طالب العلم بين الترتيب والفوضوية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

هذه فوائد من رسالة للشيخ عبدالعزيز السدحان حفظه الله عنوانها "طالب العلم بين الترتيب والفوضوية"

بعض طلبة العلم يتشبَّث بأعذار ليرقع تقصيره في طلب العلم يقول الشيخ عبدالعزيز السدحان حفظه الله :

ولمثل هؤلاء يقال: جاهدوا تلك الهمم الضعيفة والعزائم العليلة، فالخير موجود، والبركة لا تنقطع. واجعلوا في سويداء قلوبكم ونصب أعينكم: ﴿الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز﴾(الشورى: ١٩)

وفي الحديث القدسي: »أنا عند حسن ظن عبدي بي«

أين أنتم من قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم) ومن قوله صلى الله عليه وسلم (ومن يتصبر يصبره الله)

واعلموا ـ رعاكم االله تعالى ـ أن من استعان بربه ثم جاهد نفسه و رتب أموره سيرى ما تقُر به عينه وينشرح به صدره من بركة الوقت وتيسر الأمر.

 

أهمية الترتيب في حياة طالب العلم:

يقول الشيخ عبدالعزيز السدحان حفظه الله :

لتعرف قيمة الترتيب وعظيم أثره وآثاره في حياة طالب العلم.. قارن بين طالبي علم :

-       أحدهما: حريص على أوقاته لا يفرط في جزئيات وقته فضلاً عن كلايتها، يقسم أوقاته على ما يحتاج من الأمور بعناية تامة ، كل ذلك بترتيب ذهني مسبق ثم يبدأ يومه أو اسبوعه أو شهره أو عامه وقد رسم خطة أعماله فتراه بإذن الله منتظماً في مسيرته، تقضى أوقاته ويحصل مراده بفضل االله تعالى ثم بعنايته بالترتيب .

-       بينما ذلك الذي لم يرتب أموره وأخذ الأمر بفوضى وعشوائية ستراه يهدر أوقاته وينهك جوارحه ويتعب نفسه، بل وقد يتعب غيره وقد يضر نفسه وغيره بسبب تلك الفوضوية.

فطالب العلم قدوة في شأنه كله؛ فإن أحسن وتأثر به من خالطه فذلك نفع للجميع، أما إن كانت الأخرى، بأن عُرف عنه إضاعته لأوقاته وتفريطه في أمور تجاه نفسه وتجاه الآخرين وتأثر به من خالطه فذلك ضرر على الجميع .

 

من أسباب الفوضوية التي ذكرها الشيخ حفظه الله :

1. التواكل و التسويف .

2.  عدم تقدير قيمة الوقت .

3.  عدم العناية بأشغاله وأموره ابتداءً .

4.  تقديم شغل على آخر وتأخير أشغال أخرى دون مقارنة .

5.  استصعاب الأمور .

6.  اللامُبالاة .

7.  اليأس والخمول .

8. اتخاذ القرار بسرعة دون تأن ٍّ وترفّق .

9.  اتخاذ القرار وهو مشغول البال مضطرب الفكر .

10.  المبالغة في التفاؤل مما يولد عند عدم تحقيق طموحاته ومرئياته نوعاً من الفوضى الذهنية والبدنية .

 

ذكر الشيخ أمثلة للفوضوية عند بعض طلبة العلم ليقلع عنها من ابتلى بها ويحذرها من عوفي منها :

الفوضوية في التأخر عن الصلاة تارةً بفواتها وتارةً بفوات بعض ركعاتها لأجل التأخر المعتاد منه ومن أسباب التأخر :

-       عدم وضوئه إلا عند الإقامة أو بعدها .

-       منهمكاً بشغل من كتابة أو قرائة فيستمر في قراءته أو كتابته ليختم نهاية الكتاب أو مبحث منه، والشيطان يزين له ذلك ويحسنه .

-       تلبيس الشيطان أن عادة الإمام التأخر في إقامة الصلاة .

 

ذكر الشيخ أسباب تعين طالب العلم على تجنب الفوضى والتخلف والتأخر عن الصلاة :

-       أن يحرص على أن يكون على وضوء دائماً .

-       أن يجعل الأذان فيصلاً بينه وبين مشاغله وجلسائه ويكون هذا هو الأصل في شأنه .

 

الفوضوية في النوم:

ومن الترتيب في النوم :

-       تحديد وقت معيَّن للنوم .

-       وضع أسباب لترتيب استيقاظه مثل جرس التنبيه الساعة أو الهاتف .

 

الفوضوية في قضاء الحوائج:

وهذه الفوضوية لها أضرار على صاحبها فمن ذلك :

-       تأخير قضائها بالكلية إما بالتسويف أو بتوكيل من ليس أهلاً لذك .

-       تراكم الاشغال واشتغال البال بها .

-       ولو أنه سارع بقضاء تلك الحاجة في وقتها لترتبت أموره وانتظمت اوقاته .

 

الفوضوية في الزيارات:

ترتيب طالب العلم لزياراته يحفظ عليه أوقاته، بخلاف منزكان طبعه الفوضى في ذلك فإن أوقاته ُتهدر وتمضي دون مراعاة لقيمة الوقت .

ومن أمثلة الفوضوية في الزيارات :

-       أن بعضهم يوغل في زياراته و يُكثر منها حتى يكون الأصل في أوقاته التنقل من مكان إلى مكان في جميع أيام الأسبوع إلا ما ندر .

-       أن بعضهم يذهب المسافة البعيدة لزيارة أحد أصحابه دون التأكد من وجوده و عدم انشغاله .

-       فترتيب امر زياراتك بعد توفيق الله يدفع كل ما تقدم ذكره من إضاعة أوقاتك .

 

الفوضوية في صلة الأرحام:

فمن ذلك :

-       أن بعضهم قاطع لكثير من رحمه مع ُقرب مساكنهم نسبيا مع شدة وصله لكثير من أصحابه مع تباعد مساكنهم .

-       أن بعضهم يكثر من زيارة واحد او آحاد من رحمه ، وقد يكون اولئك الذين قطع وصلهم آكد حقاً ممن وصلهم .

ومن الترتيب في ذلك :

-       أن يجعل في كل اسبوع زيارة أو زيارتين أو أكثر حسب ما يراه من اقتضاء المصلحة .

-       أن يقدم الأحق قرابةً وسناً .

-       تنوع الوسائل في صلة الرحم بفضل ما يسّر من وسائل التقنية .

 

الفوضوية في المواعيد:

-       بعضهم ليس لمواعيده زمام ولا خطام .

-       بعضهم يتعمد في جعل أوقات مواعيده تتضارب مع مصالح أهم كبر الوالدين بقضاء حوائج لهما في ذلك الوقت .

-       بعضهم يعد الآخرين بعشوائية ثم يفاجأ بموعودين أى ثلاثة في وقت واحد ، فيحرج نفسه وغيره .

 

الوسائل المعينة على الترتيب في المواعيد:

-       الوفاء من خلق الأنبياء قال الله :﴿واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا﴾(مريم: ٥٤)

-       كتابة تلك المواعيد في ورقة أو سجل خاص .

-       الإستعانة بوسائل التقنية الحديثة ، كجهاز الجوال الذي يتضمن برامج للتذكير بالمواعيد .

-       أن يطلب من صاحب الموعد إذا كان وعده بعيد الأجل أن يشعره بالموعد المتفق عليه قبل وقته بمدة كافية حتى لا يرتبط بأمور أخرى تصعب عليه الوفاء بالوعد المسبق .

 

المكتبة بين الفوضوية والترتيب:

من آثار الفوضوية في المكتبة وعدم ترتيبها :

-       ذهاب وقت كثير في البحث عن كتاب معين في مكتبته .

-       قد يشتري بعض الكتب مرتين أو ثلاث .

-       قد يتأخر في بحث موضوع أو قراءةً أو كتابةً لظنه عدم وجود الكتاب المقصود عنده .

ومن طرق ترتيب المكتبة:

-       تقسيمها على حسب الفنون العلمية تقسيماً إجمالياً ثم تفصيليا .

-       إفراد مصنفات المكثرين من التصنيف، فيجعل ركناً خاصاً لمصنفات ابن تيمية، وركناً لابن القيم، وركناً للسيوطي.. وهكذا .

 

الفوضوية في إيقاف السيارات:

-       مراعاة شعور المسلمين وعدم أذيتهم من التعبد لله .

-       ممايزيد تلك الصورة قبحاً إذا كان أصحاب بعض تلك السيارات من الموسومين بالخير والصلاح، وغالباً ما يكون هذا عند حضور محاضرة أو درس .

-       على صاحب أن يحرص جاهداً على إبعادها عن بيوت الناس كإيقافها عند سور المسجد او مدرسة أو حديقة أو اير ذلك، فإن شق ذلك فعليه أن يتجنب الوقوف أمام البيوت .

ومن الفوضوية فيما يتعلق بوقوف السيارات ايضاً ما يحصل من بعضهم من إيقاف سيارته بطريقة عشوائية فيأخذ مكان يكفي لسيارتين وأحياناً ثلاث .

ومما يحسن ذكره هنا أن يجتمع الأثنان أو الثلاثة في سيارة واحدة عند المجيء للمسجد و في ذلك مصالح كثيرة منها :

-       تقليل عدد السيارات .

-        ضعف احتمال أذية الجيران .

-        تذاكر العلم فيما بينهم .

 

الفوضوية في الترويح عن النفس:

-       الترويح عن النفس أمر مشروع ودين الإسلام دين السماحة واليسر ودين الكمال والجد .

-       في كتب الشمائل النبوية خصوصاً سيرى نصوصاً كثيرة في تنوع أساليب الترويح عن النفس، فمن ذلك على سبيل المثال :

مسابقته صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها .

مسابقته بين الخيل المضمرة والغير مضمرة .

مشاهدته للحبشة وهم يلعبون .

-       الأصل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الجد والعزيمة والترويح عارض، و هو مع ذلك يتقوى به على وظيفته العظيمة في دلالة الناس على الخير .

-       مع ترويح النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه فقد كان معطي كل ذي حق حقه .

 

الفوضوية في طلب العلم:

-       الفوضوية في حضور الدروس :

1. بعضهم إذا لم يفهم شيئاً في أول حضوره للدرس أصابه إحباط فترك الدرس ولم يعُد إليه .

2. كثرة التنقل بين درس إلى آخر بدون ضابط معين ، بل عشوائية في الحضور أو التعجل في التحصيل .

3. يحاكي بعض أصحابه في حضوره و غيابه ، فمتى حضر فلان حضر معه و إن تغيب فمعه ايضاً .

4. يجعل الدرس عرضاً ، بينما يجعل غيره من الأشغال التي تقبل التأخير أصلاً ، بل يصل الحال إلى بعضهم تقديم الترويح دائماً على حضور الدرس .

5. كثرة الغياب و التساهل في الحضور ، مما يترتب عليه فوات كثير من الفوائد فضلاً عن عدم الفهم المترابط لمواضيع الدرس .

6. إشغال نفسه بما لا ينفع أثناء الدرس . من فضول النظر أو كثرة الحركة أو اللعب بالقلم أو الجوال أو غير ذلك .

7. عدم الإستعداد لحضور الدرس بدنياً و ذهنيا .

ودواء كل تلك الأدواء بعد عون الله وتوفيقه هو مراعاة الترتيب والتنظيم في أوقاته وأموره .

-       الفوضوية في القراءة ومن صورها :

1. عدم الإعتناء و المشورة في إختيار الكتاب المقروء .

2. عدم ترتيب أوقات معينة للقراءة وبخاصة تلك القراءة التي تحتاج الى تأمل ونظر وتأنّ .

3. كثرة التنقل بين الكتب فتراه إذا بدأ في كتاب ثم وقع في يده آخر ترك الأول إلى الثاني

 طالب العلم أولى الناس بترتيب أوقاته وأعماله، ذلك أن طالب العلم من أعلم الناس بقيمة الوقت وأيضاً لكونه محطّ انظار الناس وقدوتهم وايضاً لتنوع مسؤولياته وكثرة حاجة الناس إليه .

 

أسباب معينة لحصول الترتيب والبركة في الوقت إنجاز الكثير في الوقت القليل :

1. الدعاء بصدق وإخلاص .

2. صدق النية في الأمور كلها .

3. العزيمة وعدم اليأس والقنوط .

4. المشورة وطلب المناصحة ممن عرف بترتيب أموره، وبخاصة ممن تشابه أحواله احوالك .

5. حضور دورات تُعنى بشأن الترتيب وحفظ الأوقات وتنمية القدرات .

6. قراءة بعض الكتب التي تُعنى بشأن الترتيب والتنظيم في الأعمال .

7. توظيف التقنية في شؤونك وبخاصة العلمية .

8. ترتيب برنامج مسبق سواء ذهنياً أو كتابياً، وضمن البرنامج اموراً مهمة تعلم من نفسك أنك ستحرص على الإتيان بها .

9. الرفق والتأنِّي في ترتيب الأمور واتخاذ القرار .

 

من طرق ترتيب الأوقات عند كثرة المشاغل:

اسأل الله تعالى دائماً أن يعينك في جميع أمورك .

1. اكتب جميع تلك المشاغل في ورقة و هذا اسهل من تذكرها ذهنياً .

2. استعرض تلك الأمور بتأنّ و رَوِيَّه .

3. بعد استعراضك لتلك الأمور مجتمعة فاحرص على تقديم ما يضرُّ تأخيره .

4. إذا كان في بعض الأمور نفعٌ متعدّ، وفي بعضها نفع قاصر، فقدِّم ما نفعه متعدِّيا على ما كان نفعه قاصراً .

5. إذا كان بالإمكان جمعُ بعض المشاغل متوالية مرتبةً فافعل .

6. مهما قدرت على قضاء حوائج كثيرة في وقت متواصل فبادر، ففي ذلك توفُّر أوقات مستقبلية .

7. إذا تزاحمت عليك أشغالٌ وضاق عليك الوقت فاستعن بعد الله تعالى ببعض إخوانك وبخاصة من تعرف أنه يفرح بذلك شريطةَ الّا يكون ذلك على حساب تضييع حقوق أهله و بيته .

 

وصايا مرتبة:

1. احرص جاهداً على ان تستفيد من كل أحد و لو كان عامياً .

2. احرص دائماً على ان تُفيد كل أحد و لو كان ولداً صغيرا .

3. احرص على توثيق العلاقة مع بعض أهل التخصصات العلمية المتنوعة ، فتوثيق العلاقة مع مثل اولئك فيه منافع كثيرة من التوسع المعرفي المتنوِّع .

4. لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وإيّاك والتسويف فقد قيل وما اجمل هذا القيل "التسويف مطية إبليس".

5. تقدّم قبل المواعيد بزمن يسير، ويتأكد هذا اذا كان المكان بعيداً تحسُباً لما قد يحدُث من زحمة طريق وما شاكله .

6. إذا انعم الله عليك بموهبة -من حسن تلاوة أو قريحة شعرية أو خطابة أو قلم سيّال أو غير ذلك من المواهب- فاحرص على المحافظة عليها وعلى تنميتها .

7. قيِّد ما يمرّ عليك من الفوائد النفيسة .

8. كن على وقتك أبخل من البخيل بماله، وكن في نشر العلم أكرم من الكريم بماله .

9. يزهد بعض طلبة العلم في أجزاء يسيرة من أوقاتهم لكن تلك الأجزاء إذا جُمعت أصبحت كُلاً كبيرا ومن أمثلة تلك الأوقات :

أ‌-                 بين الأذان والإقامة .

ب‌-            أثناء ركوب السيارة .

ت‌-            الانتظار اليسير سواء كان انتظار قادم او غير ذلك .

ث‌-            في ذهابه و إيابه من وإلى المسجد ، أو اير مما يذهب إليه ماشياً .

 

هذه الأوقات مع كثرة تكررها تمثل قسماً غير قليل من العمر ومع ذلك لا يُلقى لها بال، فاحرص رعاك الله على أن تستثمرها بمراجعك محفوظ، أو بسماع مقروء في شريط سمعي إذا كنت راكباً، فإن عُدِم هذا وهذا فلا تحرم نفسك من شغل تلك الأوقات بذكر الله تعالى .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

قيدها أخوكم : خالد البلوشي

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply