الفلسفات الغربية السائدة في العصر الحديث وأثرها على الأخلاق والقيم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فيكثر اتهام المسلمين في هذا الزمان بالإرهاب والتخلف وغيرها من الاتهامات وما لا يعلمه كثير ممن يسمع هذه الاتهامات أن الكثير من الفلسفات الغربية السائدة في القرن الماضي تبرر في مضامينها ممارسات أعظم بشاعة مما قد ينسب لأكثر الناس غلوا من المنتسبين للملة

ولنبدأ بسردها مع ذكر بعض التعليقات اليسيرة لكي لا يطول المقام

 

أ_ فلسفة نيتشة

وهذا الرجل فيلسوف ألماني ملحد له رواج إلى يومنا هذا بين طبقات معينة وهو الذي حول النازية إلى فكرة مقبولة.

يقول نيتشه: "إنني أحلم بقيام جماعة من الرجال تامين مطلقين أشداء لا يتهاونون ولا يتساهلون، يطلقون على أنفسهم اسم الهدامين... لا يحفلون بالحياة ولا بالطمأنينة والسلام، وإنما يجدون النعيم في الانتصار والقوة والتحطيم، ويشعرون بسرور عميق وهم يعذبون الآخرين"

نقلا عن: عبد الرحمن بدوي, نيتشه, الطبعة الثانية، القاهرة 1954، ص157، 166.

وكان نقده على النصرانية متعلقاً بهذا السياق وأنها ديانة ضعيفة وتلاحظ أن هذا عكس نقد الملاحدة هذه الأيام

ويلاحظ أيضاً تأثر جيفارا بهذا الفكر حيث يقول في رسالة الى والدته في 15 تموز 1956: "انا لست مسيحاً، ولست محباً للاحسان، انا كل ما يناقض المسيح، ومحبوا الاحسان يبدون عديمي القيمة بالمقارنة مع ما اؤمن به. سأقاتل بكل الاسلحة التي بمتناول اليد بدلاً من أن أدع نفسي أدق على صليب او ماشابه"

ويقول جيفارا: "لكي ترسل رجالاً الى فرقة الاعدام، فالاثبات القضائي غير ضروري... فهذه الاجراءات هي تفاصيل برجوازية قديمة. هذه ثورة، والثوريون يجب أن يصبحو آلات قتل باردة مدفوعة بالكره النقي. "

http://www.therealcuba.com/MurderedbyChe.htm

يقول جيفارا: "أنا فى أدغال كوبا، حيا ومتعطشا للدماء."

أمام أى شك، اقتلوا فورا"

"اطلق النار فلن تقتل سوى انسان"

"الكراهية كعامل للصراع، تدفع الانسان أبعد من قيوده الطبيعية، محولة اياه الى آلة قتل قاسية وفعالة وانتقائية وباردة الدم. هكذا يجب ان يكون جنودنا ."

واضح أن جيفار تأثر بكتابات نيتشه.

 

ب_ الماركسية والداروينية الاجتماعية:

في عام 1873 أرسل ماركس إحدى نسخ كتابه (رأس المال) Das kapital إلى داروين كاتبا عليها إهداءه له كأشد المعجبين به !!

To charles darwin on the part of his sincere admirer Karl Marx

رابط صورة :

http://www.creationliberty.com/images/evoseed01.jpg

نستنتج من ذلك التأثر الكبير لماركس بأفكار داروين وخرافات التطور التي وفرت له (القشة العلمية) لاستبعاد الإله وإحلال الصدفة والعشوائية محله في نشأة الكائنات الحية وتنوعها وصراعها المزعوم للبقاء لحساب الأقوى والأكثر أنانية من المفترض !!

فحيث بدأ الإلحاد (أي إنكار الخالق عز وجل): تبدأ الشيوعية !!

أو كما قالها ماركس في عبارته الشهيرة في أحد البوسترات السوفيتية:

Communism begins where atheism begins

A Soviet poster ridiculing Judaism—as printed in the official government journal Atheist

وكذلك جوزيف ستالين

فقد كانت نقطة تحوله للإلحاد هو كتاب داروين وخرافاته: (أصل الأنواع)!! وكل هذه الشواهد بين التطور والإلحاد بالعشرات (وكما رأينا من اعترافات مشاهير الملحدين مثل ويليام بروڤين وريتشارد دوكينز) ومهما حاولوا الضحك على الناس ونفي العلاقة بينهما !!

لقد كتب الروسي إي ياروسلافيسكي E. Yaroslavsky كتابا عن ستالين في أوج شهرته وفي فترة حكمه باسم:

علامات في حياة ستالين  Landmarks in the Life of Stalin

وتم نشره في روسيا طبعة 1940 وجاء فيه : "في سن مبكرة جدا، وبينما كان لا زال تلميذا في المدرسة الكنسية، نضج لدى الرفيق ستالين العقل النقدي والمشاعر الثورية. حيث بدأ القراءة لداروين وأصبح ملحدا "!!

At a very early age, while still a pupil in the ecclesiastical school, Comrade Stalin developed a critical mind and revolutionary sentiments. He began to read Darwin and became an atheist.

المصدر :

E. Yaroslavsky, Landmarks in the Life of Stalin (Moscow: Foreign Languages Publishing house, 1940), pp. 8-12

واحد من أكثر الكتب التي أعلنت هذه العلاقة الحميمة بين الشيوعية وجرائمها وبين تأثرها بخرافات التطور واتخاذها منهجا لها من جهة أكابر مؤسسيها : كان كتاب عالم النبات كونوي زيركل Conway Zirkle البروفيسور بجامعة بينسلفانيا في كتابه الذي أصدره عام 1959 باسم :

التطور، البيولوجيا الماركسية، والعلم الاجتماعي

Evolution, Marxian Biology, and the Social Scene

حيث أرخ فيه لعدة مراسلات بين ماركس وإنجلز ومنها قوله : "مبكرا في 12 ديسمبر 1859 (فقط بضعة شهور بعد صدور كتاب أصل الأنواع لداروين) فريدريك إنجلز كتب لكارل ماركس : " داروين الذي اقرأ له الآن : رائع " !!

December 12, 1859 (only months after The Origin of Species was published), Friedrich Engels wrote to Karl Marx, "Darwin, whom I am just now reading, is splendid.

"وبعدها بعام (في 19 ديسمبر 1860) راسله ماركس أبو الشيوعية بالتالي :خلال فترة وجودي للمحاكمة، وفي هذه الأسابيع القليلة الماضية، لقد قرأت كل أنواع الأشياء ومن بين أمور أخرى، وقرأت كتاب داروين في الانتقاء الطبيعي. وعلى الرغم من أنه وضعه في نمط اللغة الإنجليزية الأصيل، إلا أن هذا الكتاب هو الذي يحتوي على أساسيات نظرتنا للتاريخ الطبيعي "

About a year later (December 19, 1860), Marx, the Father of Communism, responded, "During my time of trial, these last few weeks, I have read all sorts of things. Among others, Darwin's book of Natural Selection. Although it is developed in the crude English style, this is the book which contains the basis in natural history for our view

"وأما بالنسبة لفيردنالد لاسال (أحد مؤسسي الاشتراكية الألمانية) فقد كتب في (16 يناير 1861): كتاب داروين مهم جدا وساعدني كأساس علم طبيعي للصراع الطبقي في التاريخ "

To one Ferdinand Lassalle, he wrote (January 16, 1861), "Darwin's book is very important and serves me as a basis in natural science for the class struggle in history."

المصدر :

Conway Zirkle, Evolution, Marxian Biology, and the Social Scene (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 1959), pp. 85-87.

يعني الماركسية والشيوعية والاشتراكية كلها نهلت من البئر الأسود لخرافات التطور وخيالات داروين المريضة لتكلف البشرية ملايين الأرواح التي تم إزهاقها بأبشع عمليات القتل والإبادة والتجويع المتعمد للأسف - وفي صراع وهمي بين طبقات المجتمع التي كانت تتعايش تحت ظل الأديان بلا إشكال وحتى الفقراء والأغنياء إذا طبقوا تعاليم أديانهم

بقي أن نشير فقط إلى شيئين مهمين وهما :

الأول : نهديه لكل مَن يسخر من قول أن خرافة التطور تقول أن الإنسان تطور من القرد

حيث نرى في كتاب إنجلز (المنطق الجدلي للطبيعة) The Dialectics of Nature وذكر فيه داروين كثيرا ومدحه كأب روحي لخرافات الشيوعية الخيالية - قام بتسمية فصل كامل بالاسم التالي :

"الدور الذي لعبه العمال في التحول من القرد إلى الإنسان!!".

The Part Played by Labour in the Transition from Ape to Man

وأما الشيء الثاني المهم فهو :

أن كل مَن تأثروا بخرافات داروين والتطور من ماركسية لشيوعية لاشتراكية لنازية لإلحاد قد قتلوا من البشر 120 مليون إنسان تقريبا كالتالي :

42.6  مليون إنسان في عهد (جوزيف ستالين) روسيا

37.8  مليون في عهد (ماو تسي تونغ) الصين

20  مليون في عهد (أدولف هتلر) ألمانيا

10.2  مليون في عهد (شيانغ كاي شيك) الصين

4  مليون في عهد (فلاديمير لينين) روسيا

3.9  مليون في عهد (هيديكي توجو) اليابان

2.3  مليون في عهد (بول بوت) كمبوديا

وذلك كما وثقه (تشارلز فيليبس) و(آلان أكسيلرود) في موسوعتهما التاريخية الكبيرة من 3 أجزاء في 2004 :

(انسيكلوبيديا الحروبEncyclopedia of war)

Encyclopedia of war-3 volume of set by charles philips and Alan Axelrod,2004

قول تشارلز داروين في كتابه أصل الإنسان في الفصل السادس ما يلي: "في مرحلة مستقبلية معينة، ليست ببعيدة، سوف تقوم الأعراق البشرية المتحضرة على الأغلب بالقضاء على الأعراق الهمجية واستبدالها في شتى أنحاء العالم".

كتب فريدريك فوربرنارد وهو احد جنرالات الحرب العالمية الأولى: (الحرب حاجة أيديولوجية بقدر حاجة الأحياء في الطبيعة للصراع وتُعطي نتائج مجدية من الناحية البيولوجية) فهو قد قام بالربط بين الحرب وصراع الاحياء من منظور دارويني مُجرد Man in process world .pub .co. newyork 1961 p.76

عبد الله, [٢٢.١٢.١٦ ١٦:٤٥]

كتاب من دارون إلى هتلر From Darwin to Hitler للمؤلف ريتشار فيكارت Richard Weikart.

لما كانت الدارونية ترى الأخلاق غير ثابتة في حين أن التطور هو الثابت قدمت للكثيرين فرصة العمل على تغيير المبادئ الأخلاقية بحجة نسبية الأخلاق وأنها نتاج عرضي للتطور المادي وتغيرت النظرة لقضية حرمة الحياة عموماً والحياة البشرية.

"ففي ذهن هتلر كانت الدارونية تقدم التبرير الأخلاقي لعمليات التعقيم الجماعي والنقاء العرقي والمذابح الجماعي وغيرها من السياسات غير الأخلاقية وفق المعايير الإنسانية الطبيعية وقد وفرت نظرية التطور الأهداف النهائية لهذه السياسات التحسن البيولوجي للأنواع البشرية" (ص:215)

عبد الله, [٢٢.١٢.١٦ ١٦:٤٥]

يظهر الكتاب بتفاصيل جيدة ومقنعة كيف طور مفكري الدارونية في ألمانيا موقفاً لا أخلاقياً تجاه المجتمع الإنساني في فترة الحرب العالمية الأولى، كان من شأنه اتخاذ خيرية العرق الألماني المفترضة كمعيار أوحد للسياسة العامة والطهارة العرقية، وبين المؤلف بوضوح الصلة التي تربط هذا الاتجاه الفكري بهتلر، وما نجم عنها من قتل الأطفال والمساعدة على الانتحار ومنع الزواج وغير ذلك من الممارسات القهرية والظالمة ضد أولئك المعتبرين من عرق أدنى وراثياً بتحريض الكتاب المؤيدية للدارونية والعلماء المتبنين لها، بحيث حصل هتلر والنازييين على التبرير العلمي للسياسات التي نفذوها عند وصولهم إلى السلطة.

ريتشار إيفانز Richard Evans أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة كيمبردج ومؤلف كتاب : قدوم الرايخ الثالث The Coming of the Third Reich

هذا الكتاب من أفضل كتب الفكر التاريخي فهو ملئ بالأفكار والمعلومات والرؤى، ويعطي الكاتب فيه أمثلة واضحة وكثيرة جداً عن العديد من المفكرين الألمان في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ممن تأثروا بدرجة أو أخرى بالتوجه الطبيعي بصيغته الدارونية ويشرح أفكارهم بحيث يرى القارئ الفروق والتماثلات ويحصل على القصة بدقة ووضوح.

أيان دوابيغين Ian Dowbiggin أستاذ التاريخ في جامعة جزيرة الأمير إدوارد ومؤلف كتاب : نهاية رحيمة : حركة القتل الرحيم في أمريكا الحديثة

ومعلوم أن النازية كانوا يقتلون المعاقين القتل الذي يسمونه رحيماً لأنهم يستهلكون ولا يفيدون المجتمع وخلاصة نظرية البقاء للأقوى أنه ينبغي التخلص من الضعيف ليبقى الأصلح ، وهذا ما تقضي به نظرية دارون ونظريات مالتوس الاقتصادية

والعجيب أن دارون مع أثره السلبي العظيم يقدسه عدنان إبراهيم وغيره ثم يطعنون في الصحابة الذين ما وصلنا خير إلا من قبلهم

وإن من النفاق والدجل أن يقال لا نقبل بالداروينية الاجتماعية مع إيماننا بالتطور فكيف تفسر بها كل الحياة وتريد أن تؤثر على عقائد الناس الدينية ثم لا تريد أن تؤثر على السلوكيات المجتمعية

 

ج_ البراجماتية

ظهرت البراجماتية "أي: الفلسفة العملية" في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, وساهم في وضع أسسها ثلاثة من المفكرين الأمريكيين هم: تشارلس بيرس "1839-1914"، ووليم جيمس "1842-1910", وجون ديوي "1859-1952". ويعتبر تشارلس بيرس هو أول من استخدم البراجماتية كلفظ فلسفي عام 1878 - 2.

تتلخص أهم اتجاهات هذه الفلسفة في توجيه العقل إلى العمل دون النظر, بمعنى أن ينصرف العقل عن التفكير في المبادئ والأوليات إلى البحث في النتائج والغايات. وتنظر معيارا عمليا للتحقق من صدق أية فكرة, يتجلى في قياس مدى قدرتها على إثبات نفسها. بذلك يصير المعيار هو المنفعة وليس حكم العقل أي: تكون المنفعة هي المحكّ الوحيد لصدق الأحكام العقلية وصواب الأفكار.

من جهة أخرى، تذهب البراجماتية إلى أن الحكم العقلي يكون صادقا متى تحقق الإنسان من صدقه بالتجربة، وبدون هذا التحقق لا يوصف الحكم بالصدق أو بالكذب. بذلك يصير الحق من وجهة نظر هذه المدرسة هو "التحقق" من منفعة الفكرة بالتجربة. (مستفاد من كتاب مناهج البحث في العلوم والسياسة)

وتبدو خطورة البراجماتية من قول ويليام جيمس: إن الفكرة الواحدة قد تكون صادقة في وقت ما "أي: حين تؤدي إلى منفعة" ثم باطلة في وقت آخر "حين تفشل في تحقيق منفعة", أو أكثر من ذلك: إن الفكرة الواحدة تكون صوابا عند إنسان, وخطأ عند إنسان آخر.

إن مكمن الخطورة في ذلك هو أن التسليم بذلك المنطق البراجماتي المقلوب يفرض علينا قبول الأخطاء "أو بصراحة أكثر السياسات الشريرة" كحقائق صادقة في وقت ما, إذا أثبتت التجربة أنها في ذلك الوقت قد حققت منفعة, أو فائدة عملية "لدولة عظمى مثلا"

والماركسيون على ضلالهم انتقدوا البراجماتية ولكننا نراها تسيطر على عقول الناس فإلقاء أطنان من القمح في الماء مع وجود مجاعات فقط لكي لا تستفيد دولة عظمى من هذا فهذا أمر جيد بالنسبة لهم وتدميرهم لاقتصاد دول أخرى لكي ينفردوا بالسوق هذا أمر عظيم

ويا ليت شعري بحسب الفلسفات الماضية كلها ما مشكلتهم مع الجهاد أو السبي أو حد الردة فكل الفلسفات الماضية تبرر ما هو أشد من ذلك

 

د_ الفلسفة العلموية

وهي الفلسفة التي تحصر الحق فيما ثبت بالتجربة

وهنا لا مجال للأخلاق لأنها بحسب كانط بحث ميتافيزيقي غيبي ولهذا يلتزم العلمويون بلايا أخلاقية كالتزام لورانس كراوس أن زنا المحارم إذا لم فعل مرة ومع استخدام مانع الحمل أخلاقي

والتزام دوكنز أن الخيانة الزوجية وإجهاض الأجنة لا مانع منها أخلاقيا

بل أقول: ما الدليل العلمي على أن البحث عن الحقيقة شيء جيد؟

فإن قلت: ما داعي هذا السؤال؟

فأقول: الداعي كبح غرور العلموية فلا دليل من الفيزياء ولا الكيمياء ولا حتى علم الأحياء يدل على أن البحث عن الحقيقة في المسائل الفلسفية العقدية أمر جيد

فإن قلت: هو أمر جيد لأن الإنسان يفرح إذا ظهرت له الحقيقة

فيقال: هذا يجرنا لسؤال لماذا يفرح؟ والواقع أن هذا ليس مضطرداً فنحن نرى أصحاب العقائد المتضاربة كل منهم سعيد بنفسه وبما يعتقد ما كونها لا يمكن أن تكون كلها حقاً بل فهم الحقيقة أو الجهر بها في بعض المجتمعات قد يجعلك تخسر أصدقاءك وقد يجعلك تخسر ملكك أو بعض أملاكك وقد تقتل فما الحل ؟

عندنا حلان :

إما أن نقول أن البحث عن الحقيقة قيمة فطرية لا يمكن أن تفسر بحدود المادة والإقرار بوجود شيء في الإنسان زائد على المادة يأخذنا رأساً إلى الإيمان بالله لأن غاية ما يفعله الجاحدون اختزال الإنسان بالمادة وإنكار الروح ثم محاولة تفسير ما نراه مادياً بتفسيرات تجريبية مع الخلط بين شرح ( كيف حصل) و (لم حصل)

والحل الثاني: أن يعتبر النفاق والبحث عن الحقيقة قيمتان خيرتهما متعلقة بما يترتب عليهما من آثار ومصالح دنيوية وحاضرة وهذا خيار لا بد منه للملحد والربوبي لأنني سواء عرفت الحق أو جهلته فنهايتي واحدة والسعادة متعلقة بأسبابها المعروفة من وجود مال وزوجة وراحة نفسية ومسكن وأولاد وأصدقاء فمن حصل هذه الأمور أيا كان اعتقاده فهو الفائز فلا داعي والحال هذه إلى الدعوة إلى الإلحاد أو الربوبية وهذا لا يصير أمراً منطقياً أبداً ولأن دعوة الناس متعلقة بكونهم عندهم إنصاف في النظر إلى الحقيقة وهذا غير متوفر فالقضاء على الاعتقاد المقابل مجرد وهم

وقد قرر دوكنز في كتابه وهم الإله أن المجتمع هو من يقرر ما هو أخلاقي وما ليس بأخلاقي

وقد كلمت أحد المتأثرين بهذا الطرح فلما ذكر لي الرق وسألته عن ضابط الأخلاقي وما ليس بأخلاقي فقال لي ما يحدده البشر بعقلهم الجمعي هو الأخلاقي (لا يريد أن يقول أن الأخلاق فطرية لكي لا ينتهي إلى إثبات فطرة ومن ثم إله)

فقلت له الرق تعارف عليه الناس حتى جاء لنكولن (والواقع أن ملك تونس منع الرق قبله) ومنعه إذن هو أخلاقي حتى جاء لنكولن فصار ليس أخلاقيا

فأجاب بنعم (وهكذا يعبدون البشر)، وتحدث عن تطور الوعي عند البشر

فقلت: ولكن إبراهام لنكولن كان يرفض الزواج من السوداء وزواج الأسود من البيضاء بينما النبي صلى الله عليه وسلم قبله بقرون زوج أسامة بن زيد الأسود بامرأة بيضاء ! فكيف نقول أن العقل يتطور والحال هذه

فلم يستطع الجواب وكلمت أخرى فالتزمت أنه حتى الخيانة الزوجية أخلاقية بسبب انفراط المبدأ الأخلاقي عندها وأقذر ما في هذا المذهب التزام الكثير من أساطينهم كستيفن هاوكنج وريتشارد دوكنز وسام هاريس بالقول بأن الإرادة الحرة وهم وأننا في الحقيقة لا توجد عندنا إرادة حرة لأننا مادة ولا شيء سوى المادة ولإيضاح الأمر أكثر أقول: لقد اعتبر كانط الحرية قيمة ميتافيزيقية كما اعتبر الخالق والخلود كذلك (بمعنى أن البحث فيها خارج حدود البحث التجريبي)

ولهذا لورانس كراوس حين يسأل عن حرية الإرادة يقول في آخر كلامه أن هذا أمر يبحثه الفلاسفة (علماً أنه كثير السخرية من الفلسفة)

بمعنى أن الحرية سواءً بمعنى حرية الإرادة أو بمعناها القيمي أبحاث لا يتعامل معها التجريب بنفس الحتمية التي يتعامل فيها مع الطبيعة بل في قول كثير منهم حتى أشدهم تعصباً لا علاقة للعلم بهذا الموضوع

يعني الحرية بحث لا يتعامل معه العلم وخلاصته أن الكثير من القوانين وما يسمى بحقوق الإنسان مبني على أسس بعضها ميتافيزيقي ليس علمياً

وبناء عليه الإيمان بهذا الأساس وبناء أحكام عليه ثم إنكار الخالق بدعوى حصر المعرفة بالتجريب تناقض ظاهر

وهذه مجرد امثلة على فلسفات غربية وإلا فالرأسمالية لا تقل بشاعة عما مضى والعجيب أن هذه كلها

وحزب بوش الرئيس الأمريكي الذي قاد الحرب على العراق اسمه المحافظون الجدد انشق رجل عنهم اسمه فوكوياما وذكر أن من ضمن الفلاسفة المؤثرين عليهم موسى بن ميمون

يروي فوكوياما في هذا الكتاب قصة حركة المحافظين الجدد من خلال العودة إلى شجرة أنسابهم وأصولهم. ويعتبر الفيلسوف الألماني المولد ليوستراوس الأب الروحي لحركة المحافظين الجدد، هاجر بعد الحرب العالمية الثانية إلى إنجلترا ثم بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولد ليوستراوس بكيرشاهين 1899 وتوفي في أكتوبر 1973، فيلسوف يهودي، التحق بالحركة الصهيونية عن عمر لا يتجاوز السابعة عشرة، درس الثانوي في ماربورغ، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى انتمى إلى صفوف الجيش الألماني وعمل مترجما، وعند نهاية الحرب سيتابع دراسته العليا وسيحرز على الدكتوراه من جامعة هامبورغ 1921، انتقل من الفلسفة الوجودية إلى الفلسفة الفينومينولوجية عند هوسرل وهيدغر، صدر له أول كتاب عن الفيلسوف اليهودي سيينوزا 1930، استطاع أن يحصل على منحة دراسية من طرف مؤسسة روكفلير لدراسة الفلسفة العربية واليهودية سنة 1932 بفرنسا التي سيغادرها للاستقرار بجامعة كامبردج، سنة 1937 سيصدر كتابا عن فلسفة ابن ميمون (الفيلسوف اليهودي الأندلسي) وكتابا عن (الفلسفة السياسية عند هوبز)، بعد ذلك سيلتحق للتدريس بجامعات أمريكا. ما بين 1938-1948 سيدرس مادة العلوم السياسية (بدل تخصصه في مادة الفلسفة) بالمدرسة الجديدة السياسية بنيويورك إلى أن تقاعد عن العمل سنة 1968.

في هذه المرحلة من إقامته بالولايات المتحدة الأمريكية ستتغير اهتماماته الفكرية، كما أن آراءه في هذه الفترة عندما كان مدرسا لمادة العلوم السياسية سيغلب عليها طابع الكتمان والتداول الشفاهي ولهذا ستثير فلسفته كثيرا من الجدل لغموضها الذي لا يدرك فك ألغازها إلا المقربون من تلامذته الثقاة، أبرزهم ألان بلوم وهنري يافا دوكلاريمون، يذكر فوكوياما أن الفلاسفة الذين تأثر بهم ليوستراوس إضافة إلى أفلاطون، توسيديد، وبن ميمون والفارابي الذي تعرف عليه ستراوس عند دراسته للفلسفة اليونانية من خلال شروح وتعليقات (المعلم الثاني) على فلسفة أرسطو.

يتجلى تأثير الفارابي على ليوستراوس من خلال أهم أطروحة تنسب إليه، سيتبناها بعد ذلك المحافظون الجدد. عرفت (بالكذبة النبيلة) التي تعني أن قول الحقيقة قد يؤدي إلى الموت والمغامرة القاتلة. ولهذا يجب الانحياز للكذب وعدم الإفصاح عن الحقيقة لعامة الجماهير، وأن يقتصر ذكرها فقط على الخاصة، وهذه الفكرة من تأثير الآراء الهرمسية على غلاة الشيعة، عرفت بالتقية وهي موجودة كذلك في تراث القبالة عند اليهود. ولهذا ينصح ليوستراوس أتباعه بالاعتماد على (الكذبة النبيلة) من أجل تحقيق أهدافهم الإستراتيجية، عندما تبنى بوش الابن وجماعة المحافظين الجدد هذا المبدأ الستراوسي في الهجوم على العراق، وتبرير هذه الحرب باختلاق كذبة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي يعرف المحافظون الجدد أكثر من غيرهم عدم صحتها، وذلك ما تأكد للجميع بعد إسقاط نظام صدام حسين، وفشل لجن التفتيش في العثور عليها

أقول: فوكوياما هذا منشق عن المحافظين الجدد انظر كيف تتلاقح الفلسفات الفاسدة

 تبرر أموراً منتهى في الشناعة فتترك وينقدون تراثنا الذي امتلأ بالخير وينقدونه بالكذب والتدليس والدجل.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply