في وصف الشريعة للمرأة بالفتنة والعورة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

هل وصف الشريعة للمرأة بالفتنة والعورة في بعض المواطن ذم لها؟ وعلى أي وجه يحمل ذلك؟

التحقيق: أن هذه أوصاف إضافية لا ذاتية، أي أنها ليست لازمة للمرأة في ذاتها، وإنما تقترن بها لعارض ما وفي حال ما؛ فهي فتنة بالنسبة إلى الرجل؛ لما جبل عليه الرجال من الميل إلى النساء. وهي عورة بالنسبة إلى أنظار الرجال أن تتطلع عليها وترمقها.

ومن ذلك قول الله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}؛ فهي فتنة في حق من تصرفه عن ذكر الله وعن الصالحات.

فهذه الأوصاف الإضافية لا تُجرى مجرى الألقاب والأسماء الملازمة لمسمياتها؛ فلا يقال: من أسماء المرأة في لسان الشرع: (الفتنة)، و(العورة).

وإنما هو إطلاق إضافي، أي هي فتنة للرجل؛ لميل الرجل إليها وتعلقه بها...

وهذا يترتب عليه: أن هذا الوصف لا تذم به المرأة أصلا؛ ولكن مراد الشارع من إطلاقه غرضٌ يناسب الرجل وغرض يناسب المرأة:

-       أما غرضه للرجال؛ فهو أن يتجنبوا فتنة النساء ويتوقونها؛ فلا يخوضون في النظر الحرام ونحو ذلك؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء)). وكما في آيات غض البصر.

واتقاؤهن أي اتقاء الفتنة بهن والوقوع في الميل إليهن.

-       وأما غرضه للنساء؛ فهو ألا يتعمدن إظهار زينتهن ليقع الافتتان بهن؛ فيحفظن أنفسهن عن ذلك.. ولذلك قال الله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها...} وقال سبحانه: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}.

وإذا أدركتَ هذا ؛ علمتَ أن المرأة لا تلامُ إذا افتتن بها غاوٍ ولم يكن منها سبيل إلى فتنته بكمال الحشمة والتستر؛ فقد صح هنا أنها فتنة ومع ذلك فهي غير ملومة.

وإنما شأن الشارع أن يضع الفتنة ابتلاء واختبارا: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}

واعلم أن الشأن في هذه الأوصاف التي أطلقها الشرع في حق (المرأة) كالشأن في الأوصاف التي أطلقها في حق (الدنيا) بأسرها.. فإنك تجد الشرع يطلق: {إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ...} ومن نظر إلى ظاهر الإطلاق بدتْ له إشكالات.. وظن أن الدنيا مذمومة بإطلاق!!

ولو تبصَّر وأمعن وأنزل الأمور منازلها علم أن هذه أوصاف إضافية مقيدة بحال دون حال.. فالدنيا كذلك لمن آثرها ورضي بها من الآخرة.. وإلا فإنك تجد: {فلنحيينه حياة طيبة} فدل على أن وصف الدنيا بالذم يتوجه في حق من عمل فيها باللذة وآثر العاجلة..

وأما من عمل الصالحات وتزود فالدنيا في حقه مزرعة الآخرة، ومزادتُها التي يتزود منها.

وقد نبَّه على ذلك الإطلاق والتقييد في حق الدنيا بعض المحققين كابن دقيق العيد وأبي إسحاق الشاطبي رحمهما الله.

ولأبي إسحاق عليه الرحمة تحقيق حفيل نفيس في الموافقات أورد فيه الآيات التي فيها ذم الدنيا وبين محاملها وما فيها من إطلاق وتقييد بأحكم كلام وأحسنه وأبلغه.

واعتبار هذا الأصل بأن الشارع يطلق بعض الأوصاف ويريد بها محامل خاصة هو باب من أبواب التحقيق في الشريعة لا ينهض له إلا الراسخون، وبه تنجاب ظلمات كثير من الشبهات الواردة على الشريعة.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply