مكتبة الحرم المكي الشريف بدأت في القرن الأول وضمت نوادر المخطوطات


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

يعد مسمى مكتبة الحرم المكي الشريف آخر الأسماء للمكتبة التابعة للحرم المكي بعد أن سميت بعدة أسماء في تاريخها الممتد منذ القرون الهجرية الأولى. وتعود نواة نشأة مكتبة الحرم المكي إلى القرن الهجري الأول فيذكر أن الخليفة العباسي المهدي أنشأ عام 161هـ قبتين بجوار بئر زمزم أطلق على إحداهما بيت المحفوظات التي خصصت لحفظ المصاحف وبعض المستلزمات الأخرى للحرم. ويرد خبر آخر متأخر بعض الشيء يشير إلى وجود الكتب في تلك القبة فيذكر أن سيلا دخل المسجد الحرام عام 417هـ فوصل إلى خزائن الكتب وأتلف منها الشيء الكثير، وغير ذلك من الأخبار التي تشير إلى وجود المصاحف والكتب في القبة المذكورة المجاورة لبئر زمزم. أما بالنسبة لتأسيس المكتبة في القبة المذكورة بشكل رسمي فقد تم في عام 1262هـ حينما أمر السلطان عبد المجيد بذلك وأطلق عليها في ذلك الوقت كتبخانة مجيدية. وقد أرسل السلطان من الأستانة في ذلك الوقت 3552 كتابا للمكتبة كما عين لها ناظرا ومعاونين له. وما زال محفوظا في المكتبة إلى الآن حجر يؤرخ لافتتاح المكتبة مكتوب عليه أبيات باللغة العثمانية من نظم ناظم مصطفى شوقي.

واستمرت المكتبة في مكانها بجوار بئر زمزم داخل المسجد الحرام تؤدي دورها في إثراء الساحة الثقافية في مكة المكرمة إلى أن قام الوالي عثمان نوري بنقلها عام 1300هـ إلى المدرسة السليمانية لأن القبتين زاحمتا قاصدي المسجد الحرام ومنعتا الزوار من مشاهدة الكعبة لمن هم في تلك الجهة، وكذلك خوفا من السيل، وقد سبق تاريخ النقل أن دخل سيل المسجد الحرام عام 1278هـ فأتلف عددا من الكتب ،ثم نقلت المكتبة من موقعها عام 1282هـ إلى أحد المباني في حي أجياد بسبب أعمال التوسعة، ثم نقلت بعد عام واحدة إلى الصفا وبالتحديد بجوار دار الأرقم بن أبي الأرقم واستمرت إلى عام 1394هـ حيث نقلت إلى حي التيسير، وبذلك تخرج المكتبة وللمرة الأولى في تاريخها عن محيط الحرم المكي إلى أن عادت بعد أن خصص لها مكان مقابل باب الملك عبد العزيز عام 1406هـ، وما لبثت أن خرجت مرة أخرى عن محيط الحرم فانتقلت في عام 1413هـ إلى حي المنصور بعد أن أزيل المبنى السابق لصالح توسعة الحرم المكي واستمرت إلى عام 1426هـ حيث نقلت إلى موضعها الحالي في حي العزيزية.

ويعود تاريخ تسميتها بمكتبة الحرم المكي الشريف إلى عام 1357هـ وذلك بعد أن رفعت مديرية المعارف العامة إلى المقام السامي اقتراحا بتأسيس مجلس إدارة للمكتبة، فأحيل الاقتراح إلى مجلس الشورى لدراسته وقد وافق مجلس الشورى على المقترح، كما أوصت بتكوين لجنة للإشراف على المكتبة مكونة من إبراهيم فطاني، وأحمد السباعي، وأمين عقيل، وحسن مشاط، ومحمد طاهر الكردي، و درويش كاتب، وعبد السلام كامل، وعبد القادر حسن، وعبد الله فدا، وعلوي شطا، وعبد الوهاب الدهلوي. وقد قامت مديرية المعارف العامة بالإشراف على المكتبة في بداية الحكم السعودي ثم نقل الإشراف عليها إلى مديرية الأوقاف ثم إلى الرئاسة العامة للإشراف الديني في المسجد الحرام وهي ما تعرف حاليا بالرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي. وقد تعاقب على إدارة المكتبة العديد من الوجهاء والأعيان ومثقفي مكة المكرمة وغيرها، ومن هؤلاء محمود كتبخانة، ومصطفى كتبخانة، وعباس صدقي، ومحمد بن سياد الفرائضي، وعبد الله فدا، وأحمد بن عبد الله دحلان، ومحمد نور مرشد، وسليمان الصنيع، ومحمد صالح يماني وغيرهم.

 

نفائس المخطوطات ونوادرها:

تعتمد مكتبة الحرم المكي في مصادرها على إهداءات السلاطين والحكام، والحجاج والمؤلفين، وكذلك الشراء. ولعل من أبرز مصادر المكتبة المكتبات الموقوفة لصالح المكتبة التي تشكل مصدرا مهما للمكتبة أكسبها التميز بين العديد من المكتبات. ومن أشهر المكتبات الخاصة الموقوفة لصالح مكتبة الحرم المكي مكتبة الشيخ عبد الستار الدهلوي التي تحتوي على 1850 كتابا ما بين مطبوع ومخطوط، ومكتبة الشيخ علي الكيلاني وفيها 938 كتابا، ومكتبة الشيخ عبد الوهاب الدهلوي وفيها 5094 كتابا ما بين مخطوط ومطبوع، ومكتبة الشيخ عبد الرحمن المعلمي، ومكتبة السيد الحسن الأدريسي أمير تهامة، ومكتبة الشيخ عبد المهيمن أبو السمح، وجزء من مكتبة الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، ومكتبة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ، ومكتبة الشيخ علي الهندي، وغيرها من المكتبات الخاصة التي تصل إلى 43 مكتبة. ولم يتوقف الأمر على المكتبة الخاصة كما ذكر بل أنفقت المكتبة الأموال لتزويد المكتبة بما يفيد الزوار، ومن ذلك ما خصصته المكتبة في أعوام 1397هـ و1398هـ و1399هـ، حيث خصصت مبلغ 600 ألف ريال كل عام لتزويد المكتبة بالكتب عن طريق الشراء.

تمتلك المكتبة العديد من نفائس المخطوطات والكتب التي قل أن تجد نسخا أخرى لها، ومن ذلك كتاب "مجمع زوائد البحرين في زوائد المعجمين" لابن الهيثمي، و"مسند الموطأ" للغافقي الذي أوقفه الشريف عبد المطلب بن غالب، وكذلك "الغيلانيات" للبزار، و"خبايا الزوايا" للعجيمي، وغيرها. ويبلغ عدد مخطوطات المكتبة الأصلية العربية 4749 مخطوطا أما غير العربية فيبلغ عددها 358 مخطوطا. ويزيد عدد عناوين الكتب المحفوظة في المكتبة على عشرة آلاف عنوان، وبلغ عدد رواد المكتبة في عام 1420هـ من الرجال 34800 زائر ومن النساء 4152 زائرة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply