أماني التي صنعت التغيير!!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

ليست نجاحاتك وإنجازاتك الشخصية -وحدهما- من يبثّ داخلك البهجة والمشاعر الإيجابية، بل كثيراً ما تطرب روحك وتنتشي وتتفاءل وأنت تشهد أو تتابع قصص الناجحين وتجارب المميزين والمؤثرين. تأمل حالتك النفسية والجسدية بعد دقائق فقط من إنصاتك أو قراءتك لتفاصيل أية قصة نجاح في الإصلاح والعطاء والتغيير الإيجابي. تختلس التفاتة مفاجئة لنفسك تجد شفتيك مبتسمة وأساريرك منبسطة وأحاسيسك محلّقة. كل ما فيك يأخذك نحو الجمال والأمل والسمو ويحفّزك لتكون أفضل!

خلال الأسطر القادمة سأطلعكم على تجربة لفتاة بسيطة حاولت أن تصنع فرقاً في حياتها وحياة من حولها. وفعلت. وفي بساطة فتاتنا وقصتها تكمن قوة الدرس وأهميته.

أماني طالبة جامعية تخصصها علمي بحت.. ليس في تنشئتها أو ظروف محيطها أو وضع والديها ما يميزها عن غيرها.. لكنها كبرت وكبر معها هاجس المراقبة لنفسها والمحاسبة ويقظة القلب وكان يشغلها ويلحّ عليها هاجسٌ واحد كما ذكرت لي: «هل الله راضٍ عنا بوضعنا هذا؟ لو لقيت ربي أنا أو أحد إخوتي أو صديقاتي أو أقاربي الذين أحبهم ونحن بهذا الحال من اللهو والتفريط المنتشر في كثير من البيوت المسلمة للأسف (فضائيات مسمومة. تأخير للصلوات. إهمال للقرآن. انشغال تام بأجهزة التواصل والترفيه. تساهل في الغيبة والكذب واللعن) كيف سيكون حالنا؟..»

تقول: «أحب والديّ كثيرا وأخشى أن يسائلهم الله عنا ويحمّلهم وزر ذنوبنا إلى ذنوبهم. وأشفق على نفسي وأشقائي من التمادي في التقصير والزلل».

لم تفعل أماني ما يفعله بعضنا من الاكتفاء بإلقاء اللائمة والمسؤولية على الوالدين والكبار في العائلة والمسجد والمدرسة والمجتمع، ولم تنتظر من هؤلاء التغيير والتصحيح،

بل بادرت وبدأت مشروعها الإصلاحي الصغير بهدوء وحب وثبات:

أخرجت المصاحف المتراصة في مكتبة المنزل ووزعتها بين صالة الجلوس وإلى جوار أسرّة والديها وإخوتها. اشترت -بريالين فقط- بطاقات صغيرة لأذكار الصباح والمساء وما قبل النوم ووزعتها بين أشقائها ووضعت بعضها في حقائبهم وتحت وسائدهم وعلى أرفف مكاتبهم. استثمرت الجلسات العائلية لتتحدث إليهم وتقنعهم وترغّبهم ببعض أفكارها وملاحظاتها وتمكنت بالإخلاص والصبر والصدق مع الله وأسلوبها اللطيف أن تقنعهم بوبال هذا الانهماك في الأجهزة الحديثة، وكيف صُرفت ساعات أيامهم ما بين مخاطر شتى وآثام وتفاهات وكيف استعبدتهم وسرقت أعمارهم وحلاوة حياتهم وطمأنينتهم. وببعض التأثير والتحفيز والتحدي اتفقوا على خوض تجربة التخلي تماما عن جوالاتهم لخمسة أيام أسبوعيا ومعها أجهزة الآي باد والألعاب الإلكترونية الخاصة بالصغار. والاكتفاء بجوالات قديمة للاتصال دون خدمة «النت» وكمبيوتر مكتبي بزاوية غرفة الجلوس لما يتعلق بالدراسة والبحث وغيرهما من الضروريات.

تقول: «كانت المسألة شاقة في البداية وغريبة ومربكة وحدثت بعض الاعتراضات والخروقات للاتفاق ولكن مع مساندة الوالدين وتشجيعهما أحيانا وحزمهما أحيانا أخرى نجحت المهمة بفضل ربي. ووالله لكأننا نحيا من جديد ونعيش لأول مرة بركة الأوقات وروعة الحياة بعيدا عن تلك المقاطع والصور التي كانت تستنزف تفكيرنا ولحظاتنا وتهدم أخلاقنا دون أن نشعر يوتيوب. كيك. سناب. أنستجرام.

بعد مرور شهرين ونصف استطعنا ونحن ستة إخوة فينا الجامعي وطالب الثانوية والإعدادي وأصغر من ذلك أن نلتزم بالقرار الذي اتخذناه ونتحرر من قيد الشبكة العنكبوتية وضغوط التواصل وسيل الإعلام ونستعيد أنفسنا وراحتنا وتقاربنا الأسري واهتمامنا بتعليمنا ومواهبنا. وحددنا الجمعة والسبت موعدا نعود فيه لجوالاتنا الحديثة وتواصلنا الخارجي ولكن باعتدال ورقابة ذاتية. أغلقنا بعض الفضائيات التي كانت تلوث أجواء المنزل بالموسيقى والمسلسلات والأفلام. ووفرنا كل البدائل المباحة الممكنة للترفيه والتعليم والتدريب»

أماني التي اتخذت المحبة والكلمة الطيبة والعزيمة أدوات لبلوغ أمنياتها. وضعت برنامجا للتنافس في أداء الصلاة في وقتها والتزام السنن. نجحت في جمع أمها وإخوتها في حلقة تحفيظ يومية. وطبقت ذات الخطوة بينها وبين صديقات الجامعة. أفكار وخطوات بسيطة مشوقة عن الحجاب والصدقة والصيام... امتد أثرها -بتوفيق الله- خارج نطاق أسرتها إلى الجيران والأقارب.

قد لا يفي مقالٌ ببسط كل التفاصيل ولكن يكفي المرء أن يدرك أن تحسين علاقته مع الله تبدأ بإرادة وخطوات يسيرة. وأن استنقاذ النفس والأحباب لا يستوجب كثير علمٍ وإعدادٍ وتخصصٍ ومكانة.. أو مزيد تعقيدٍ وضجيج. وأن لا تسمح لذنوبك وتقصيرك أن يفقداك الأمل في عفو الله ويحولا بينك وبين الاستمرار في بذل الخير وتحصيل الحسنات ونفع نفسك وأحبابك وكل مسلم تعرفه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply