مسؤولية الخطأ في نَسْخ الكتاب العربي المخطوط


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

فهذا مبحث لطيف فيمن يُنسب إليه الخطأ (من النُسّاخ والتلاميذ والمصنفين) في نَسْخ الكتاب العربي المخطوط. وقد جاء المبحث في ستة مطالب وخاتمة.

المطلب الأول: نَسْخ أهل الفن كتبهم.

قال بدر الدين العيني (ت855هـ): "لو كَتَب كُلّ فنّ أهلُه لَقلّ الغلط والتصحيف، وهذا ظاهر لا يخفى" [1].

وقال –أيضاً-: "قلت: دعواه النظر في الضبط المذكور في جميع النسخ فيه نظر؛ لأنه لم يبين أن الذين ضبطوه هكذا: هم النساخ أم المشايخ أصحاب هذا الفن؛ فإن كانوا هم النساخ فلا اعتبار لضبطهم، وإن كانوا المشايخ فهو صحيح" [2].

 

المطلب الثاني: الخطأ يُنبّه إليه، ولا يُعَتَدّ به.

قال ابن العراقي (ت826هـ) -في سبق قلم وقع لبعض العلماء -: "سبق قلم لا يُعتَدّ به" [3].

 

المطلب الثالث: نسبة الخطأ إلى الأدنى.

قال ابن حجر (ت852هـ): "لا اختلاف بين الرواة في ذلك. ويحسن التمسك به وأن التغيير فيما عداه من النساخ" [4].

وقال –أيضاً-: "لعلّ الذال سقطت لبعض النساخ ثم صُحّفت اللفظة - كذا قال -. ولا يخفى أن الأول أوجه؛ لأنه يلزم من تصويب هذه الرواية تخطئة الحفاظ بغير دليل" [5].

وقال –أيضاً-: "الحمل فيه عندي على النساخ بدليل سلامة رواية المستملي من ذلك، وهو أحفظهم" [6].

وقال العيني -في نسبة خطأ وقع في نسخة-: "الأظهر أنه من النساخ، أو من بعض الرواة غير المميزين" [7].

 

المطلب الرابع: نسبة الخطأ إلى النساخ.

قال ابن حجر: "كأنه من بعض نساخ الكتاب كما قدمناه غير مرّة، وليس هذا خاصاً بهذا الموضع" [8].

وقال -أيضاً-: "كأنه من النساخ كما نبهت عليه غير مرّة" [9].

وقال العيني: "من شأن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط" [10].

 

المطلب الخامس: نسبة الخطأ إلى رواة الكتاب.

قال ابن القيم (ت751هـ): "قال شيخنا أبو الحجاج المزي:... وقال: وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيحي البخاري ومسلم، فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما. قال: ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف" [11].

 

المطلب السادس: نسبة الخطأ إلى أصحاب التصانيف.

وفيه مسائل:

الأولى: ينسب الخطأ إلى المصنف إذا كانت النسخة بخطه؛ كقول ابن حجر -في كتاب مغلطاي (762هـ) "إكمال تهذيب الكمال"-: "وقفت عليه بخطه، وفيه له أوهام كثيرة" [12].

الثانية: أن يُعرف المصنف بالوهم في النقل.

قال ابن حجر: "وقد انتفعت في هذا الكتاب المختصر بالكتاب الذي جمعه الإمام العلامة علاء الدين مغلطاي على (تهذيب الكمال)، مع عدم تقليدي له في شيء مما ينقله، وإنما استعنت به في العاجل، وكشفت الأصول التي عزا النقل إليها في الآجل؛ فما وافق أثبته وما بان أهملته" [13].

الأخيرة: أن يُعرف المصنف بالنقل من النُّسَخ وإن كانت سقيمة.

قال ابن العراقي -في بعض تعقباته على مغلطاي-: "الآفة من نسخته السقيمة" [14].

 

الخاتمة:

وبعد؛ فهذه أبرز نتائج هذا المبحث:

1- كتابة أهل الفن كتبهم مظنة لقلة الغلط والتصحيف.

2- الخطأ يُنبّه إليه، ولا يُعتَدّ به.

3- نسبة الخطأ إلى الأدنى (النساخ، فالرواة) أولى من نسبته إلى الأعلى أو الأوثق.

4- لا يُخطّأ الحفاظ بغير دليل.

5- من شأن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط.

6- نسبة الخطأ إلى رواة الكتاب غير المميزين، أو غير المعتنين بضبطه وتصحيحه.

7- نسبة الخطأ إلى المصنف إذا كانت النسخة بخطه، أو كان صاحب أوهام في النقل، أو كان ينقل من النسخ وإن كانت سقيمة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

[1] عمدة القاري: 3/107.

[2] عمدة القاري: 14/268.

[3] الإطراف بأوهام الأطراف (منشورات الجامعة الإسلامية): ح 548.

[4] الفتح: 9/518.

[5] الفتح: 11/315.

[6] الفتح: 1/495.

[7] عمدة القاري: 4/174.

[8] الفتح: 8/246.

[9] (8/251).

[10] عمدة القاري: 18/174.

[11] زاد المعاد: 1/420.

[12] تعجيل المنفعة: 1/242.

[13] التهذيب: 1/8.

[14] الإطراف: ح213.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply