اقتباس المفردات شروطه وموانعه


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

    المؤمن مرآة أخيه، فكم أنا شكور لأولئك الذين يوجهونني بتذكيرهم، أو نقدهم البناء، أو نقدهم غير البناء، فإن كان الأولان يستحقان الشكر لأن منطلقهما {ذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فإن الأخير يستحق مني الشكر لأنه يجبرني على إعادة النظر فيما كتبته، وغربلته استقاءً من النصوص التي اعتمدت عليها في توجهي، فإلى كل هؤلاء شكري وتقديري.

    فمن الأولين أخي في الله وابني الحبيب من اليمن آمنا القزز فحين أنزلت مقالاً بعنوان {إعدام صدام وإلزام المشاعر بالشرع} كتب إلي ناصحاً: هل يوجد في الشرع شيء اسمه إعدام، الإعدام يدل على أنه لا شيء بعده.

    منطلق تذكيري لا يوجد إلا فيمن جعل حركاته وسكناته كلها لا تنطلق إلا من منطلق الشرع، وهو الأصل في الإنسان المؤمن، الذي نطق بكلمة الشهادة وامتثل لها، {رُبَّ كلمةٍ لا تلقي لها بالاً تهوي بك سبعين خريفاً في نار جهنم}

     شكراً لهذا التذكير، وأقول لهذا الحبيب إن كلمة الإعدام من الكلمات المُوَلَّدة، التي دخلت إلى اللغة العربية، بعد عهد الرواية السماعية في القرن الرابع الهجري وما بعده، فالإعدام يعني إزهاق الروح باتفاق أهل اللغة ، منذ القرن الرابع وحتى اليوم {أنظر المعجم الوسيط مادة عدم} وقد نزل القرآن الكريم بهذه اللغة، وتكلم بها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فلا مانع من استعمال الكلمة بهذا المعنى لأسباب من أهمها:

1-  إنها ليست من المصطلحات الشرعية، ولا يترتب عليها ثواب أو عقاب، بل استعمالها من باب إثراء لغة القرآن الكريم.

2-  من المعروف أن اللغات تأخذ وتعطي ، ولقوة الأمة وشعوبها التي تتكلم بلغتها تأثير واضح على بقية أمم العالم وشعوبها، فالأمة القوية تعطي تصور القوة في كل رافد من روافد حياتها، فحين كان المسلمون أقوياء متقدمين على غيرهم من الأمم والشعوب، كانت لغة القرآن سيدة لغات العالم، ولا تستغرب إن قلتُ لك إن الدولة المغولية في الهند، كانت تكتب رسائلها إلى ملك إنجلترا باللغة العربية، حتى القرن السابع عشر الميلادي، وما زالت هذه الرسائل معروضة في المتحف البريطاني، بتوقيعات ملوكها حتى اليوم، وقد شاهدت العديد منها بنفسي.

3-  إذا منعنا التلقيح، وإدخال مفردات جديدة في لغة ما، فإن الافتقار والهوان مآل محتم لهذه اللغة، لذلك يرجح علماء العربية أن القرآن استعمل مفردات يعود أصلها إلى اللغة الفارسية، وأن العرب اقتبسوها من أولئك القوم، وادخلوها إلى لغتهم ، فأصبحت جزءاً منها، كلفظة {جهنم} مثلاً، كما ذكر ذلك شارح العقيدة الطحاوية، في باب أبدية عذاب جهنم.

 

لكني أنصح كل مقتبس أن يتقي الله في الاقتباس، فلا يدخل إلى هذه اللغة شيئاً إلا بعد التأكد من أن العربية تفتقد إلى هذه المفردة، وإنه لا وجود لها في لغة الضاد، أما الاقتباس من أجل الموضة والإيتي كيتس والإظهار بأنه يعرف تلك اللغة فأمر خطير، إذ الاستعمال في تلك الحالة يوحي بضعف النسيج الداخلي، وأن المتكلم مهزوز الثقة من ثقافته التي يحملها واللغة التي يتكلم بها.

أضف إلى ذلك أن كل مفردة دخيلة إلى لغة ما تنقل إلى ما دخلت إليه خلفيتها الثقافية والتاريخية والاجتماعية.......... ، وتلك هي الهالكة والقاتلة ، يتجرع السم باسم التحضر، ومسايرة العصر من حيث لا يدري، فمثلاً كلمة{SIR}سير، خطاب شرف كانت بريطانيا تمنحه لكل من يحافظ على مصالحها، فكراً وقوةً مادية.........، لذلك منحته إلى كلٍ من سيد أحمد خان، مؤسس جامعة عليكره العريقة المسلمة في الهند، كما منحت الوسام ذاته إلى أغا خان الأول.

وانظر إلى أثره في الناطقين بالإنجليزية في شتى أرجاء المعمورة، فالخضوع والاستسلام أهم المميزات التي يتصف بها هذا المُقتَبِس، فمتى نطق المتكلم بكلمة سير فَهِمَ مخاطَبُه أنه جاهز للامتثال دون نقاش أو تردد.

وأخيراً أدعو علماء العربية بتفعيل الاشتقاق، إذ العربية أوسع لغات العالم على الإطلاق، فإنها تحمل في طياتها بضعة عشر نوعاً من الاشتقاق، ويسعها تقديم المصطلحات العلمية عن طريق الاشتقاق والنحت، دون عناء، ومن ثم نستطيع الاستغناء عن هذا الاقتباس، بخلفيته المشبوهة في الأعم الأغلب.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply