هل فكرت في هذا المشروع


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

بعد مرور هذا الشهر المبارك، وبعدما تذوقت حلاوة القرآن وخطاب القرآن خاصة إمام المسجد سدده الله ووفقه لأنه قدوة للناس، هل اتخذت بعد ذلك قرارًا في أقرب وقت لمشروع عظيم وكبير، ألا وهو حفظ القرآن الكريم؟

إنك لو عشت سعادة حافظ القرآن يومًا واحدًا لما ترددت في البدء بهذا المشروع أبدًا .

اتخذ قرارك .. وحدد بداياته .. وارسم له خطة .. وارتبط بشيخ مقرئ .. وابدأ فسيعينك الله .. وستكون في عداد الحفظة بإذن الله ..

حياتك في هذه الدنيا أيام قريبا ستزول وتنتهي كما ولَّى من أيامك ما مضى، وخيرُ ماعَمَرت به حياتك كتاب الله حفظًا وتدبرًا وعملًا ..

*لا تقل فاتني الشباب* وكثرت الأعمال، فقد حفظ القرآن من تجاوز الخمسين بل الستين بل السبعين!!!

واسألوا جمعية (مكنون) كم تخرج منها من كبار السن؟

هذا بائع خضار في الخمسين من عمره يحفظ القرآن في متجره وفي سوقه وفي هذا السنّ، يقرؤه أولًا على المقرئ، ثم بعد ذلك يردده ويكرره،ويكون حفظ ذلك المقطع شغله الشاغل في مكان بيعه، وبقي هكذا حتى أتم حفظ القرآن كاملًا في سوق الخضار، وأصبح ورده اليومي خمسة أجزاء !! يقرؤها قائما وقاعدا وعلى جنب، فأين الشباب وأهل القوة والفتوة؟ وأين من هو في مقتبل العمر ؟ وأين من يتعلل بمشاغل الدنيا؟

صاحب الهمة العالية لا يقدم شيئًا على كتاب الله، فالقرآن هو أهم شغل وعمل وهو أول العلم وأحد الوحيين، وسماه الله نورًا وروحًا، ففيه حياة الأرواح، وهو نور الطريق للمؤمن .

مشروع حفظ القرآن في أوله مشقة ومجاهدة، حيث أن المبتدئ في الحفظ يحفظ الجديد، وله ورد لما مضى من حفظه السابق، ولكن بعد ذلك سيتمكن القرآن من قلبك وستنسى التعب والمشقة وتبقى السعادة، ستنسى الإرهاق ويبقى الأنس والفرح (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).

إنه بعد حفظ القرآن وإتمامه لن يتبقى لك إلا وردك اليومي فقط تقرأه في كل حين، إن شئت قائمًا، أو قاعدًا أو ماشيًا أو قائدًا لسيارتك، وهذا الاستغلال للوقت في قراءة الوِرد اليومي لا يتأتى إلا للحافظ فقط، أما غير الحافظ فلا بد أن يمسك المصحف، ولا يمكن أن يفعل ذلك وهو يقود السيارة ..

ما أجمل حياة الحافظ!

كلُّها أنس، كلُّها فرح، كلُّها سعادة .

حامل القرآن كالجبل الأشم لا يضعف أمام البلايا .

حامل القرآن كالجبل الشامخ لا تزعزعه الفتن والرزايا.

أخي الكريم لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم حافظ القرآن وهو ميت، فكان يسأل في غزوة أُحد لما كثر القتلى فكان يضع الاثنين في ثوبٍ واحد ويقول: أيهما أكثر أخذًا للقرآن فيقدمه في اللحد إكرامًا له ! فكما كان حافظ القرآن مكرمًا في الدنيا، كذلك بعد الموت، كذلك في الآخرة... نعم إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين .

في صحيح البخاري مرفوعًا: (مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة) هكذا لفظه عند البخاري (وهو حافظ له) !! ياالله ماذا ينتظر المسلم بعد هذا؟

أرأيت الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم لشواهده أنَّ من قرأ القرآن وتعلم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجًا من نور ضوءه مثل ضوء الشمس ويُكسى والداه حُلّتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان بم كُسينا هذا؟ فيُقال: بأخذ ولدكما القرآن، هذا إكرام الله لوالدي الحافظ فما بالك بإكرام الله للحافظ نفسه؟ وأي إكرام تتخيله من الكريم المنان له ؟

أما نتذكر أنه يقال لصاحب القرآن إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، ولا شك أن الحافظ العامل بالقرآن هو أول من يدخل في هذا الفضل العظيم ويسبق غيره، بل خصه بعض أهل العلم والله أعلم بالحافظ فقط على حد قوله: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" فالتفاضل مخصوص بالحفظ .

بل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بسند حسنه ابن حجر: (أن من إجلال الله) أي من تعظيمه (إكرام ذي الشيبة المسلم، وحاملِ القرآن غيرِ الغالي فيه والجافي عنه، و إكرام ذي السلطان المقسط)، فأي تعظيم هذا لحامل القرآن، فتقديره فقط وإنزاله منزله اللائق به تعظيم لله لما يحمل في صدره من كلام الله..

أعجبتني أبيات قالها أخي وزميلي فضيلة الشيخ فهد مقعد العتيبي في حافظ القرآن فكان مما قال :

ولسوف تبقى في الأنام مكرمًا...

ولسوف ترنو نحوك الأبصارُ

ما كل من طلب المكارم نالها...

لكنما ربّ الورى يختارُ

فالله يرفع بالكتاب وحفظه...

وبه يكون الفضل والمقدارُ

فتعاهد المحفوظ واعلم أنه...

مثل الجواهر حفها الشطّارُ

وأشد من إبل تروم تفلتًا...

من عُقلها قد قال ذا المختارُ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply