الاعتراف المتأخر!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

في عام ١٥٧٥م ولد (يعقوب بوهمه) من أبوين فقيرين جدًا، لم يستطيعا أن يعلمان تعليمًا متقدمًا. مما اضطره أن يعتمد على نفسه في كسب رزقه، فعمل في مهنة صانع أحذيةٍ، ووفي الوقت نفسه عمل على تثقيف نفسه بنفسه.

وفي عام ١٦١٠م ألف كتابًا ضمنه تأملاته وخواطره وتحليلاته، لم يكن ينوي نشره، بل كان يختص به خُلَّص أصدقائه. وقام صديقٌ له بتسريبِ نُسخٍ إلى آخرين، مما جعل إحداها تقع في يد قسيس البلدة وهو (غريغوريوس رختر).

غضب القس رختر جدًا، إذ كيف لشخصٍ نكرةٍ وصانعٍ للأحذية أن يبدي رأيه ويكتب تأملاته!

وفي خطبة الكنيسة، التي حضرها أهل البلدة ومنهم بوهمه، هاجم القسيس رختر بعنف وسخرية واحتقار الكاتب بوهمه، ووصفه بأنه شخصٌ مزيفٌ.

وبعد انتهاء الخطبة والاجتماع الكنسي، تقدم بوهمه إلى القسيس البروتستانتي رختر بكل هدوء وطيبة وطلب منه أن ينصحه وأن يصلح أخطاءه إذا كان مخطئًا. لكن القسيس صرخ في وجهه وقال: "اتبعني أيها الشيطان!". وطلب منه مغادرة البلدة فورًا.

وفي اليوم الذي يليه، طلب أعضاء مجلس البلدة من بوهمه مغادرة المدينة في الحال، ولم يسمحوا له برؤية أهله، واقتادوه إلى خارج أسوار البلدة، وقالوا له: لن تعود إلى البلدة حتى تتوقف عن كتابة تأملاتك وخواطرك!

وقَبِل بوهمه مرغمًا بالتوقف عن الكتابة.

وذُكِرَ في تاريخ بوهمه أن سبب موقف القسيس العدائي منه هو حادثة سابقة وقديمة، حيث سرق القسيس مالاً من أحد أقرباء بوهمه، وقام بوهمه بتوبيخ هذا القسيس على فعلته المشينة، فحفظها القسيس في نفسه وتربص به الدوائر، فكان موقفه هذا ليس مجرد غيرة دينية.

انتشرت عدة نسخ من كتابات بوهمه، وبدأ الناس من المثقفين والنبلاء يتهافتون عليه، معجبين بكتاباته وتأملاته ومبهورين بها!

وطلبوا من بوهمه الذهاب معهم لبلدة أخرى، وأن يواصل كتاباته، وبالفعل رجع للكتابة واستمر يكتب لست سنوات فقط، حيث مات بعدها.

 وطارت شهرة بوهمه في أوروبا كلها، وعرفه الناس وتحدثوا عنه ودرسوا كتبه، واقترن اسمه بألفاظ الاحترام والتبجيل. وأشاد به الفلاسفة وكبار المثقفين، ودرست تأملاته في الجامعات!

المفارقة الغريبة، أن بلدته التي عاش فيها قررت بعد أن طارت شهرته أن تشيد له تمثالاً تذكاريًا لتحتفل بذكراه!

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply