْنَاءَ هَذَا الْوَطَنِ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ  يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ احْفَظْ وَطَنَنَا مِنَ الْفَوْضَى، واحْفَظْ وَطَنَنَا مِنَ الْفِتَنِ, وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ أَهْلِهِ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينِ.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply