قراءات في مقدمة إبن خلدون


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

لم يكن للعرب فضل في إكتشاف مقدمة بن خلدون، لكنهم تنازعوا أيهم كان مؤسس علم الإجتماع الحقيقي يمثل. أقول تنازع العرب لأنهم إعتقدوا أن بن خلدون كان يعكس آرائهم ويأكد ايدولوجياتهم، فالشيوعي والدارويني والعروبي والإسلامي كلهم إدعوا وصلاً بالمقدمة.

فالشيوعيون العرب يَرَوْن أن صاحب المقدمة قد خلص التاريخ من سطوة الدين وأن بن خلدون قد أرجع التاريخ وحركة العمران إلى الفلسفة المادية التي تحدث عنها ماركس (المادية التاريخية)، وهذا ما دعمه مؤسس الحزب الشيوعي اللبناني "مهدي عامل" حيث أكد على الحتمية التاريخية في نظرية نشوء الدول. ودليل صحة قولهم ما ذكره خلدون في المقدمة.

أما الداروينيون العرب والعلمانيون وإمامهم "سلامة موسى" الذي له رسالة في الداروينية، يعتقدون أن بن خلدون يأكد فكرة التطور لأنه قد تحدث عن أصل الأشياء وأن الإنسان أصله قرد. وهذه فكرة فعلا تطرق لها صاحب المقدمة وهي التي تُعنى بترقي الخلق من مادة إلى مادة. ولكن هذا لا يعني أن بن خلدون يُؤْمِن بالتطور مثل المفهوم الدارويني، لكن (وهذا أمر طبيعي) كل شخص يقرأ نصاً معيناً يعتمد في المقام الأول على الخلفية الثقافية والمعرفية التي يملكها، وعليه تفسيره للنص يعتمد على البنية الفكرية لديه. وهذا ما فعله سلامة موسى.

وكان سهم العروبيون والقوميون في المقدمة فكرة "العصبية" ودورها في انشاء الدول. حيث تحدث عميد القوميون العرب "ساطع الحصري" عن هذه الفكرة وأثر العصبية والقومية في انشاء الكيانات الجديدة، ولعله استفاد من هذه الفكرة في المقدمة في إنتقاله من كنف الدولة العثمانية إلى حضن العروبة في دمشق و إيجاد هوية جديدة للعرب.

هكذا نرى ان هناك قراءات كثيرة للمقدمة وان كل حزب أراد توظيف اطروحات بن خلدون ليعضد من أفكاره ومساعيه. وكلٌ يدعي وصلاً بالمقدمة ولا نعرف اذا كانت تقر لهم بذاكا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply