الجمال السلوكي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

أنعم الله علينا بهذا الدين العظيم ورزقنا الله قيم الجمال في كل شيء في كوننا المنثور حولنا من أرض مدحوة بجبالها وأنهارها وبحارها وخيراتها وهذا السقف المحفوظ من فوقنا لا تري فيه من تفاوت .

ثم جمال الخلقة الإنسانية لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴿٤﴾ “التين” و أضاف الإسلام إلي جمال الخلقة جمال الخلق وهذا تميز حضارتنا الإسلامية العظيمة .

إن أخلاقنا الإسلامية فرائض لا فضائل، يبدأ هذا الجمال الخلقي باللغة العالمية وهي التبسم في وجه اخوانك، روي جرير بن عبد الله قال ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي وكان جل ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم فإذا ابتسم يفتر مثل حب الغمام. رواه الترمذي في الشمائل .

إن البسمة هي أول خطوة في الطريق إلي فتح قلوب الآخرين، كما يلحق البسمة الجميلة الكلمة الطيبة فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴿١٥٩﴾ “آل عمران”، ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴿١٢٥﴾“النحل”، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴿٣٤﴾ “فصلت.

وتكلم فقهاء الإسلام في أنواع الغسل فوصلت إلي سبعة عشر نوعاً من الغسل دلالة علي أهمية الإعتناء بنظافة الجسد وجماله، وقد تكلم الفقهاء في ترتيب أمور ثلاثة في هذا الأمر :

-       نهي عن القذارة.

-       أمر بالنظافة.

-       استحباب الزينة والطيب والرائحة الزكية.

وقد أمر الرسول رجلاً لم يهذب شعر رأسه أن يصلحه فخرج الرجل وعاد فقال صلى الله عليه وسلم أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان. رواه مالك في الموطأ.

وقد حدثنا صلى الله عليه وسلم عن سنن الفطرة خمس من سنن الفطرة: الختان والاستحداد وهو حلق شعر العانة وتقليم الأظافر ونتف الإبط وقص الشارب. البخاري .

وقال الصحابة كنا نؤمر بالسواك حتي ظننا أن سينزل فيه قرآن .

وقد عقدت المستشرقة الألمانية زيجريد هونكا مقارنة بين حضارة المسلمين في ذلك الوقت وبين حال أوروبا في هذا الصدد، فقالت بأن الفقيه الأندلسي الطرطوشي خلال تجوله في بلاد الفرنجة صادفته أمور تقشعر منها الأبدان، وهو المسلم الذي فرض عليه الإغتسال والوضوء خمس مرات يومياً، اسمعه يقول لن تري أبداً أكثر منهم قذارة، إنهم لا ينظفون أنفسهم، ولا يستحمون إلا مرة أو مرتين في السنة بالماء البارد، وأما ثيابهم فإنهم لا يغسلونها بعد أن يرتدوها، حتي تصبح خرقاً بالية مهلهلة. وتضيف فتقول: إن مثل هذا الأمر من القذارة لا مجال لأن يفهمه العربي المتأنق أو يحتمله، وهو الذي لم تكن نظافة الجسم وطهارته واجباً دينياً فحسب، وإنما أيضاً حاجة ماسة تحت وطأة الجو الحار ذاك. ثم ذكرت أن مدينة بغداد كانت تزدحم في القرن العاشر بآلاف الحمامات الساخنة مع المولجين بها، من ممسدين و مزينين .

أما جمال الثياب فكان أول ما نزل من القرآن وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴿٤﴾ المدثر  بعد الأمر بالتوحيد مباشرة فقال ربنا وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴿٣﴾ المدثر، يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴿٣١﴾قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿٣٢﴾الأعراف .

أما حسن الخلق فقد مدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴿٤﴾ القلم، وقال صلى الله عليه وسلم ليس الصيام من الأمل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم.

وإذا نظرت للجمال المعنوي في حضارتنا الغراء فتجد أن الإسلام حذر من تناجي رجلان دون الثالث فأن ذلك يحزنه وأمرنا باحترام الكبير والعطف علي الصغير وأنه لا يشكر الله من لم يشكر الناس وآداب الزيارة والاستئذان وآداب الضيف والمضيف ولقد نري الجمال واضحاً في الألقاب والأسماء فلقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ما اسمك قال: صس  فقال له صلى الله عليه وسلم بل أنت أبا زرعة. وأراد صلى الله عليه وسلم تغيير اسم رجل اسوه حزن إلي سهل وقال إذا أبردتم إلي بريداً فابعثوه حسن الوجه حسن الإسم.

حتي ظهر جمال حضارتنا في جمال أسماء كتب السلف انظر :

-       الصارم المسلول علي شاتم الرسول، لابن تيمية .

-       الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لتميذه ابن القيم،.

-       الإحاطة في أخبار غرناطة، لابن حزم.

-       فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني.

-       عون المعبود في شرح سنة أبي داوود، لشمس الحق آبادي.

-       الإقتصاد في الإعتقاد، للفرابي.

-       الجواهر الحسان في تفسير القرآن، الإمام الثعالبي.

أما ما قاله المصنفون من الغربيين عن حضارتنا فحدث ولا حرج ولنأخذ أمثلة ثلاثة مما قاله هؤلاء :

يقول جلين ليونارد (يجب أن تكون حالة أوروبا مع الإسلام بعيدة من كل هذه الإعتبارات الثقيلة، وأن تكون حالة شكر أبدي ، بدلاً من نكران الجميل الممقوت والإزدراء المهين، فإن أوروبا لم تعترف إلي يومنا هذا بإخلاص صادق وقلب سليم بالدين العظيم المدينة به للتربية الإسلامية والمدنية العربية، فقد اعترفت به بفتور وعدم اكتراث، عندما كان أهلها غارقون في بحار الهمجية والجهل في العصور المظلمة فقط. ولقد وصلت المدنية الإسلامية عند العرب إلي أعلي مستوي من عظمة العمران و العلم ، فأحيت المجتمع الأوروبي وحفظته من الإنحطاط ولم نعترف ونحن نري أنفسنا في أعلي قمة من التهذيب والمدنية بأنه لولا التهذيب الإسلامي، ومدنية العرب وعلمهم وعظمتهم في مسائل المدنية، وحسن نظام مدارسهم لكانت أوروبا إلي اليوم غارقة في ظلمات الجهل).

ويقول المؤرخ الإنجليزي ويلز: (كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية، وقوانين اجتماعية، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخلق وتاريخ، وإذا طلب مني أن أحدد معني الإسلام فإني أحدده بهذه العبارة: ”الإسلام هو المدنية.

ويقول جوستاف لوبون: (إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية الوحشية في عالم الإنسانية، فلقد كان العرب أساتذتنا وإن جامعات الغرب لم تعرف لها مورداً علمياً سوي مؤلفات العرب، فهم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه… إن أوروبا مدينة للعرب بحضارتها وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين فهم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولي أرقي كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً).

هنيئاً لنا حضارتنا الجميلة التي أعطت رونقاً للحياة لا نقول يفخر بها كل مسلم فحسب بل يفخر بها كل إنسان كان له قلب أو ألقي السمع و هو شهيد .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply