مغبة اتباع عيوب الناس


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

هذا عالم ترجم له الحافظ الذهبي ـ رحمه الله ـ في السير23/6، فقال: (الشيخ، الإمام، المفتي الأوحد، الواعظ الكبير..تفقه، وبرع في الوعظ، ودرس، وأفتى، وصنف، وكان له قبول زائد، حدث ووعظ بمصر وبدمشق، له خطب ومقامات، وكان حلو الإيراد، صارماً، مهيباً، شهماً، كبير القدر).

ومع هذه المواهب الحسنة، والصفات المستحسنة لهذا العالم إلا أن الموفق ابن قدامة ـ رحمه الله ـ ذكر أنه يصرف عن القول الصواب في مسائل تظهر لمن هو دونه، وذكر السبب، وقد نقل كلامه الحافظ ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة 3/430،

يقول الموفق ـ رحمه الله ـ: (كنت أتخيل في ـ ثم ذكر اسمه ـ أن يكون إماماً بارعاً، وأفرح به للمذهب؛ لما فضله اللّه به من شرف بيته، وإعراق نسبه في الإِمامة، وما آتاه الله تعالى من بسط اللسان، وجراءة الجنان، وحدة الخاطر، وسرعة الجواب، وكثرة الصواب، وظننت أنه يكون في الفتوى مبرزاً على أبيه وغيره، إلى أن رأيت له فتاوى غيره فيها أسد جواباً، وأكثر صواباً، وظننت أنه ابتلي بذلك لمحبته تخطئة الناس، واتباعه عيوبهم، ولا يبعد أن يعاقب الله العبد بجنس ذنبه ـ إلى أن قال: وهو قد شغل كثيراً من زمانه بالرد على الناس في تصانيفهم، وكشف ما استتر من خطاياهم، ومحبة بيان سقطاتهم، ولا يبلغ العبد حقيقة الإِيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه، أفتراه يحب لنفسه بعد موته من ينتصب لكشف سقطاته، وعيب تصانيفه، وإظهار أخطائه، وكما لا يحب ذلك لنفسه ينبغي أن لا يحبه لغيره، سيما للأئمة المتقدمين، والعلماء المبرزين، وقد أرانا الله تعالى آية في ذهابه عن الصواب في أشياء تظهر لمن هو دونه).

فنبه الموفق ـ عليه رحمة الله ـ أن من أسباب الصد عن الصواب تتبع عيوب الناس، فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الأمر، وليتجنب تتبع السقطات، والبحث عن العثرات؛ وليذكر نفسه كلما همَّت أن تقع في هذا القاع بسوء عاقبته، وشنيع مغبته، فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة.

اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، كما نعوذ بك أن نشتغل بما لا يعنينا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply