المبادرات في القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

المتدبر للقرآن الكريم والسنة النبوية يلحظ العناية الكبرى في إعداد الأمة وتربيتها على خلق المبادرة، فبالمبادرة للخير يتحقق رضا الله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طـه:84]، وبالمبادرة تفتح لك أبواب الجنان: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:133).

ونجد أن القرآن يحث على المبادرة ويبين الفرق العظيم بين من بادر وبين من سوَّف وأجَّل {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا}[الحديد:من الآية10]، بل إن من صفات المنافقين التسويف والتثاقل وعدم المبادرة {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى}[النساء:من الآية142] والسنة مليئة بالنصوص التي تحث على المبادرة والمسارعة إلى فعل الخير.

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»(1).

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف نتقي الفتن، وذلك كما في صحيح مسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا»(2).

 وعند مسلم(3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لايزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله في النار).

ويربينا صلى الله عليه وسلم على التبكير في الأعمال عامة، دينا ودنيا، وذلك بالدعاء لكل مبكر ومبادر، كما عند أبي داود(4) من حديث صخر الغامدي رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها).

ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت(5).

ومبادرات الأنبياء -عليهم السلام- الذين أمر الله بالاقتداء بهم مسطرة بالكتاب والسنة {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}(الأنعام:90).

 

ومن أعظم مبادرات الأنبياء:

مبادرة خليل الرحمن بتحطيم الأصنام، ومن مبادراته هجرته إلى ربه وذبحه لإسماعيل وإكرام الضيوف.

إلى مبادرات عظيمة في قصة موسى عليه السلام كما في القرآن، حيث ذكر الله عددًا من المبادرات ومنها سقيه الغنم للفتاتين ومافتح الله عليه بسبب ذلك من خير عظيم.

 

أما مبادرات الصحابة فيصعب حصرها هنا، وأكتفي بقدوتين:

فمبادرات أبي بكر رضي الله عنه سارت بها الركبان كما في حديث «من أصبح منكم اليوم صائما»(6).

ومبادرات عمر رضي الله عنه كثيرة جدًا: فهو أول من كتب تاريخ الهجرة، وأول من جمع الناس على التراويح، وأول من دوَّن الدواوين.

 

ومبادرات النساء مسطورة مشهورة كما بادرت أم كلثوم بنت عقبة بن معيط ل في الهجرة إلى المدينة، ومبادرة أم حرام في غزوها مع زوجها وخوض غمار البحر، وقد قال لها النبي صلى الله عليه وسلم  «أنتِ من الأولين»(7).

 

ومن أعظم ما يربي النفس على المبادرة مراعاة هذه الصفات:

-       الصدق والإخلاص فهو يبث في الروح قوة ويقينًا.

-       تدبر القرآن والوقوف مع آياته في المبادرة والمسارعة.

-       الاقتداء بسير الأنبياء والمرسلين وخير القرون.

-       العمل الجماعي والتعاون على البر والتقوى.

-       أخذ الأمور بجدية وقوة.

-       اليقين بحسن جزاء المبادرين.

-       التفاؤل وعدم اليأس مهما طال الزمن.

-       الصبر والتحمل والبعد عن العجلة قبل أوان الأمر ونضوجه.

-       الدعاء والاستغفار واللجوء إلى الله.

وبعد: فأمتنا تنتظر منا أن نكون من المبادرين في أمور الدين والدنيا لنحميها من عدوها، ونجعل لها المهابة والقوة كما كان سلفنا الصالح، وأن نستغني عن أعدائنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 (*) كتبه: أ.د. ناصر بن سليمان العمر، رئيس مجلس أمناء الهيئة العالمية لتدبر القرآن الكريم، والمشرف العام على مؤسسة ديوان المسلم ضمن كتاب "30 مجلسا في تدبر القرآن الكريم".

(1)             رواه البخاري ح(615).

(2)             ح(118).

(3)             ح (438).

(4)             ح (2608).

(5)             متفق عليه، مسلم (2307)، البخاري (6033).

(6)             مسلم ح (1028)،النسائي (8053).

(7)             البخاري ح(2788)، مسلم (1912)، أبو داود(2490)، الترمذي(1645)، النسائي (3171)، ابن ماجه (2776).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply