أحكام الهبة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

أحكام الهبة - صلاح نجيب الدق

فإنَّ للهبة أحكاماً  أحببتُ أن أُذَكِّرَ بها نفْسي وأحبابي طلاب العِلْم الكرام، فأقول وبالله تعالى التوفيق

 

تعريف الهبة:

الهبة: العطية. يُقالُ, وهبه مالاً: أي أعطاه مالاً. (لسان العرب لابن منظور جـ6 صـ4929)

معنى الهبة: تمليك في الحياة بغير عوض (بغير مقابل)، وتسمى أيضاً: الهدية والعطية (المغني لابن قدامة جـ8 صـ239)

 

مشروعية الهبة:

الهبة مشروعة، و مندوب إليها لقوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) (النساء:4).

وقوله سبحانه: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177)

روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ((يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ))(أي ظلفها). (البخاري حديث 6017)

روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ)) (البخاري حديث 2589/ مسلم حديث 1622)

ومن السُّنة: المكافأة على الهبة حينما يتيسر ذلك للموهوب له،

روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا.(البخاري حديث 2585 )

فائدة: يُثِيب عَلَيْهَا: أَيْ يُعْطِي الَّذِي يُهْدِي لَهُ بَدَلهَا.( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 5 صـ249)

وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة:2) وهي للأقارب أفضل؛ لأن فيها صلة الرحم. (الفقه الإسلامي للزحيلي جـ5 صـ6:صـ7) ( المبسوط للسرخسي جـ12صـ47)

 

أركان الهبة:

للهبة أربعة أركان هي:

1- الواهب, 2- الموهوب له, 3- الموهوب , 4- صيغة الهبة هي الإيجاب والقبول.

(الفقه الإسلامي للزحيلي جـ5 صـ7)

 

شروط الهبة:

هناك شروط تتعلق بالواهب, والموهوب له, والشيء الموهوب.

أولاً: الواهب:

يشترط في الواهب الشروط الآتية:

1-أن يكون بالغاً , عاقلاً , رشيداً.

2-أن يكون مالكاً للشيء الموهوب.

3-أن يكون راضياً ومختاراً.

(الفقه الإسلامي للزحيلي جـ5 صـ12)

(بدائع الصنائع للكاساني جـ6 صـ118)

 

ثانياً: الموهوب له:

يُشترط  في الموهوب له:

1-أن يكون الموهوب له موجوداً في الحقيقة وقت الهبة.

2-أن يكون الموهوب له أهلاً لملك ما يوهب له .

(الموسوعة الفقهية الكويتية جـ42 صـ125)

 

ثالثاً: الموهوب :

 يشترط في الشيء الموهوب ما يلي:

1-أن يكون موجوداً قبل الهبة, لأنه تمليك في الحال.

2-أن يكون مالاً متقوماً, فلا تنعقد هبة ما ليس بمال, كالميتة, والدم, والخمر, وما شابه ذلك.

3-أن يكون معلوماً ومملوكاً للواهب.

(الفقه الإسلامي للزحيلي جـ5 صـ12 : صـ15)

 

ألفاظ الهبة:

الهبة تكون بلفظ يدل على التمليك مثل: وهبتك, أو أهديت لك, أو أعطيتك, أو هذا لك, ونحو ذلك من الألفاظ التي تدل على هذا المعنى.

(المغني لابن قدامة جـ8 صـ345)

 

هبة الوالد لأبنائه:

يَجِبُ عَلَى الوَالِدِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَخْتَصَّ أَحَدُهُمْ بِمَعْنًى يُبِيحُ التَّفْضِيلَ، فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّتِهِ، أَوْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ فِيهَا أَثِمَ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا رَدُّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا إتْمَامُ نَصِيبِ الْآخَرِ .

(المغني لابن قدامة جـ8 صـ256)

 

لجنة الفتوى بالأزهر:

أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر جواباً عن سؤال حول إمكان التمييز بين الورثة، وتضمنت الفتوى ما يلي:

أولاً: يجب على الوالدين التسوية بين الأولاد في العطية والهدايا والإنفاق، ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا لمبرر يأتي، عملاً بالأحاديث السابقة الآمرة بالتسوية.

ثانياً: إذا أنفق أحد الوالدين على أحد الأولاد نفقة ذات قيمة بأن زوجه ودفع له مهر الزوجة، أو أنفق على تعليمه بما أوصله إلى وظيفة ذات غناء،أو جهز إحدى بناته، كان عليه أن يعوض سائر ولده الآخرين بمقدار ما أنفقه على ولده الأول.

ثالثاً: يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض لمبرر شرعي، ومن المبررات الشرعية: العاهات المانعة من التكسب كالزمانة (المرض الشديد والطويل الأجل)، والعمى المانع، والشلل، وكذلك العجز عن التكسب، والاشتغال بالعلم الديني . (مجلة الأزهر ـ العدد الثالث من السنة الرابعة عشرة).

 

هبة المجهول:

لا تصح هبة الشيء المجهول, مثل الحمل في البطن, واللبن في الضرع, وما شابه ذلك, لأن هذا مجهول معجوز عن تسليمه.

(المغني لابن قدامة جـ8 صـ249)

 

تعليق الهبة على شرط:

لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، كَالْبَيْعِ .

فَإِنْ عَلَّقَهَا عَلَى شَرْطٍ، كَانَ وَعْدًا .

وَإِنْ شَرَطَ فِي الْهِبَةِ شُرُوطًا تُنَافِي مُقْتَضَاهَا، نَحْوَ أَنْ يَقُول: وَهَبْتُك هَذَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا تَهَبَهُ، أَوْ لَا تَبِيعَهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ تَهَبَهُ أَوْ تَبِيعَهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ تَهَبَ فُلَانًا شَيْئًا، لم تَصِح الشروط .

 (المغني لابن قدامة جـ8 صـ250)

 

هبة المريض عند الموت:

لا تصح هبة الشخص المريض مرض الموت: وهو الذي يعجز المريض فيه عن ممارسة العمل وينتهي به إلى الموت.

(فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ295)

 

الرجوع في الهبة:

لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما أعطاه لولده. (المغني لابن قدامة جـ8 صـ277)

روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ))

(حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3023)

 

قبض الطفل للهبة:

الطِّفْلَ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِنَفْسِهِ، وَلَا قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، وَوَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِك ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمِينٌ، فَهُوَ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ أَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَأَقْرَبُ إلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ أَبُوهُ الْأَمِينُ، وَلَهُ وَصِيٌّ، فَوَلِيُّهُ وَصِيُّهُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مُقَامَ نَفْسِهِ، فَجَرَى مَجْرَى وَكِيلِهِ. وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَيْرَ مَأْمُونٍ، لِفِسْقِ أَوْ جُنُونٍ، أَوْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيٍّ، فَأَمِينُهُ الْحَاكِمُ.

وَلَا يَلِي مَالَهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ.

(المغني لابن قدامة جـ2 صـ25)

 

بطلان الهبة:

تبطل الهبة بموت الواهب أو الموهوب له قبل القبض.

(المغني لابن قدامة جـ8صـ243)

ختاماً: أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) كما أسأله سُبحانه أن ينفع به طلابَ العِلْم الكرام.

وآخرُ دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply