الإخلاص والتواضع


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

إن من أعظم الصفات التي ينبغي أن ينطوي عليها أخلاق طالب العلم: الإخلاص والتواضع، فمتى ما سقطت واحدةٌ منهما فإن ميزان العالِم أو طالب العلم سينقص عند الله وعند الخَلْق بمقدار ما سقط.

فينبغي لك يا طالب العلم أن تحرص على هاتين الصفتين:

على الإخلاص لله عز وجل؛ فلا يرى الله تبارك وتعالى من قلبك في حال تَعَلّمك أو تعليمك أي شيءٍ من إرادة غير وجهه، وعليك دائمًا أن تُطالِع نيّتك وأن تتفقدها الفينة تلو الفينة، وأن تحرص الحرص الكبير على أن تتجنب تلك الحفرة العظيمة «إنما تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقي في النار» فانتبه من هذه الحفرة، والتي يقيك منها –إن شاء الله- الإخلاص، فبالإخلاص ترتفع منزلتك عند الله، ولا يكمل إخلاصك ولا يكون صادقًا إلا إذا قَرَنته بالصفة الثانية التي ترفعك عند الخَلْق –وهي التواضع.

فكُنْ دَمِث الأخلاق، طَيِّب النَّفْس، مُنشرح الصدر للآخرين، لا تنظر لنفسك فضلًا على الآخرين أبدًا، اجْعَلْ الآخرين هُم أهل الخير وأهل الفضل عليك وأهل الإحسان عليك، إياك أن تتغطرس، إياك أن تتكبر، إياك أن ترى أنك قد فُقْت الآخرين عِلْمًا، أو فُقْت الآخرين هَدْيًا أو فَضْلًا، واطَّلِعْ دائمًا على عظيم فضل الله عليك بالعلم والتعليم، وقُلْ دائمًا فيما بينك وبين نفسك: يا نفسُ إنّ ما حَصّلتُه من العلم ليس بِكَدّي ولا بجهدي ولا بحولي ولا بقوتي، وإنما هو بمحض فضلٍ من ربي عز وجل.

فالله هو الذي عَلّمك، وهو الذي هداك، وهو الذي يَسّر الأدب لك، وهو الذي نَشَر مؤلفاتك، وهو الذي جَمَع القلوب عليك، فلا تنظر أيها العبد الضعيف الحُقَيِّر الْمُسَيْكين الْكُسَيِّر لنفسك فضلًا على أحدٍ من الخَلْق أبدًا، احْذَر! حتى لا يسحب الله عز وجل بساط التوفيق من تحت قدميك حتى يُريك ضعفك، ويُريك ألا قوة لك، وأنه لا حول لك.
إيّاك أن تختبر الله، إياك أن تختبر قُدْرة الله عليك، إيّاك احذر، لا تخطو خطوة تُغضِب ربك عليك.

ووالله ما نحن فيه من التوفيق إنما هو محض فضلٍ من الله، وما نحن فيه من العلم إنما هو محض فضلٍ من الله تبارك وتعالى، وما نحن فيه من الخير والله العظيم ثم والله العظيم ليس بِكَدّنا ولا بحولنا ولا بقوتنا ولا بتَوَقُّد ذكائنا، ولا بِحُسْن تدبيرنا وتخطيطنا أبدًا، إنما هو محض فضلٍ من الله تبارك وتعالى.

فالحمد لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا وسِرًّا وعلانية، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

فيا طالب العلم الله الله في هاتين الصفتين:

- الإخلاص حتى يعلو منزلتك عند الله.

- التواضع حتى تعلو منزلتك عند الخَلْق.

فعالِمٌ بلا إخلاص ولا تواضع هذا لا خير فيه ولن يبارك الله في عِلْمه، ولن يبارك في سَمته وهَدْيه، وسيخسف الله عزّ وجل به عِلْمًا وهَدْيًا إلى الأرض السابعة، فلا يبارك الله في شيء لم يُبنَ على ساق الإخلاص والتواضع.

وإن من أعظم ما يُرضي الله عز وجل: كثرة الاعتراف بالفضل له، دائمًا كلما أعطاك الله شيئًا من الفضل اعْتَرِف، وانسبه لله دائمًا، ولا تنسبه لنفسك، ولا تقول: (هذا بِكَدّي وجُهدي)، ولا تَقُل: (هذا حَصّلته من عندي)،أي حَصّلته على عِلمٍ مني بوجوه المكاسب وبوجوه القراءة، وأنا رجلٌ سهرتُ الليل طويلًا على صفحات الكتب، وعندي مكتبةٌ عامرة، والناس كانوا يذهبون وأنا جالس ويمرحون وأنا معتكفٌ على العلم،  إيّاك أن تنسب شيئًا من الفضل لنفسك، احْذَر، نصيحة لوجه الله حتى لا يُريك الله عز وجل ضَعْفك كما أَرَى قارونَ ضَعْفه لَمّا جاءه الناصحون وقالوا له: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}[القصص: 76]، {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص: 78]!  أي ليس لله شيء من الفضل في هذا المال، ولا شيء من العطاء في هذه الخزائن؛ فأراه الله عز وجل ضَعْف نفسه {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ}[القصص: 81] فمَنْ أنت يا ابن آدم؟! ما أنت بشيء، تأدب مع ربك، والخطوط الحمراء بينك وبين الله إياك أن تتجاوزها؛ فالله عز وجل يكره من عَبْده إذا أنعم عليه نعمة أن ينسبها لنفسه.

فإذًا هذه خصلتان لا بد من الاهتمام بهما يا معاشر الطلبة: إخلاص، تواضع؛ وبدونها تكون ضائعًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply