دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب سلفية معتدلة صادقة .. ولا يضرها انتحال المبطلين

فإن الله تعالى لما بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحق ليظهره الله تعالى على الدين كله، ووعده الله تعالى بالوعد الحق بأن يعليه الله وينصره، لم يكن هذا الدين عرضة للزوال إلى قيام الساعة، بل سيبقى عزيزاً منيعاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» أخرجه مسلم، ومهما اعترض هذا الدين من عقباتٍ كضعفٍ ونقصٍ فإن الله تعالى هيأ للأمة رجالاً يخدمونه، ويدافعون عنه، ويجدِّدون للناس ما اندرس وغاب من معالمه، كما روى الإمام أبو داود في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَحْمِلُ هَذَا العِلْم مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه، يَنْفُون عَنْه تَحْرِيف الغالين، وانْتِحَالَ المُبْطِلِيْن، وَتَأْوِيل الجاهِلِيْن» فدلَّ على أن الأمة سيكرمها الله تعالى بمجددين هداة، يعودون بالناس إلى «ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه»، وهذا هو دين السلف الصالح، وهو السلفية الحقة، ومن جاء بمثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو المجدد صدقاً وعدلاً، وفي أواخر القرن الثاني عشر وأوائل القرن الثالث عشر، ظهرت في قلب الجزيرة العربية دعوة تجديدية على يد الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي (1115-1206) بمناصرةٍ من الإمام محمد بن سعود رحمهما الله تعالى، فجاء بدعوة سلفية صادقةٍ نقية، يشهد لحقيقة ذلك أدلة عدة، من أشهرها:

1-دعوته للكتاب والسنة والتمسك بما عليه السلف الصالح، وهذا ظاهر في كلّ مؤلفاته، وبذلك تميزت ونفع الله بها، فهي لا تخرج عن أدلة الوحيين، وكلام الأئمة السالفين، وهذا مما يؤكد أنه متبع غير مبتدع، كما قال عن نفسه في رسالته إلى الشريف عبدالعزيز بن غالب: (فنحن - ولله الحمد - متبعون لا مبتدعون، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل .. إلى أن قال: وأنا أشهد الله وملائكته، وأشهدكم أني على دين الله ورسوله، وإني متبع لأهل العلم، غير مخالف لهم) [الدرر السنية: 1/ 58].

وقال في رسالة أخرى له: (وأخبرك أني - ولله الحمد - متبع لست بمبتدع؛ عقيدتي، وديني الذي أدين الله به، هو: مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة وأتباعهم، إلى يوم القيامة) [الدرر السنية:1/ 79].

 

2-تصريحه بانتسابه إلى مذهب السلف، وتعظيمه لهم، وحثه على التمسك بعقيدتهم، وكلامه في ذلك كثير، فيقول رحمه الله تعالى في رسالته إلى عالمٍ من علماء المدينة: (هذا اعتقادنا، وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح، من المهاجرين والأنصار، والتابعين وتابع التابعين، والأئمة الأربعة، رضي الله عنهم أجمعين. وهم أحب الناس لنبيهم، وأعظمهم في اتباعه وشرعه) [الرسائل الشخصية: 48-49][الدرر السنية:1/64].

وقال رحمه الله تعالى في رسالته إلى أهل المغرب: (وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم) [الرسائل الشخصية:113].

وقال رحمه الله تعالى في رسالته إلى ابن عبداللطيف عالم الأحساء: (فانظر كلام الأئمة قبلهم، كالحافظ البيهقي في كتاب المدخل، والحافظ ابن عبد البر، والخطابي، وأمثالهم، ومن قبلهم، كالشافعي، وابن جرير، وابن قتيبة، وأبي عبيد، فهؤلاء إليهم المرجع في كلام الله، وكلام رسوله، وكلام السلف) [الدرر السنية في الأجوبة النجدية: 1/ 46].

 

3-ومما يؤكد صدق انتساب الإمام إلى مذهب السلف وتعظيمه لهم: اعتراف أهل العلم والفضل بذلك من مشارق الأرض ومغاربهم، وشكرهم له على ذلك، وكلامهم كثيرٌ يضيق المقام عنه نقله، ومن نظر منصف إلى كلام الإمام محمد بن عبدالوهاب وتقريراته إلا واعترف له بصدق العلم والفضل.

وعجز وسيعجز خصوم دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب أن يأتوا له بمقالة أو أصلٍ أو فتوى خرق بها الإجماع أو حتى خالف فيها مذهب جماهير المسلمين، أو جاء بمقالة ليس لها أصلاً في الكتاب والسنة وكلام السالفين.

والتزامه رحمه الله تعالى بمنهج السلف الصالح مع أمراء الدولة السعودية وحكامها، مع طلاب الإمام وأولاده وأحفاده وأتباعه: كل ذلك أكسب هذه الدعوة الاحترام والتقدير من المنصفين في مشارق الأرض ومغاربها، من الموافقين لها والمخالفين، وتأمل ما قاله إبراهيم الحيدري (ت:1286) وهو من المخالفين لدعوة الإمام محمد في مسائل، ولكن ما حمله ذلك على عدم الاعتراف بفضله وفضل الدولة السعودية في ذلك الزمان، فقال في كتابه "عنوان المجد" (238-239): ( وبالجملة: أنه كان من العلماء الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر وكان يعلم الناس أحكام الصلاة، وسائر أركان الدين، ويأمر بالجماعات، وقد سعى غاية السعي في تعليم الناس وحثهم على الطاعة، وأمرهم بتعلم أصول الإسلام وشرائطه، وأحكام الصلاة وأركانها و واجباتها وسننها، وسائر أحكام الدين، وأمر جميع أهل البلاد بالمذاكرة في المساجد كل يوم بعد صلاة الصبح وبين العشائين في معرفة الله تعالى ومعرفة دين الإسلام ومعرفة أركانه، وما ورد عليه من الأدلة، ومعرفة محمد صلى الله عليه وسلم ونسبه ومبعثه وهجرته وأول ما دعا إليه من كلمة التوحيد وسائر العبادات التي لا تنبغي إلا لله تعالى، كالدعاء والذبح والنذر والخوف والرجاء والخشية والرغبة والتوكل والإنابة وغير ذلك، فلم يبق أحد من عوام أهل نجد جاهلاً بأحكام الدين بل كلهم تعلموا ذلك إلى اليوم بعد أن كانوا جاهلين بها إلا الخواص منهم وانتفع الناس به من هذه الجهة الحميدة ..).

فدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب سلفية حقاً، تجدِّد علوم السلف وفهومهم، وتعظِّم كتب السنة، وتحفظ للعلماء حقوقهم، وتعرف لهم منازلهم، ومن خالف من أهل العلم عومل بالعدل والإحسان، واستفيد مما عندهم من علوم.

ويجدر التنبيه إلى أنه كما ينتسب إلى الإسلام من يخالفه في أظهر أصوله ومبادئه، وينتسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحبه من يخالف سنته، وينتسب إلى الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في أصولهم ونصوص كلامهم، فإنه لا غرابة أن نجد اليوم من يزعم الانتساب إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب وهو مخالف له في أصل مذهبه، ومن ذلك ما تقوم به الحركات التكفيرية التي تدعي الجهاد من الاهتمام بمؤلفات الإمام محمد بن عبدالوهاب وهو منهم براء، فهو من أبعد الناس عن تكفير الناس بغير حق، وأرعاهم لحقوق الحرمات، ويرشد دوماً إلى السمع والطاعة إلى ولاة الأمور، ونبذ الخروج وتفريق كلمة المسلمين، وما أجمل ما قاله في رسالته النافعة "ستة أصول عظيمة" في بيانه لانتكاس المفاهيم في حقوق الولاة، وأن من الناس من بات يظن أن الخروج على الولاة هو الحق والقوة، وأن السمع والطاعة هو الضعف والضلال، وهذا من انتكاس المفاهيم، فقال رحمه الله تعالى: (الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع، السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدا حبشيا. فبين الله هذا بيانا شافيا كافيا، بوجوه من أنواع البيان شرعا وقدرا. ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به؟!) وقال في رسالته "مسائل الجاهلية" وعاداتهم: الثالثة: (أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك، وأبد أفيه وأعاد).

وهذا الكلام مما لا يروق للغارقين اليوم في الخروج على الحكام، المكفرين للمسلمين بغير حق، والمستحلين منهم ما حرم الله، ولئن ضل هؤلاء المنحرفون ببعض كلام الإمام محمد بن عبدالوهاب، فليس العيب في الإمام ولا في كلامه، وإنما العيب في فهومهم وقلوبهم الضالة، وإلا فمن الخلق من يضل ببعض كلام الله ويتبع متشابهه، ويكون عليه عمى، ولا يزيده إلا نفوراً وخساراً، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7]

وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: 44] وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]

وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [الإسراء: 41]

هذا حال الضالين مع كلام الله تعالى المحكم المبين، فكيف بهم مع كلام البشر الذي يعتريه التقصير وسوء التعبير؟ فالإمام محمد بن عبدالوهاب ودعوته براء من تلك الدعوات التكفيرية الخارجية التي تكفر الناس بغير حق، وتنتهك المحرمات، وتفرق الشعوب المسلمة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply