العرفان والشكر طريق مختصر لسعادة دائمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

جرب هذا التمرين الذي سيكون له تأثير إيجابي على حياتك وشعورك بالسعادة والتقليل من الاكتئاب:
"اغمض عينيك، وتذكر وجه شخص لا زال على قيد الحياة، شخص عمل قبل سنوات عملاً من أجلك، أو قال لك شيئاً ما، كانا السبب في تغيير حياتك للأفضل، شخص ربما لم تشكره بشكل مناسب في حياتك. يجب أن يكون بإمكانك مقابلة هذا الشخص وجهاً لوجه خلال أسبوع على الأكثر من اليوم.
هل تذكرت شخصاً ما الآن؟
مهمتك هي: أن تكتب رسالة عرفان بالجميل لذلك الشخص، تقر له فيها بالفضل، وأن تسلمها له يداً بيد.  الرسالة لا بد أن تكون مختصرة ودقيقة (حوالي 300 كلمة فقط)، صف في الرسالة بوضوح الشيء الذي عمله ذلك الشخص من أجلك، أو قاله لك، وأحدث تأثيراً إيجابياً في حياتك، عرف ذلك الشخص بحياتك الآن، عملك أو دراستك، وبين له أنك تتذكر باستمرار ما فعله من أجلك أو قاله لك.
بعد أن تكتب الرسالة، اتصل بذلك الشخص واذكر له أنك تريد أن تزوره، ولا تبين له سبب الزيارة. وعندما تقابله، إقرأ الرسالة له، ولاحظ ردود فعله، وردود فعلك أنت أيضاً، وإذا حدث وأن قاطعك أثناء قراءتك للرسالة، اذكر له أنك ترغب في أن يسمعها حتى نهايتها.  وبعد فراغك من قراءة كل كلمة في الرسالة، ناقش معه محتوى الرسالة ومشاعر كل منكما نحو الآخر".
هذا التمرين كما يذكر (مارتين سليجمان)، مؤسس علم النفس الإيجابي، والذي يسميه "زيارة عرفان"، سيجعل حياتك أكثر سعادة وأقل اكتئاباً ليس فقط بعد الزيارة مباشرة، بل وعلى مدى شهر على الأقل بعدها.  حيث تؤكد مجموعة من الدراسات التي أجراها (سليجمان) نفسه، بالإضافة لعلماء نفس آخرين منهم (أمونز وماكلوج)، التأثير الإيجابي للعرفان على حياتنا.  فممارسة الإنسان للعرفان والإقرار بالفضل وما ينتج عن ذلك من شكر، يمكن أن يجعل حياته أكثر سعادة ورضا، فعندما نستشعر العرفان بالجميل الذي قدمه الآخرون لنا، فإننا نستفيد من استعادة الذكريات الإيجابية للأحداث التي وقعت في حياتنا، وعندما ننتقل لمرحلة أخرى نعبر فيها عن مشاعرنا بالعرفان للآخرين، فإن ذلك يقوي علاقاتنا بهم ويجعلها تزدهر حتى بعد فترات من الركود أو الانقطاع.
العرفان (gratitude) هو الوعي بالأشياء الجميلة والنعم التي حصلت في حياتنا والشعور العميق بالامتنان والتقدير لمن كان له دور فيها.  وإذا كان الشكر هو أحد مظاهر العرفان وجزء مهم منه، إلا أن العرفان يتجاوز ذلك إلى الفعل الإيجابي الذي يعبر عن الإقرار بالفضل للشخص الآخر بطريقة تشعره بأهميته في حياتنا وتأثيره الإيجابي فيها.
وجدت أبحاث علم النفس الإيجابي أن الأشخاص الذين يمارسون العرفان في حياتهم، ويقدرون أفضال الآخرين عليهم، ويشكرونهم عليها، هم أكثر عناية بأنفسهم وصحتهم كما أنهم يمارسون نمط حياة أفضل يمكنهم من أن يكونوا أكثر قدرة على التعامل مع ضغوط الحياة وصعوباتها. ومن الناحية البدنية فهم يشعرون بآلام أقل وبصحة أفضل.  وحتى عندما يتعرضون لمآسي أو ظروف صعبة في حياتهم، فإن العرفان يأتي كأحد أهم الوسائل التي يستخدمونها لإستعادة التوازن في حياتهم، والانتقال من التركيز على الجوانب السلبية فيها، إلى التركيز على النعم التي حباهم الله إياها، وبالتالي الشعور بالسعادة.  كما أن العرفان يقلل من الآثار السلبية للانفعالات المسمومة، مثل الحسد والكراهية والاحباط والندم، فتركيزنا على ما نملك من نعم يجعلنا أقل عرضة لأن نفكر بما لدى الآخرين ناهيك عن أن نحسدهم عليه.  كما أن الدراسات وجدت أن رصد الشخص قبل نومه للنعم التي يحظى بها والأشياء الجميلة التي مرت به خلال اليوم يمنحه نوماً أفضل وأطول.
