آفات القلم!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

القلم ترجمان اللسان واللسان نبض القلب ووحي العقل .

القلم أول مخلوقات الله  كتب به مقادير الخلائق وتصاريف الكائنات وبه أقسم الرب تعالى:  (ن والقلم وما يسطرون)  وبالقلم علَّم الإنسان وأمتن به عليه (إقرأ وربك الأكرم الذي علَّم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)

وبالقلم خُطّت المصاحف ,ودُوِّنت الأحاديث وحفظت العلوم وصنفت المصنفات النافعة الماتعة!

وبالقلم ارتقى أقوام ٌ,وسبق أعلام , وفاز كرام ! واهتدى ضال , وتاب مذنب,وندم مسرفٌ على نفسه! وكم بالقلم حدث نقيضٌ,وجرى ضدٌ؛ فهبط  فئام , وتخلف أقزام ,وخسر لئام !

وكم ضَّل بالقلم من شريف , وزلَّ من عفيف !

 واليوم كم نسمع من صريف الأقلام ,وكم نرى من نزيف الأحبار,لكن النافع المفيد قليل محدود ,والغث السقيم  بلا قيود ولاسدود !!

وفي عالمنا الإسلامي تطالعنا مئات الصحف بآلاف الأوراق , أكثرها حرب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ,وغالبها ضلال ٌفكري ,وانحرافٌ أخلاقي!

 وليس في صحافتنا مساحة ذات بال لكلام جاد ,وطرح مفيد ,إلا ماشاء الله؛ حتى ضاقت بالأقلام الخيرة السبل ,وأغلقت تجاه إبداعها الأبواب؛ فحرمت الجماهير من شريف علمها وكريم فكرها .

حتى كان الانترنت بتقنيته العالية ,وجاذبيته المدهشة, وآليته المرنة, بديلاً وأي بديل عن الأوراق الصفراء والجرائد الخرقاء !!

وأعجب ما في الانترنت عالميته وسعة جمهوره ,وكثرة متابعيه بحيث  قزّم الصحافة, وهمش دورها ,وحطم مشاريعها في فرض القيم الخبيثة ,والأخلاق السافلة؛ فأنشئت مئات المواقع,  تفضح المخطط العلماني,  والمشروع الليبرالي, والزحف التغريبي, المعقود لوائه فوق أكتاف الصحافة العربية على وجه الخصوص!

فقبل اطلالة (النت) كانت الصحافة فارسة الميدان بلسان ذرب , وفكر هابط , تتكلم باسم المجتمع وتهتف نيابة عن الأمة , والجمهور المغلوب على أمره يتلقى ولا يلقي , ويستقبل ولا يرسل ,ويسمع ولا يتكلم و يقرأ ولا يكتب  !!

وكانت غلمان الصحافة وعواجزها ينامون ملء جفونهم ,لا يهابون من قلم يصاولهم ,أو فكر هادف ينازلهم, أو أديب شريف يناظرهم , فكان قدوم النت صاعقة على رؤوس مراهقي الفكر الهزيل, وغويلمة الأوراق الصفراء والجرائد الخرقاء !!

فما يكتب في الصحافة صباحاً يفند في النت ظهراً ,و ما يدسه اللئام يكشفه الكرام !

وما يبنيه العواجز يهدمه الشباب الغيور !

وهم بهذا يمتثلون آمر نبيهم عليه الصلاة والسلام (فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن).

بيد أنَّ الحماس الدعوي ,والسجال الفكري ,والمناظرة العلمية, لا ينبغي أن تجعلنا نتطاول  على بعض من يخالفوننا في أمور اجتهادية , لا يبعد أن يكون الحق معهم ,طالما سلكوا مسلك الأسلاف الكرام في البحث والتمحيص ,ومراعاة القواعد والأصول , وتغليب المصالح العامة ودرء المفاسد ,وتحري الحق ,وطرد الهوى ,وتقديم الإنصاف وإهمال التعصب والعناد .

فمثل هولاء لا يجوز تجريحهم و إهانتهم ,أو سبهم وشتمهم , أو الحط من مكانتهم, والنيل من كرامتهم, مهما ظهر لنا سوء اجتهادهم , وخطأ مواقفهم في مسألة من المسائل, أو قضية من القضايا ؛لسلامة منهجهم في الاجتهاد, وصحة مسلكهم في البحث والفتوى .

ومن عدا هؤلاء فأعظم الجهاد: نقض أفكارهم , وفضح أستارهم , وكشف أهدافهم ,وتقزيم أحجامهم لبالغ ضررهم , وعظيم آثرهم حتى وإن تدثر أحدهم بعباءة الدين أو تقمص ثياب العلم أو تقلد ألقاب المشيخة !!

اللهم لطفك ياكريم!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply