التراكيب الوصفية للقول في القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

تتنوع التراكيب القرآنية التي تصف القول وتعبر عنه في القرآن الكريم تنوعا فريدا، وذلك على النحو الآتي :

1- فقد يستعمل التركيب الوصفي المعروف والمشهور في اللغة العربية.

وذلك مثلما نلحظ في الآيات الكريمة الآتية:

-       قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى.

-       اتقوا الله وقولوا قولا سديدا.

-       وقل لهما قولا كريما.

-       يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت......

فالصفة هنا هي كالحلية الموصوف -الذي هو القول- وكالشيء الطارئ عليه.

2- إضافة القول إلى صفته.

وذلك مثل تركيب (قول الحق) في قوله سبحانه : "ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون"

فأصله: القول الحق....

ولكنه أضاف القول إلى صفته لإفادة تلاحم الموصوف بالصفة، فلا ينفصل عنها أبدا مثلما لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه.

3- تقديم صفة القول عليه واقعة موقعه وإضافتها إليه. وذلك مثل تركيب (زخرف القول) في قوله سبحانه : "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا".

فالأصل: القول المزخرف.

ولكنه قدم الصفة على الموصوف واقعة موقعه لتتحول الصفة من كونها عنصرا تابعا إلى عنصر مستقل، لتكون هي محور اهتمام السياق.

فقد احتلت موقع المفعول به للفعل (يوحي)، الذي كان في الأصل للقول الموصوف.

وأفادت إضافة الصفة إلى الموصوف هنا تلاحمها به ، فلا تنفصل هي عنه أبدا.

4- تقديم صفة القول عليه واقعة موقعه، مع توسط (من) بينهما.

وذلك مثلما نجد في الآيات الكريمة الآتية :

-       وهدوا إلى الطيب من القول.

فالأصل: وهدوا إلى القول الطيب.

-       وإنهم ليقولون منكرا من القول.

فالأصل: ليقولون قولا منكرا.

-       لا يحب الله الجهر بالسوء من القول.

فالأصل: الجهر بالقول السيئ.

وتبقى الصفة هنا كما كانت في النمط السابق هي محور اهتمام السياق، ولكن يقل الترابط بين الصفة والقول من درجة التلاحم بالإضافة إلى درجة التلازم بحرف الجر من.

5- حذف (القول) تماما وإحلال صفته محله، لتكون الصفة وحدها هي محور اهتمام السياق، وينعدم الاهتمام بالموصوف (الذي هو القول).

ومن ذلك قوله عز شأنه: "وقولوا للناس حسنا".

فالأصل: (وقولوا للناس قولا حسنا).

فحذف المفعول المطلق (قولا) وأقام صفته مقامه. وذلك مثلما حدث في قوله تعالى : "واذكروا الله كثيرا ".

فالأصل فيه: (اذكروا الله ذكرا كثيرا).

فحذف الموصوف -وهو المفعول المطلق (ذكرا) -وأقام صفته مقامه، فصارت (كثيرا) نائبا عن المفعول المطلق.

وأرى أن هذه الآية الكريمة (وقولوا للناس حسنا) هي أعظم نص يمكن أن يتخذ شعارا لحوار الإنسان مع أخيه الإنسان، لأنها تدعو لأن يكون الحوار مع الآخر ليس فقط كلاما موصوفا بصفة الحسن، بل يكون هو الحسن نفسه، وذلك لا يتأتى إلا باختيار أحسن الألفاظ، وانتقاء أحسن العبارات والجمل والتراكيب.

وهكذا يتفنن القرآن الكريم في تنويع الأنماط التركيبة التي تعبر عن القول وصفته في جمال ما بعده جمال، وروعة ما بعدها روعة.

وهو جمال يؤكد صدق قوله عز من قائل :"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا".

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 2 )

أحسنت وجزاك الله خيرا

-

د. سعدية مصطفى محمد مصطفى

10:12:37 2023-03-28

أحسنت ودائما أقرأ كتبك الطيبة وأفيد منها ... فرّحك الله في الدنيا والآخرة

سورة البقرة

09:59:49 2021-11-29

سورة البقرة