إن العرفان له تأثير كبير على علاقاتنا مع الآخرين، فهو يفتح أبواب القلوب لنا، ويكسبنا المزيد من الأصدقاء، فشكر شخص تعرفت عليه حديثاً، كما تقول دراسة نشرت حديثاً يزيد من احتمالية سعيه لتقوية علاقته بك، إذ أن ذلك يرسل رسالة إيجابية عنك للآخرين، ويفتح الكثير من الفرص أمامك. وفي دراسة أخرى، فإن العرفان بالجميل والإقرار بفضل من أسدى لنا معروفاً يزيد من ثقتنا بأنفسنا وتقديرنا لذواتنا، ويقلل من احتمال قيامنا بمقارنة أنفسنا بالآخرين والمشاعر السلبية التي قد تنتج عن ذلك.
في أحيان كثيرة، نحن نقول كلمة "شكراً" بطريقة عابرة أو سريعة، مما لا يجعل لها قيمة أو أثر عميق في حياتنا، ولذلك فإن الخبرات التي تنتج من تمرين العرفان السابق، وما تحدثه زيارة العرفان في نفوسنا، تمنحنا فرصة للانغماس في الخبرة الإيجابية التي نعبر فيها عن عرفاننا بالجميل والشكر بطريقة تتسم بالتفكير العميق ووجود أهداف أصيلة تحركها.  كما أن مجرد الحضور الذهني والوعي بما لدينا من نعم، يجعلها ماثلة في أذهاننا ومؤثرة في سلوكنا ومعززة لسعادتنا.  إن فضل الله علينا بأن منحنا ذراعين نحمل بهما أطفالنا ونضمهم بهما لصدورنا، وعينين نشاهد بهما جمال الكون ونتقي المخاطر من حولنا، وعقولاً نستطيع بها التمييز بين الحق والباطل، هي نعم تستحق أن نعطيها حقها من العرفان للخالق عز وجل وشكره بأن أنعم علينا بها.
إن العرفان وما ينتج عنه من شكر وتقدير لكل من أسدى إلينا معروفاً نكتسبه من خلال تربيتنا في مرحلة الطفولة، ويمكن كذلك أن نتدرب عليه بعد ذلك أيضاً، حتى يصبح نمط حياة نمارسه باستمرار. فنحن ننزع في أحيان كثيرة إلى التفكير في الأشياء السلبية ولا نمنح أنفسنا وقتاً للتفكير في ما هو إيجابي في حياتنا.  ومن الممكن تغيير هذا النمط من التفكير أو التقليل منه عن طريق اكتساب عادات جديدة.  اكتب كل ليلة قبل أن تنام، وعلى مدى أسبوع كامل، ثلاثة أحداث إيجابية حدثت في يومك (سواءً أشياء بسيطة، مثل قطعة حلوى تلقيتها هدية من طفلك، أو مهمة مثل شهادة تقدير تلقيتها من رئيسك)، وبجوار كل واحدة منها اكتب لماذا حدثت؟ مالذي دفع بطفلك لكي يهدي لك قطعة الحلوى؟ أو رئيسك لأن يشكرك؟ استمر على ذلك أسبوعاً ثم لاحظ التغيير الذي يحدث في حياتك وحياة من حولك.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في إشارة إلى ضرورة أن يتحول العرفان والإقرار بالفضل لسلوك إيجابي: "... من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" ويقول الله عز وجل "وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم" فالزيادة قد تكون في الرزق أو الصحة أو الشعور بالسعادة والرضا والطمأنينة أو بها جميعاً.
والآن فكر في ذلك الشخص الذي أسدى إليك معروفاً أو قال لك كلمة طيبة أثرت في حياتك، واكتب له رسالة العرفان تلك، واقرأها عليه مباشرة في زيارة خاصة بهذا الغرض، ولاحظ أثناء هذه الخبرة جميعها ما ستشعر به من سعادة ورضا بعد ذلك، وتخيل أيضاً لو كان العرفان نمط وسلوك مستمر في حياتك، كيف سيكون جمالها، بل أنها يمكن أن تكون هي الحياة التي تستحق العيش من أجلها.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply