كيف أواسي في العزاء


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

هل تساءلتم يوما عن سر العمق في ملامح أطفال الحروب أو الكوارث؟

كانت صورهم دائما تثير تأملي

تعابير وجوههم ولغة عيونهم العميقة ، وكأني أنظر إلى عيني رجل في الأربعين..

كلماتهم التي تكبرهم سنا بعقود ..

أصبحت أدرك جزءا منها،

الآن أشعر أنني لم أعد ذات ال ٢٦ عام التي أعرفها،

الأحداث التي مرت بي أضافت سنوات على عمري، جعلتني أعي قوله عز وجل (فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيبا)

أحداث مهيبة تزيد في أعمارنا بدون أن يتحرك الزمن

الحزن، الألم، الصدمه، الرعب والخوف، كلها تزيدنا عمقاً، تزيدنا نضجاً،

أدركت أن الأعمار ليست سوى أرقام ، الظروف الموازية لتلك الأرقام هي مايجعلنا نهرم

أعرف كم تبدو الجمل رتيبه ومكرره ، لكنها بالتجربة تنتقل من مجرد كلمات إلى إيمان وإحساس (أدعو الله أن لا تعيشوا هذه التجارب)

بطبيعة مايدفعني لهذه التأملات انتقل كثيرا بذاكرتي لتلك الأسابيع الأولى من فقد روحي،

أيام العزاء،

حضرت في حياتي الكثير من اجتماعات العزاء، أقارب وأغراب كبار وصغار، حضرت عزاءات مؤلمة فقدت فيها العوائل عدة من أفرادها، أو زوجها، أو أمها..

لكن لم أكن أتخيل يوما أن أكون أنا الفتاة في المنتصف ذات العينين المحدقة في الفراغ..

في كل مره أحضر فيها العزاء أكون مع أمي،

اعتدت أن يكون العزاء عبارة عن أحاديث وآيات وكلمات مذكرة بالأجر وبالراحة الأبدية،

كلمات تذكرنا أننا في رحلة وممر وطريق سننتهي به إلى شيء أجمل ، بإذن الله إلى جنة عرضها السموات والأرض وسنلتقي بمن نحب..

كنت أعتقد أن كل من يحضر العزاء يلقي بكلمة من هذا القبيل أو تجربه مر بها حيث تكون حكمة الله ولطفه الخفي مغزى من القصة لتطمين النفوس..

أكثر ما كان يثير استغرابي امتنان أهل الميت لحضور والدتي ودعاءهم لها وفرحتهم الشديدة بكلماتها، بينما أنا اعتدت على سماعها عشرات المرات وكأنها من الأمور التي يعلمها الجميع والتي من المؤكد أنهم سمعوها في نفس العزاء قبل ساعات..

اعتقدت ذلك لفترة طويلة، حتى جاء دوري،

جاء الوقت الذي أكون أنا فيه من يستقبل كلمات أمي..

لكني لم أكن بالقرب، وعشت تجربة العزاء الذي لا يوجد فيه إنسانه كأمي، فعلمت لم كانوا يودعونها بامتنان، علمت أنه يوجد عوائل تقضي أيامها الثلاث أو حتى أسابيع بدون كلمات صادقة أو أحاديث وآيات مطمئنة تنفذ إلى عمق القلب لتزيد الثقة والراحه في النفس..

بالرغم من بعدي عن عائلتي، لا يمكن أن أصف حجم الامتنان الذي يغمرني تجاه من حضر لمنزلي، من قطعوا مسافات وساعات طويلة بالسيارة وبالطائرة فقط ليقفوا معي ويقدموا العزاء مع أن أغلبهم لا يعرفون شيئا عني ولا تصلني بهم صله إلا ماسمعوه قبل أيام..

ممتنة كثيرا لتلك الأرواح النقية.. تعلمت منكم الكثير ..

استقبلت الآلاف من التعازي، بأشكال وأساليب مختلفة، بشكل مباشر و من خلف الشاشات، من أقارب ومن أغراب ومن كل فئات المجتمع..

منها ما قواني وبث في قلبي الرضى ومنها ما زادني حزنا و أزعجني ..

تجربتي جعلتني أعلم تماما كيف يجب أن أعزي الآخرين، وكيف لا يجب أن أعزيهم

وأعتقد أنه من واجبي أن أنقل التجربة، لأني أريد من كل من يقرأ هذه الكلمات أن يكون حضوره للعزاء ذا قيمة، وليس مجرد عدد لا ينفع بشيء سوى الجلوس لدقائق واحتساء القهوة وترديد جملة العزاء..

واعتذر مقدما إن كان في بعض حديثي ردة فعل قاسية على بعض التصرفات بالرغم من تقديري أن أغلبية من أخطأ في تصرف أو في كلمة لم يفعلها عمدا وإنما بحسن نية ظناً منه أنه يقدم المساعدة لكني أحببت أن أكتب مشاعري بدون لطافة مصطنعة ليصل الشعور كما خرج من القلب ..

كيف أعزي؟

أولا:

 تعزيتك لأهل المتوفى هي طاعة لله عز وجل وأحيانا يكون واجب مجتمعي تتضامنين فيه مع من تعرفين لذلك لابد أن تستشعري إذا ذهبت للعزاء أنك في مهمه عظيمة سامية وليس رحلة استكشاف تستغلينها لتشبعي فضولك عما حدث..

فلا تسألي عن شيء حتى يحدث لك منه ذكرا، لا تسألي كيف مات ماذا حدث! فهذا لا ينفع بشيء لصاحب المحنه، ولا تخرجي لتنقلي ماسمعته وكيف تبدوا حالة المتوفى لهم إلا بهدف حقيقي فأنت يوما ما قد تكونين مكانه..

ومن المهم أن تدركي أن ذهابك للعزاء ليس الهدف منه جعل أهل الميت ينسون مصيبتهم ويستمتعون بأحاديثك الطريفة، ليس الوقت مناسب للضحك وتبادل القصص والمواقف وكأنك في مهمه لتغيير الجو الكئيب، هذا الجو ليس ناتج عن رسوب في مادة أو طلاق أو كسر في الحوض، هذه مصيبة موت، شعورهم لايمكن لأيام وأسابيع من التسلية أن تزحزحه عن مكانه قدر شعره، فلا تحاولي ذلك، أعطي الجو إحترامه وهيبته خاصة أيام العزاء الأولى، الوقت هذا شيء يستحيل عليك فهمه مالم تجربي الموقف فاجعلي حضورك مليء بالاحترام والتقدير للوقت والمكان، وطبعا لا بأس أن تكوني مشرقه الوجه متفائلة وكلماتك فيها أمل أو قصة هادفة ، لا أدفعك للذهاب مكتئبة ولكن الواقع ان المكان ليس للضحك والوناسه..

ثانياً:

لو كنت تعرفين شخص مر بنفس الحدث وتحسن حاله سيكون من الجميل أن تطلبي منه مرافقتك للعزاء حتى ولو لم تكن تربطه بالمتوفى لهم قرابة أو صلة لأن مروره بنفس التجربة سيجعل لكلامه بالغ الأثر في النفس بعكس من يتحدث بما لم يجرب.. كما قيل

هو البينُ يجتاحني ليلةً           يـروّعني مـنه مـا روّعـك

وجئتَ إليَّ وقاسمتني          دموعي التي مازجت أدمعك

تقولُ

أواري دموعي لكي تشتكي          وأمسح رغم النّوى أدمعك

أكثر شخص أثر فيني حضوره للعزاء كانت فتاة لطيفة اسمها آلاء، أخبرتني أنها فقدت طفلها قبل خمس سنوات، صبرتني كثيرا ثم أخبرتني أنها الآن سعيدة وأن تذكرها لكل ما مر بها يبدو وكأنه مغطى بغشاء لا ينفذ منه الأسى والحزن ، أخبرتني أنها وصلت إلى مرحلة الرضى التام وكيف تبدو تلك المرحلة وكيف هو أثر السنوات على تخفيف الألم ..

آلاء، بالرغم من أنني لا أعرف طريقة للتواصل معك أتمنى أن تعرفي أنني ممتنة لك كثيراً ..

ثالثاً:

تجنبي إعطاء النصائح وقت العزاء فهذا توقيت سيء جدا سواءً كان يمت للحادث بصله أو لا،

مثلا لو كان الميت توفي في حادث سير سيكون من عدم المراعاة قولك (لا تعطون فلان سياره لحد مايكبر) أو نصيحه للحضور (اكدوا على عيالكم الله يهديهم لايسرعون) جدياً لو كان باستطاعه أهل الميت أن يحملوك ويرموا بك من السطح فليس عليهم ملامة أبداً..

لأن ذلك سيشعرهم وكأنك تلومينهم أو أنهم لم يقوموا بما يكفي لمنع حصول المصيبة..

ولا حتى نصائح دينيه بحجة استغلال الفرصة كأن تقولي لأصحاب العزاء (اتركوا الموسيقى والملابس العارية واعتبروا فالدنيا فانيه) ليس وقتك بتاتا، لاحظت منكر يجب انكاره احتفظي به في عقلك حتى وقت آخر..

وأهم نصيحة لا يجب تقديمها هي منع أهل الميت من البكاء واشعارهم بالذنب على حزنهم العميق تجاه مصيبتهم.. وهذا غالبا يصدر بسبب الجهل، بحجة أن الميت يتعذب ببكاء أهله ويفسرون حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يعاقب ببكاء أهله،

وهذا غير صحيح إنما أجمع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المقصود بالحديث أن الميت يعذب إذا وصى أهله بالنياحة و العويل المبالغ فيه بعد موته كما كانوا سابقا يستأجرون من ينوح ويبكي لهم في العزاء ويتنافسون بذلك ، أما غير ذلك فلا تزر وازرة وزر أخرى.. والمنهي عنه فقط هو الاعتراض والمبالغة والصراخ..

وقد ورد في الحديث ( بكى النبي –صلى الله عليه وسلم– فلما رأى القوم بكاء النبي –صلى الله عليه وسلم– بكوا فقال: (أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا – وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ – أَوْ يَرْحَمُ).

فالسخط وعدم الرضى بأقدار الله والكلام الذي فيه اعتراض هو مانهي عنه وليس الحزن والدموع.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم (إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا مايرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون).

الحزن والبكاء طبيعة بشرية وحاجة لتفريغ الشعور بل هو وسيلة للراحة فإذا رأيت أهل الميت يبكون اكتفي بتقديم يد حانية وكلمة طيبة وذكريهم أن خير البشر رسول الله بكى وأنه قال أن البكاء رحمة..

رابعاً:

المصيبة وقاصمة الظهر، أن تتهمي أحدا بما حدث، سواء كان أهل الميت أو غيرهم، مثلا (حسدوه) أو (فلانه كانت دايما عينها عليه) ، (كله من فلانه  ما انتبهت له) ، (مات بسبب السواق المتهور) أو أن ماحدث عقاب من الله على عمل عملوه ، فهذا كله –غير أنه قد لايكون له أصل من الصحة واتهام بالباطل– هو أيضا قله إيمان بالقضاء والقدر يفضل الاحتفاظ بها لنفسك وبغض النظر هل السبب صحيح أو غيبي أو مخترع من خيالك ووساوسك فهذه الكلمات (ليس وقتها أبدا ولا تواسي أهل الميت).

خامساً:

كوني مبتكره ومبادرة في أسلوب تعزيتك، مثلا اكتبي رسالة بخط اليد واعطيها صديقتك المتوفى لها أو أهل الميت، أرسلي فطور صباحي أو غداء أو طبق مع كتاب مناسب للحادثه من الكتب المواسية في هذه المواقف مثل: برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين أو كتاب عدة الصابرين و ذخيرة الشاكرين لابن القيم…وغيرها من الكتب التي تذكر بالأجر الذي أعده الله للصابرين أو تسلي القلب بذكر نعيم الجنة ..

من التعازي الغريبة التي وصلتني من جيراني الأجانب غير المسلمين كانت نبته طبيعية وسلة فواكه مرفق معها ظرف بداخله كرت بخط مجموعة من الجيران مع بعض الدولارات من فئة العشرين .. لأن في أمريكا الدفن والتجهيز للعزاء يكلف العائلة مبالغ كبيرة فيجتمع الأقارب لمساعدته ماديا لتخفيف العبء عن أهل الميت..

ومنها رسالة وصلتني بالبريد من منظمة تتبع أخبار الوفيات لترسل رسالة معها ميدالية على شكل رعاش الماء، ومعها قصة رمزية عن الحياة لتخفيف الألم عن أهل الميت..

كيف أواسي في العزاء:

ومن التعازي الأجمل من هذه قصيدتين أنشدت وأرسلت لي

كتبتها الشاعرة الصديقة أمل الشقير و أخرى كتبتها الشاعرة د.زينب كردي ..

في الحقيقة لم أعد أقوى على سماعها أو قراءتها منذ مدة طويلة، لكن كان لها أثر جميل حُفر في قلبي..

سادساً:

لا تتدخلي وتقدمي النصائح فيما يخص طريقة حزن أهل المتوفى على فقيدهم ، ليس لك علاقه بأغراض المتوفى أو صوره أو منزلهم أو أي شيء يتعلق بهم وبه، لا أعتقد أنه من الذوق تقديم النصيحه بدون أن تطلب منك أو تستشارين لأن هذا الوقت بالذات يعتبر حساس جدا لأهل المتوفى ، فلا تقولي مثلا (احذفوا صوره كلها وحاولوا النسيان)، (غيروا بيتكم)، (غيروا سواقكم)، (تزوج بسرعه وكمل حياتك) (احملي بسرعه وجيبي بيبي غيره)، (تصدقي بكل ملابسه وأغراضه يجيه أجرها)، رجاءا أيضا النصائح احتفظي فيها لنفسك فكل إنسان يختلف طريقة تفاعله مع حزنه عن الآخر، حتى لو كنت قريبة جدا من المتوفى له، لا تتصرفي من عندك وتحذفين صور أو تتخلصين من أغراض ، هذا قرار ليس لك ..

حتى لو أنت مررت بنفس التجربه لا تقدمي توجيهات بهذا الخصوص تحديدا لأن كل انسان له مشاعر واسلوب مختلف عن الآخر.. فالبعض تؤذيه الصور والبعض تسعده وتخفف عنه، ولا يمكن لنا فهم الاختلافات الشعورية بين البشر..

إنّا لنُوجَعُ إن غابوا ، وسِلوتنا

أصداءُ ضحكتهم والطيفُ والصّوَرُ

لكن إن أردت تقديم تجربتك فاطرحيها على أنها تجربه وأكدي بعدها أنه لا يلزم أن الجميع نفس حالتك وأنهم يجب أن يفعلوا ما يحسونه الأنسب لمشاعرهم وأن أي تصرف يتخذونه ويشعرهم بجزء من الراحة هو التصرف الصحيح.

سابعاً:

وهذه ماتحتاج حتى أن أكتبها ولا اعتقد انه سيقرأ هذه الكلمات شخص قد يفعل هذا التصرف لكن كلمة في الخاطر أوجهها لصنف نادر ولله الحمد من البشر ولا أخاطب بها الجميع، لا تشمتين بمصابهم لا بالتلميح ولا بالتصريح لا لهم ولا حتى بينك وبين نفسك لأنها ستعود في النهايه عليك ، وأي كلمه تسبب أذى لنفوسهم ستذوقينها سواء في الدنيا أو الآخره..

ومن السيئ جدا تبجحك بسلامة أفراد عائلتك وأن اهتمامك بهم وحرصك هو سبب سلامه زوجك وأولادك وأمك وأبوك من الوفاة ، لا سيما إذا اقترن بمدح للذات ومستوى الحرص كما قال قارون (إنما أوتيته على علم عندي)

والحمدلله أن هذا النوع من الناس قد لا يصادفه معظم الأشخاص ولكن على أرض الانترنت نرى العجب العجاب..

ثامناً:

جملة (انسي اللي صار) أراها جملة ساذجة جداً، لا ينسى الإنسان ولا يجب أن ينسى ولا يجب أن يحاول النسيان، يجب أن يرضى ويتعايش لا أن يفقد الذاكره، أو يستبدلها بقطعه غيار جديدة طفل جديد أو زوج جديد،

الراحلون وإن طال الغياب بهم

باقون في القلب ماغابوا ولا رحلوا

من مات لا يمكن تعويضه إلا بلقياه في الجنة ولكن يخلف الله خلفا له في الدنيا حتى يخفف الألم بإذنه ويرتاح البال ويسلو عن استحضار الماضي ولو بعد سنوات..

تاسعاً:

لا تظهري الرحمة والشفقة والعويل أمام أهل الميت ، حاولي تمالك نفسك وكوني هادئة متفائلة صابره حتى يستمدوا منك الصبر واظهري غبطتك لهم على فرصتهم في الصبر وماذا أعد الله للصابرين يوم يلقونه ، اقرأي مقال أو اثنين في أجر الصبر حتى يمكنك تشجيعهم والتخفيف عنهم..

عاشراً:

وهذه النقطة لفتتني لها بعض التعليقات ، لا تبالغي في الزينة عند حضورك للعزاء، العزاء ليس عزيمة عشاء أو احتفال، فللموت هيبته ولكل مقام مقال، وهو أيضا من باب المراعاة لأهل الميت حيث أنهم لن يكون عندهم الرغبة للتزين فلا تجعلي حضورك يجعلهم يشعرون بالضيق ..

واخيرا وهو الأهم:

حثي أهل الميت على البدء بقراءة القرآن كاملا ففيه العزاء والسلوان، لأن القراءة في هذا الوقت بالذات تختلف تماما عن أي وقت، الآيات بدت لي وكأني أسمعها وأعيها لأول مرة بالرغم من أني حفظتها مرارا وتكرارا ولكن وجودي على نفس الصعيد الشعوري مع بلاء أم موسى، أو أب يوسف،  أو بحسب قرب ظروف الميت لظروف القصة القرآنية يجعل وقع الآية على النفس يختلف تماما وستبدوا الكلمات وكأنه عز وجل يخاطبك بها بشكل مباشر .. خاصة وأن الله عز وجل هو من وصف مشاعرهم بدقة يعجز الإنسان عن وصف شعوره بها فيطمئن أن الذي خلقني يعلم تماما مافي القلب بدون الحاجة لأن أحاول قوله وشرحه والتعبير عنه..

فالله وحده يعلم كيف أصبح (فؤاد أم موسى فارغا) ويعلم تماما كيف هو شعور يعقوب يوم تولى عن أولاده وقال (يا أسفى على يوسف)

يقول الحسن البصري رحمه الله “إذا أدرت أن تكلم الله فعليك بالدعاء، وإذا أردت أن يكلمك الله فعليك بالقرآن

بعد دخولي للمسجد للصلاة على قطعة القلب فتحت المصحف بشكل عشوائي لأقرأ أي آية قبل الصلاة فأنا من ملايين المسلمين الذين وقفوا أياما يرددون آمين عند قول الإمام (اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وهمومنا) ، لجأت للقرآن لعل الله قد استجاب لهذه الدعوات التي نكررها على الأقل كل سنة في رمضان ..

فتحت المصحف ووقعت عيني مباشرة على هذه الآية (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ).

آية واحدة كانت كفيلة أن تجعلني أجهش بالبكاء

لا أعتقد أنه يمكن لأي إنسان أن يتصور الراحة التي غمرتني فجأة في قمة الحزن ، أحسست أن الله عز وجل يعزيني بأحن كلمة و بشكل مباشر، لأني لا أؤمن بوجود الصدفة في كون خلقه الله وكتب تفاصيله (وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

اجتمع الناس حولي ظنا منهم أني أبكي حزنا وانهالت علي كلمات التصبير والدعوات والأحضان لكني لم أكن أحتاج أكثر تصبيرا من تلك الآية، لم يكن بكائي حاجة لوقفة إنسان.. فكل ما أحتاجه للأيام القادمة كان قد وصل في لحظة لعمق القلب ..

والحمدلله على الأقدار خيرها وشرها

اللهم ارزقنا يقين عبدالله بن مسعود حين قال ”لأَنْ أَعُضَّ عَلَى جَمْرَةٍ حَتَّى تَبْرُدَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لِشَيْءٍ قَدْ قَضَاهُ اللَّهُ : لَيْتَهُ لَمْ يَكُنْ

هذه الكلمات كتبتها على أيام متفرقة ولم أخرج منها مرة بعيون جافة..

جرتِ الدّموعُ مِن العيونِ تفجّعا

لحنينها فكأنّهنَّ عُيونُ

مازِلتُ أجرعُ دمعتي مِن غلّتي

أُخفي الهوى عن عاذِلي وأصونُ

فأتمنى من الله أن تصل للقلب كما خرجت منه.. وأن يكون لهذا البوح فائدة وأثر جميل على من يستعد لتعزية قريب أو عزيز ..

وكلي أمل بعد هذه العبارات أن تكوني نسمه رقيقة على من تعزين، وأن تحرصي كل الحرص أن لا تؤذيهم بكلمة وادرسي خطواتك وكلماتك بحذر فما أسهل أن تجرحي إنسان في قمة ضعفه..

وأحسن الله عزائي وعزاءكم وتكفلنا برحمته وعنايته إلى أن نلقاه على سرر متقابلين.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply