فرحٌ.. مختلف!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

في رحلة الحياة الدنيوية تكلُّ النفوس، فتحتاج لانفعال يمدّها بالحيوية والحركة والتجدد والحياة، ومن ذلك الحب -وقد تكلمت عنه في وقت سابق-، وأيضاً انفعال الفرح؛ الذي يشابه انفعال الحب.

الفرح هو شعور يغشى النفس حبوراً، ويملأ القلب أنساً، إما لحظياً مؤقتاً أو مستمراً، فأما أغلب الأفراح اللحظية فهي مرتبطة بالمباني والأشخاص والأشياء، والفرح الأدوم هو المرتبط بالمعاني والذي يدخل لأعماق الروح.

ومن أمثلة النوع الثاني أفراح أهل الإسلام، فأشهر موسمين يرتبط بهما أعظم مظهرين للفرح هما عيد الفطر في ختام رمضان، وعيد النحر في ختام الحج، فعن أنس عند أبي داود، والنسائي بسند صحيح، قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى).

ويلاحظ أن هذين الفرحين أتيا بعد سباق في عشرات الأعمال التي تسمو بالنفس، وترهف بالحس، وتفعل في القلب أشواق الطهر والرقي، والإحساس بالآخرين، فإذا بزغ فجر العيد والفرح.. زادت الصلة بالله لترتفع النفوس أكثر، ويتم ذلك بصلاة العيدين؛ وهذا كله يعمق «الفرح المعنوي» الذي يكسب الوجه ضياءً، والقلب نوراً، والنفس سكناً، والثغر بسمة، ويجمل الفرح أكثر إذا لبس الجديد، ووسع على الأهل والأطفال، في اللعب والهدايا، وتجاوبت البيوت بالزيارات، والأقارب باللقاءات، وأهل القرية والمدينة بالأهازيج والدعوات والتبريكات.

أخرج الشيخان وأحمد عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم عيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت.

وأخرج الشيخان وأحمد من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث – وفي رواية -: وليستا بمغنيتين، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-! فأقبل عليه -رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال: "دعهما – وفي رواية – يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا".

يجتمع في أفراح أهل الإسلام أفراح القلوب وأفراح الأبدان، وتبقى متجددة مع تتالي الأزمان، وتعاقب الأجيال، متميزة بتفردها عن الارتباط ببشر، لا موتاً ولا حياتاً، فهذه تهتم بالمظهر؛ والرسوم، فيزاد فيها وينقص، ولا تنفذ لمسارب النفس.

وما أجمل أن يظهر أهل الإسلام أمارات فرحهم المعنوي والمادي فيما بينهم، مع أنفسهم وأهليهم، وأطفالهم وخدمهم وأقاربهم؛ بكثرة الدعاء والتكبير، والذكر والثناء، والبسمة والبشر، وإظهار الزينة والترفيه والإهداء، وإظهار ذلك في البيوت والمصليات، والشوارع والمنتديات، وهذا ما جعل الفرح لدينا فرحاً مختلفا ببقائه ونقائه.. وطيبه وعمقه وجماله وكماله، وشموله للروح والبدن والنفس والناس.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply