رصيدي من الأعمال التي تثقل الميزان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ما هو رصيدي من الأعمال التي تثقل الميزان؟!

إنه سؤال جوهري ومنهج حياتي لكل من آمن بالله تعالى وباليوم الآخر ولكل من أعد العدة للنجاة من النار ولكل من كرس وقته وماله وعزيمته لدخول الجنة  ووردت الأدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية على وجود الميزان يوم القيامة  قال الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ) الأنبياء:4. وقال الله تعالى: (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [المؤمنون: 102 - 103] وعن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُوضَعُ المِيزَانُ يومَ القيامةِ، فَلَوْ وُزِنَ فيهِ السَّمَوَاتُ والأرضُ لَوَسَعَتْ، فَتقولُ الملائكةُ: يا رَبِّ لِمَنْ يزِنُ هذ ؟ فيقولُ اللهُ تعالى: لِمَنْ شِئْتُ من خَلْقِي، فَتقولُ الملائكةُ، سبحانَكَ ما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ، ويُوضَعُ الصِّرَاطُ مِثْلَ حَدَّ المُوسَى، فَتقولُ الملائكةُ، مَنْ تُجِيزُ على هذا؟ فيقولُ: مَنْ شِئْتُ من خَلْقِي، فَيقولون: سبحانَكَ ما عَبَدْناكَ حقَّ عِبادَتِكَ"  رواه الحاكم وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة:941).

وهذه الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية تلزم المسلم بالإيمان بالميزان والاستعداد لما يثقل الميزان يوم القيامة قال السفاريني رحمه الله تعالى: والحاصل: أن الإيمان بالميزان - كأخذ الصحف- ثابت بالكتاب والسنة والإجماع (لوامع الأنوار:2/184) وكل عمل صالح يتزود به المسلم يساهم في ثقل الميزان يوم القيامة ولذا أخي الكريم ينبغي لنا أن نستثمر في كل وجوه الخير لنيل رضا الله تعالى وورد في الشريعة الإسلامية بعض الأعمال ذات الأجور الكبيرة وبعض الأعمال التي تثقل الميزان وفيما يلي بيان لها.

 

قول "سبحان الله العظيم وسبحان الله بحمده":

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلِمتان خفيفتان على اللِّسانِ، ثَقيلتان في الميزانِ، حبيبتان إلى الرَّحمنِ: سبحان اللهِ العظيمِ، سبحان اللهِ وبحمدِه" (البخاري:6406) و(مسلم:3021). ما أجمله من عمل، وما أيسرها من عبادة، أن يتمتع المسلم بذكر الله تعالى، فيكثر مما يحبه الله الكريم، فيثقل ميزانه، ويتطهر قلبه ووجدانه بجميل تسبيح الله العظيم.

 

قول "لا إله إلا الله":

عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ فينشُرُ علَيهِ تسعةً وتسعينَ سجلًّا، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثمَّ يقولُ: أتنكرُ من هذا شيئًا؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظونَ؟ يقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: أفلَكَ عذرٌ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: بلَى، إنَّ لَكَ عِندَنا حسنةً، وإنَّهُ لا ظُلمَ عليكَ اليومَ، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فيقولُ: احضُر وزنَكَ فيقولُ يا ربِّ، ما هذِهِ البطاقةُ ما هذِهِ السِّجلَّاتِ؟ فقالَ: فإنَّكَ لا تُظلَمُ، قالَ: فتوضَعُ السِّجلَّاتُ في كفَّةٍ، والبطاقةُ في كفَّةٍ فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقةُ، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ " (الترمذي:2639). إن "لا إله إلا الله" شعار أهل الإسلام،  وإنها ضمان من الله تعالى بدخول الجنة، ومن أجلها جاهد الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام،  فلنكثر منها ولنلازم من قولها.

 

قول: "سبحان اللهِ وبحمدِه، عددَ خلقِه ورضَا نفسِه وزِنَةِ عرشِه ومِدادَ كلماتِه":

 ورد في السنة النبوية أجر جليل لقولنا: "سبحان اللهِ وبحمدِه، عددَ خلقِه ورضَا نفسِه وزِنَةِ عرشِه ومِدادَ كلماتِه"، وهي كلمات يسيرة تحتاج من المسلم تدبر جمالها وعظيم أجرها، عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله تعالى عنها: " أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرج من عندِها بُكرةً حين صلى الصبحَ، وهي في مسجدِها. ثم رجع بعد أن أَضحَى، وهي جالسةٌ. فقال "ما زلتِ على الحالِ التي فارقتُكِ عليها؟" قالت: نعم. قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "لقد قلتُ بعدكِ أربعَ كلماتٍ، ثلاثَ مراتٍ. لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذُ اليومَ لوزَنَتهنَّ: سبحان اللهِ وبحمدِه، عددَ خلقِه ورضَا نفسِه وزِنَةِ عرشِه ومِدادَ كلماتِه" (مسلم:2726). أربع كلمات تثقل الميزان، فهل من مشمر لنيل الثواب، وهل من مجاهد باللسان كي يستزيد من الحسنات وينعم بالخيرات.

 

قول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" واحتساب وفاة الولد الصالح:

 إن التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وإن الصبر والرضا على ما قدره الله تعالى من وفاة الولد الصالح من علامات الإيمان وتوقير المسلم لربه سبحانه وتعالى، ولذا بشر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثقل ميزان من ثابر على ذكر الله تعالى وصبر على ما قدره الله العليم الحكيم،  فعَنْ أبي سلمى مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَخٍ بخٍ لخمسٍ ما أثقَلَهنَّ في الميزانِ: لا إله إلا اللهُ، وسبحان اللهِ، والحمدُ لله، واللهُ أكبرُ، والولدُ الصالحُ يُتَوفَّى للمرءِ المسلمِ؛ فيَحتَسِبُه" صححه الألباني في (صحيح الترغيب:1557). وورد فضل وأثر التسبيح والتحميد في ثقل الميزان حديث شريف آخر فعن أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شطرُ الإيمانِ. والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ. وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ (أو تملأُ) ما بين السماواتِ والأرضِ. والصلاةُ نورٌ. والصدقةُ برهانٌ. والصبرُ ضياءٌ. والقرآنُ حُجَّةٌ لكَ أو عليكَ. كل الناسِ يغدُ . فبايِعٌ نفسَه. فمُعْتِقُها أو مُوبِقُها" (مسلم:223).

 

حسن الخلق:

 إن الشريعة الإسلامية مورد عذب لتحسين وتهذيب الأخلاق، وحسن الخلق له أجر كبير في السنة النبوية،  فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ" (الترمذي:2003). وحسن الخلق يستوجب حسن معاملة الناس،  والإحسان إليهم بشتى الوجوه،  والصبر على الأذى طمعا وكرما في جود الله ملك الملوك.

 

اتباع الجنائز:

إن اتباع الجنائز من الأعمال التي حثت عليها الشريعة الإسلامية،  فهي من مظاهر الإخوة والترابط في الإسلام،  فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن اتبَعَ جِنازةَ مسلمٍ، إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يُصَلَّى عليها ويُفْرَغَ مِن دَفْنِها، فإنه يَرْجِعُ مِن الأجرِ بقيراطين، كلُّ قيراطٍ مثلَ أُحُدٍ، ومَن صلَّى عليها ثم رَجَعَ قبل أن تُدْفَنَ، فإنه يَرْجِعُ بقيراطٍ" (البخاري:47).

 

الصدقة:

 إن الصدقة خير زاد تعده للآخرة، والمتدبر لجمال القرآن الكريم يرى ويدرك حب الله الكريم للصدقة وللمتصدقين، ويتيقن من جزيل الثواب وحسن العاقبة وجود الله الملك الكريم، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ:39. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدَّقَ بعدلِ تمرةٍ من كسبٍ طيِّبٍ، ولا يصعدُ إلى اللهِ إلا الطِّيبُ، فإنَّ اللهَ يتقبَّلُها بيمينِه، ثم يُربِّيها لصاحبها كما يُربِّي أحدُكم فَلُوَّهُ، حتى تكونَ مثلَ الجبلِ" (البخاري:7430). فالصدقة نهج يومي لمن أراد أن يثقل ميزانه يوم القيامة،  ومن أراد جبالا من الحسنات فليكثر من الصدقات.

 

احتباس الفرس في سبيل الله تعالى:

 إن الجهاد في سبيل الله سبحانه سبيل المحبين،  فالمحب يجود بالنفس والمال في سبيل الله الودود،  وورد في احتباس الفرس في سبيل الله تعالى أجر يثقل الميزان،  فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منِ احتبسَ فرسًا في سبيلِ اللَّهِ إيمانًا باللَّهِ، وتصديقًا لوعدِ اللَّهِ كانَ شِبعُهُ ورِيُّهُ وبولُهُ ورَوثُهُ حسناتٍ في ميزانِهِ" (النسائي:3584).

 

المحافظة على الأذكار دبر الصلاة وقبل النوم:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان، أو خلتان لا يحافظُ عليهما عبدٌ مسلمٌ إلا دخل الجنةَ، هما يسيرٌ، ومن يعملُ بهما قليلٌ، يسبِّحً في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ عشْرًا، ويحمَدَ عشْرًا، ويكبِّرُ عشْرًا، فذلك خمسون ومائةٌ باللسانِ، وألفٌ وخمسمائةٍ في الميزانِ، ويكبِّرُ أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعَه، ويحمَدُ ثلاثًا وثلاثين، ويسبِّحُ ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائةٌ باللسانِ، وألفٌ في الميزانِ . فلقد رأيتُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يعقِدُها بيدِه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف هما يسيرٌ ومن يعملُ بهما قليلٌ؟ قال: يأتي أحدَكم –يعني الشيطانَ– في منامِه فيُنَوِّمُه قبل أن يقولَه، ويأتيه في صلاتِه فيُذَكِّرَه حاجةً قبلَ أن يقولَها" (أبو داود:5065)

 

الدلالة على الخير:

 الدلالة على الخير شرف رفيع،  وواجب عظيم لكل مسلم، وإن الدلالة على الخير من أيسر الطرق لثقل الميزان، وعلى المسلم أن يتدبر الفرص المهدرة للدلالة على الخير من خلال سبل التكنولوجيا الميسرة، قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]، وعن أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الدالَّ على الخير كفاعلِه))؛ (الترمذي:2670). قال المناوي رحمه الله تعالى: "ومن تأمَّل هذا المعنى ورُزق التوفيق، انبعثَت همَّته إلى التعليم، ورغب في نَشر العلم؛ ليتضاعف أجرُه في الحياة وبعد الممات على الدوام، ويكف عن إحداث البِدَع والمظالم؛ من المكوس وغيرها؛ فإنَّها تضاعف عليه السيئات بالطريق المذكور، ما دام يَعمل بها عاملٌ، فليتأمَّل المسلم هذا المعنى، وسعادة الدالِّ على الخير، وشقاوة الدالِّ على الشرِّ"؛ (فيض القدير: 6 / 127).

 

نسأل الله الكريم أن يرزقنا الفردوس الأعلى وأهلنا والمسلمين، وأن يجنبنا النار وأهوالها..

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply