العلم والخلق


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

العلم والخلق موضوع نحتاج إليه في كل زمن، وتشتد الحاجة إليه في هذا الزمن لشيوع مايظن أنه علم، وشيوع قلة خلق مع هذا المفهوم أنه علم، لكن قبل أن أقتحم الموضوع لابأس أن أذكركم وأذكر نفسي معكم أن هذا الذي تأتون له إنما هو درب سلكه الناس قبلكم، هذا الدرب.. هذه الطريق.. طريق العلم والسلوك لطلبه طريق سلكها الصحابة فمن بعدهم، فانظروا أين تضعون أقدامكم ، طريق مدح الله سالكها في كتابه وأثنى رسوله صلى الله عليه وسلم عليه، يقول الله تعالى: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ".

ويقول: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ".

ويقول: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ" فعطف أولي العلم على نفسه تعالى وعلى ملائكته.

ويقول: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ"

ويقول: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"

وفي الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله).

ويقول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن العالم ليستغفر له ما في السماوات والأرض والحيتان في جوف الماء، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا) أي مقام هذا الذي تشتغل الملائكة بالاستغفار لصاحبه، الملائكة فمن دونها يشتغلون بالاستغفار لمن يسلك درب الطلب (أعني طلب العلم).

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ختام الحديث: (وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر) الناس الآن يتنافسون في أن يكونوا ورثة العلية.. ورثة الملأ ـ وأعني بالعلية الأنبياء ـ فمن ورثهم فقد ورث مقامهم، لماذا هذه التقديمات؟ لتعلموا أي شأن أنتم فيه، لتنظروا في أي شيء استعملكم الله تعالى، وأنا أعلم أنه ما كل طارق باب شعبة الدراسات الإسلامية كانت هذه نيته، لكن كل وقت صالح لأن ينوي فيه صاحبه هذا، أنتم في عبادة.. أنتم في ذكر، فانووا.. أنووا هذا.

فضل العلم، فضل العلماء، فيه من الآيات والأحاديث ما يستعصي حصره وتتبعه، لكن كما قال بن مالك: (وليقس مالم يقل)، يكفي في ذلك أن يقول سفيان بن عيينة أن أعلى الناس مرتبة عند الله من؟ (من هم بين الله وعباده) ومن هم الذين يتبوؤون هذه المكانة؟ صنفان: الأنبياء والورثة وهم العلماء.

 

قال علي رضي الله عنه: (كفى بالعلم شرفا أن ينتسب إليه من ليس فيه، ويفرح إذا نُسب إليه ـ ليس بعالم ولا بطالب علم وإذا قيل له "الفقيه" فرح مع علمه أنه ليس كذلك ـ وكفى بالجهل ضعة أن يغضب ويأنف من أن ينتسب إليه من هو فيه، ما سلك طرق علم ولا جالس العلماء ولا زاحم الركب ولا حتى دخل هذه الشعب وإذا قيل له هذا رجل أمي يغضب، يقول: أنا أمي؟ أنا جاهل؟ فيغضب، فكفى بالعلم ضعة أن يستحي من الانتساب إليه من هو فيه. لكن موضوعنا العلم والخلق، كل هذا الذي سمعتم إن لم يكن معه خلق فهو وبال على صاحيه، قال أحد أحدهم:

لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخــــــــــــــلاق

فإذا رزقت خليقة محمـــودة فـقد اصـطـفاك مقسم الأرزاق

وقال غيره:

لو أن في العلم دون خلق شرفا لكان أشرف الناس إبليس لأنه عاين ورأى مالم نرى، وعلم ما لم نعلم، الذي نعلمه غيبا رآه هو عيانا ولكنه لم يعمل ولو كان في العلم بلا خلق وبلا عمل شرف لكان أشرف الخلق إبليس، ومع ذلك أقول لكم شيئا: الخلق بلا علم لا يضر صاحبه، والعلم بلا خلق يضر صاحبه ويضر الناس، هذا الذي يأتي لتحصيل العلم أولى به أن يقدم تحصيل الأدب والخلق أولا فيأتي العلم على تربة صالحة مهيأة لتلقيه، ألم تسمعوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إن خياركم أحاسنكم أخلاقا)، وفي رواية لهذا الحديث الصحيح عن الطبراني (خياركم أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يَألفون ويُألفون) يَألف الناس ويَألفه الناس، لاتراه متوحشا ـ أقصد بالمتوحش الذي يأنس بالوحشة وبالوحدة ويستوحش من الناس ـ هذا هو المتوحش.

(الموطؤون أكنافا) وليس كما جاء في حديث أم زرع: (..زوجي العشنق إن أنطق أطلق أو أسكت أعلق).

وقالت الأخرى: (زوجي كلحم جمل غث على جبل وعر)، (لحم جمل غث) لو كان على السهل الموطأ من يرغب فيه، الغث المهزول، من يرغب في مثل هذا، ومع ذلك زوجها (لحم جمل غث على جبل وعر) حتى إذا أردتموه تتكلفون له مشقة ويصيبكم العنت لأخذ هذا اللحم الغث.

(الموطؤون أكنافا، الذين يَألفون ويُألفون) ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثنى عليه ربه بما تعلمون، قال: "وإنك لعلى خلق عظيم" يقول لله في دعائه المشهور: (واهدني لأحسن الأخلاق). إذ كان هذا الذي أثنى عليه ربه بأنه على خلق عظيم والنعت صادر من رب العزة، يقول: "إنك لعلى خلق عظيم" والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اهدني لأحسن الأخلاق) مامعنى (اهدني)؟ وقد صرح ربك بأنك عليها وقد هُديت إليها وأنها فيك، فما معنى(اهدني)؟ لاأفهم هذا إلا أن يكون على وجه طلب الاستدامة عليها لاتُنزع منه، كما كان ابن عمر رضي الله عنه يقول: (اللهم كما هديتني للإسلام فلا تنزعه عني حتى تتوفني عليه) استدامة!.

المصلي ماذا يقول في الفاتحة؟ "اهدنا الصراط المستقيم".. وأي صراط أعظم استقامة من هذا الذي أنت فيه وأنت تصلي؟ فمتى يُنطق ب "اهدنا الصراط المستقيم" ؟ دعها لغيرك! لكنه طلب الاستدامة عليها (اهدني لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لايصرف عني سيئها إلا أنت).

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply