الدعاة والبعد عن الكذب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

أهم ما يجب على الداعية الحرص عليه هو الصدق ولا أظنني أبالغ إن قلت أن الصدق هو أهم خصلة يجب أن تميز الداعية المخلص والإعلامي أيضا.

بيد أن هذه النقطة على وضوحها كثيرًا ما يخرقها البعض، إما مجاملة لبعض الجهات أو رعاية لمصالح شخصية.

وقد يقع الداعية في الكذب، بينما هو أولى الناس بالبعد عنه، قد يكذب في ادعاء قيامه ببعض العبادات أو قراءته لبعض الكتب أو بزعم اطلاعه على واقع أو فتوى، يكذب تجملا أو حياء حتى لا يظهر أما الآخرين بصورة تنقص من قيمته.

وهذه إشكالية تقدح في الإخلاص، فإن الداعية يتعامل مع الله تعالى قبل تعامله مع الناس، وإذا سقط من عين الله تعالى فإنه سرعان ما يفضحه ولو في قعر بيته،

وإني لأكتب هذا الكلام، ولست من هذا الداء في عافية، ولكني أسأل الله تعالى أن يعافيني وإخواني منه، فإن الواقع في أمر يجب عليه إنكاره والله المستعان.

ونعلم جميعا أنه لأهمية تجنب الكذب قد قعّد العلماء في قواعدهم الفقهية قاعدة: لا يجوز الكذب إلا في ثلاث مسائل: الصلح بين الناس، وفي الحرب، ومع امرأته.

وهذه القاعدة مأخوذة من حديث ورد عن أسماء بنت يزيد، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يحل الكذب إلا في ثلاث، يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس).

جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن الخداع؛ إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل.. قال الطبري إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب فإنه لا يحل  قال النووي والظاهر إباحة حقيقة نفس الكذب لكن الاقتصار على التعريض أفضل.

كثيرا ما تشوه الحقائق وتبدل المعلومات وتفسد العلاقات بين الشعوب بسبب تصرفات دعوية أو إعلامية غير مسئولة من قبل بعض الجهات أو العاملين في تلك الحقول ولاحظ هنا أني ذكرت العمل الإعلامي ضمن الدعوي لأنهما يشتركان في العلنية والتأثير ولأن معاناة الإعلامي من هذا الداء ربما أكثر.

ولما كان الإسلام دين الصدق فلا يحل لمسلم الكذب أبدا وينطبق ذلك على الدعاة والإعلاميين بشكل أخص وقد أثنى الله تعالى على الصادقين فقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(التوبة:119).

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن  الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق، حتى يكون صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب، حتى يكتب عند  الله كذابا).

وهذه القاعدة جاءت لرفع الحرج عن الأمة إن واجهت ما حصره الحديث في هذه الثلاث وبما أن حديث الرجل لزوجته -أي مدحه لجمالها وغير ذلك- ليس ضمن نطاق حديثنا عن الدعوة فإن الاستثناء الذي يهم الداعية هنا ينحصر فقط في الحرب وإصلاح ذات البين فكل ما من شأنه أن يخدع العدو يجوز استخدامه عبر الدعوة أو الإعلام وقد يجب لدرء الخطر عن الناس وفي الحديث الصحيح (الحرب خدعة) وكل ما من شأنه أن يصلح بين المتخاصمين من الشعوب والقبائل والجماعات والأفراد فإنه يجوز -ولا نقول يجب- استخدام الكذب فيه ويستحب المعاريض التي تعطي معنى صادق من وجه.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply