حول الهجرة والإقامة في بلاد الغرب - راتب النابلسي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

1. مسألة الإقامة في بلاد الغرب من المسائل التي اختلف الفقهاء فيها، وقد اخترت من الأراء ما أراه أنسب لواقع الغرب اليوم وهو: لا يجوز للمسلم (إن لم يكن مضطراً) أن يقيم إقامة دائمة في بلاد الغرب.

2. استندت في اختياري هذا إلى الحديث الشريف: (يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين لا تراءا نارهما) وبه قال المالكية وغيرهم مستدلين به على حرمة الإقامة في بلاد الغرب، ومستنداً إلى الواقع القائم والمشاهدات التي رأيتها خلال عشرات الزيارات التي قمت بها إلى معظم بلاد الغرب، وكذلك بعض القصص الواقعية التي وصلتني من الثقات.

3. هناك في المقابل قصص لمسلمين عاشوا هناك، واستطاعوا أن ينجو بأنفسهم وبدينهم وبأولادهم، وهذا موجود بلا شك، ولكنه لا ينفي بحال وجود شريحة كبيرة قد فقدت أولادها في هذه المجتمعات، ولا ينكر ذلك عاقل .

4. يمكن لأي شخص أن ينكر هذه القصص أو بعضها ولكن لا يمكن لعاقل أن ينكر:

- انتشار ثقافة الشذوذ الجنسي في كثير من هذه الدول كعادة غير ممقوتة

- انتشار ثقافة المساكنة خارج اطار الزواج

- انتشار ثقافة شرب الخمر كعادة طبيعية ومقبولة

-انتشار ثقافة الانفكاك عن العائلة في سن الثامنة عشر ، في الوقت الذي يكون الشاب او الفتاة أحوج ما يكون الى الرعاية الأسرية.

- طغيان ثقافة المادة والانفكاك عن أي طرح غيبي يتعلق فيما بعد الموت.

وهذه الأمور المنكرة جميعها ما كان لها أن تتمكن في نفوس الشباب والفتيات وحتى الكبار وتلقى صدى لو أن مرتكبها كان فاشلاً غارقاً في التخلف المادي، بل على العكس فالغرب يُسجل نجاحات في شتى المجالات من التفوق العلمي والتكنولوجيا الى قيم العدالة والديمقراطية البراقة وصولاً الى الإجماع على عقد اجتماعي يصون الحقوق والحريات وينهي الفوارق الطبقية والدينية وهذا واقع مادي ملموس لايمكن إنكاره ، بينما الاسلام وقيمه السامية وحضارته المتقدمة في جميع الأصعدة مغيبة وهي تتمثل في واقع مأساوي ليس لعلة فيه بل لسوء الفهم والتطبيق وانعدام النموذج الحي .

5. نسبة من نجا بنفسه وبأولاده هناك محل أخذ ورد، وقد نقلت في الدرس المصور (من مسجد التقوى في عمان) نقولات جاءتني من أناس أثق بهم يعيشون هناك، ولكن هذا لا يعني بحال أن النسب دقيقة وموضوعية، وإن أردنا نسبة حقيقية لأوضاع الجاليات المسلمة في بلاد الغرب، فهذا بلا شك يحتاج دراسات وإحصائيات يمكن أن تعطي نتائج أكثر وضوحاً ودقة وموضوعية.

6. لا أوافق أبداً على ما أورده الكثيرون من أن الفساد نفسه موجود في البلاد العربية والمسلمة، وأعذر من لم يسافر إلى تلك البلاد، ولكني حائر أمام من أقام في البلاد العربية أو الاسلامية وأقام هناك ثم هو يسوي بينهما من حيث الفساد وانتهاك الحرمات والمجاهرة بالفواحش! وأهم ما يقال هنا: إنه لفرق كبير بين أن تكون في مجتمع أكثريته تحتقر الفاحشة، وأن تكون في مجتمع أكثريته تعد الفاحشة حرية شخصية!

7. لا أرى جواز السفر بالطرق غير الشرعية، أو التي تحفها المخاطر، لما في ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق. رواه الترمذي

8. أدعو كل مسلم عموماً، وإخوتي السوريين خصوصاً (أسأل الله لبلدنا الفرج القريب) ألا يسافر إلى تلك البلاد ما دام يجد بديلاً في البلاد ذات الأغلبية العربية أو المسلمة حفاظاً على دينه ودين أولاده، ولو وجد في تلك البلاد بعض المعاناة.

9.  السفر بنية الإقامة المؤقتة، لطلب علم أو تحصيل رزق مع أمن الفتنة جائز بالاتفاق.

10.  أدعو من اضطر من إخوتنا الكرام إلى السفر إلى تلك البلاد أن يحاول بقدر الإمكان أن يكون قريباً من المسلمين الملتزمين والمراكز الإسلامية، وأن يحرص على أولاده وعلى اختيار مدارسهم، وأن يبذل جهداً مضاعفاً في البيت لتربيتهم وتذكيرهم بدينهم ولغتهم العربية وأن يذكر قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).

11. أرجو من إخوتي المقيمين هناك أن يكونوا خير سفراء لدينهم ينشرون الخير ويدعون إلى الله بأخلاقهم وقيمهم، وأن يحترموا قوانين تلك البلاد فيما لا يخالف الشريعة وأن يعطوا خير صورة لديننا وحضارتنا.

12. أدعو إخوتي الدعاة المقيمين في تلك البلاد (ممن صحت عقيدتهم واستقام سلوكهم) إلى تكثيف جهودهم الدعوية ونبذ الخلافات والتعاون على جمع الجالية المسلمة وتوعيتها.

13.  صحيح أن كثيراً من الدول العربية أو المسلمة قصرت في حق النازحين، وقد اضطرت البعض إلى الهجرة، فالهجرة وإن تمت لضرورة قصوى فعلى الأقل لا تنصح غيرك بها بل اكتف بنفسك ولا تبرر وتسوق الحجج، بل حافظ على أسرتك بهدوء، مع مزيد من التمكن في الدين والعقيدة والقدوة الحسنة وتحقير المنكرات .

14.  أحترم كل رأي موضوعي يعتمد النقل بأمانة والدليل الشرعي، وأحترم من يخالفني، وأنبذ لغة الشتم والاتهامات الباطلة، لا سيما إن كانت موجهة لأهل الفضل والخير أمثال فضيلة الشيخ أسامة الرفاعي - يحفظه الله-

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply