نحرف القرآن لأجل حوار الأديان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

رساله موجهة إلى الشيخ علي جمعة وعمرو خالد وزغلول النجار

نشرت قناة العربية في موقعها على إنترنت في 7 شوال 1428 ه، خبراً مفاده أن 138 مفكراً إسلامياً وجهوا دعوة إلى جميع الكنائس المسيحية البارزة، للحوار بين الإسلام والمسيحية، وعلى رأس الموقعين على الدعوة فضيلة الشيخ علي جمعة مفتي مصر وعمرو خالد وزغلول النجار ومحمد سليم العوا والشيخ حمزة يوسف هانسن ........

      أخي المسلم لا تهمنا الدعوة، ولا فحواها، ولا تبريراتها التي قدمها هؤلاء لهذه الدعوة، بل الذي يهمنا هو رد الكنيسة الكاثوليكية الذي نشر في صحيفة لاكروا الفرنسية اليومية .

      فقد رفض الكاردينال جان لويس توران تلبية الدعوة، وبنى رده على نقاط ، إليك أهمها بنص كلامه :

1.    من الصعب إجراء حوار ديني حقيقي مع المسلمين لأنهم يعتبرون أن القرآن هو الكلام النصي لله .

2.    لا يقبل المسلمون أن يناقش أحد القرآن بعمق ، لأنهم يقولون إنه كتب بإملاء من الله .

3.    مع هذا التفسير ( التوجه ) الجامد يكون من الصعب مناقشة فحوى الدين .

4.    المسلمون يستطيعون بناء المساجد في أوربا ، بينما تفرض الكثير من الدول الإسلامية قيوداً على بنائها ، أو تحظر بناءها .

5.    وصف دعوة المفكرين بأنها نموذج بليغ لحوار الروحانيات ، يبين حُسْنَ النوايا بالاقتباس ليس من القرآن فحسب ، كما يفعل المسلمون عادة ، ولكن من الإنجيل أيضاً .

6.    معظم رجال الدين المسيحي يعتبرون النصوص الدينية من عمل البشر وبوحي من الله ، يمكن الاعتراض عليها ، و إعادة تفسيرها .

    حوار الأديان أو توحيدها ليس بجديد على العالم الإسلامي ، فقد شهد القرن الماضي ، في أربعين سنة الأخيرة مؤتمرات عديدة لتحقيق هذا الغرض ، واشترك فيها علماء الدولة من جل الدول الإسلامية .

      ولا أنسى تلك الرسالة التي قدمها إلَيّ مشرفي على رسالتي في الدكتوراه عام 1403 ه ، وأمرني بقراءتها ، فإذا رئيس إحدى الدول الإسلامية يرشحه ليكون مندوباً لتلك الدولة ، في إحدى هذه المؤتمرات .

      وطالبني بإبداء الرأي ، فاعتذرت بلطف ، ثم قال جملة لو كتبت بماء الذهب لكان الذهب أرخص، ( كيف أشترك في مؤتمر يشكك في صحة هذا الدين وأصالة أحكامه الإلهية ، العقيدية والعملية .....)

    من المعلوم من الدين بالضرورة عند كل طالب علم مسلم ، أن دين محمد صلى الله عليه وسلم ناسخ لجميع الأديان، وأن رسالته عامة للبشر أجمعين، وإن رسالته خاتمة الرسالات، فلا رسالة بعد رسالته، فيجب على كل إنسان على وجه الأرض الإيمان بهذه الرسالة الخاتِمة  .

     وأن ما كان صالحاً من أحكام الديانات السابقة كاليهودية والنصرانية فقد أقرها الإسلام، وإن إتباع تلك الأحكام الآن لا يستند إلى التوراة أو الإنجيل، بل يستند إلى إقرار الإسلام إياها، فلا يتم إيمان المسلم إلا بالإقرار بهذه البديهية الشرعية .

     فلا مزج بين الإسلام والنصرانية، ولا بين الإسلام واليهودية، ولا بين الإسلام وغيرها من الديانات غير الإلهية، ولا يجيز الإسلام الاشتراك في مثل هذه المؤتمرات إلا لدعوة القوم إلى الإسلام  .

     فحين ننظر إلى مطالب الكاردينال الستة في ضوء مصادر الإسلام نجدها كما يلي :

أولاً: {كون القرآن كلاماً نصياً لله عزوجل} من المسلمات الشرعية، عبر 14 قرنا من الزمان، وإن القرآن كلام الله لفظاً ومعنى، لذا تُجمع الأمة الإسلامية أن الموجود بين الدفتين هو كلام الله بعينه، الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم لم يعتريه تغيير أو تبديل، أو زيادة أو نقصان، وأن يد العبث لم تصل إليه لأن الله تكفل بحفظه، ولم يتكفل بحفظ الكتب السابقة، قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر آية 9 .

    ولعل الحكمة في ذلك أن هذا الدين هو الدين الأخير الذي سيستمر لهداية البشر إلى يوم القيامة، فالبشر مهما ضلوا يستطيعون العودة إلى الدين الصحيح، لأن كتابه مَصُون من التحريف والتبديل، أما سائر الكتب فقد مستها يد التحريف.

    فأقل ما يقال عنها أن التوراة توراتان، إحداهما تطبع في مقدمة الأناجيل، والأخرى هي التوراة السامرية الموجودة في أيدي العالم أيضا، فأيهما من عند الله؟، علماً أنهما ليستا نسختين مكررتين، بل إنهما تختلفان في البداية والنهاية، وفي ذكر الأحداث .......

    وإذا نظرت إلى الأناجيل فهي أربعة معتمدة لدى الكنيسة الكاثوليكية، وخامسة لا تعترف بها الكنيسة، فأي واحد منها من عند الله، ولا يظنن ظانٌ أنها نسخ مكررة، بل إنها تختلف في بداياتها ونهاياتها، وفي محتوياتها، فإطلاق مصطلح {وحي الله}لا يَصْدُق والحال كما ذكرت .

ثانياً: (كون المسلمين لا يقبلون أن يناقش أحد القرآن بعمق) ما دام القرآن صحيح النسبة إلى الله، متواتر التلقي من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم، تُجْمِع الأمة الإسلامية بجميع فرقها أن الموجود هو القرآن ذاته الذي نزل به جبريل على خاتم الرسل، فكان مقتضى الإيمان هو الاستسلام لكل ما جاء به القرآن .

     فماذا يريد الكاردينال من المسلمين من {مناقشة القرآن بعمق} هل يريد نقض أحكامه؟ أو تغيير لفظه؟ أو تقديم تفسير يتلاءم مع متطلبات النصرانية؟ إن ذلك غير ملبى، ولن يلبيَ له أحد من المسلمين إلا مثل الإسماعيلية ومن على شاكلتهم .

ثالثاً : (التوجه الجامد مانع لمناقشة فحوى الدين الإسلامي) حين يعتقد المسلم أن هذا الدين كامل، يلبي كل متطلبات الحياة، وأن عليه أن يرتضي أحكامه، وأن يعمل بموجبها، فماذا سيغير في فحوى الدين ومحتوياته .

    نعم إن الكنيسة تريد من المسلمين فصل الدين عن الدولة، وفصل أعمال الحياة اليومية من الدين، وحصره في شعائر التعبد، كالصلاة والصوم والحج....، وبمعنى آخر يريد القوم أن يكون المسلمون علمانيين، فصلوا دنياهم عن آخرتهم ، مطبقين للقولة المنسوبة إلى عيسى ابن مريم عليه السلام أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

     ويترتب على ذلك إباحة الربا، إباحة الزنا، إباحة الارتداد، إباحة زواج المسلمة بغير المسلم، ترك الصلاة، ترك دفع الزكاة، ترك الصوم والحج، الإيمان بالمُشَاهَدِ الملموس، وعدم الإيمان بالغيبيات كالملائكة والجن وعذاب القبر، ووجود يوم القيامة، وكلما يدعو إليه اللبراليون من النظريات غير الإسلامية .

رابعاً: ( كون المسلمين يستطيعون بناء المساجد في أوربا بينما النصارى لا يستطيعون بناء الكنائس في الدول الإسلامية أو مقيدون) لا يوجد في العالم الإسلامي إلا دولتان تمنعان بناء الكنائس، هما: المملكة العربية السعودية حفظ الله عليها أمنها واستقرارها، وجمهورية إيران الإسلامية، أما ما سواهما من الدول الإسلامية ففيها الكنائس، بل عدد الكنائس في كل من إندونيسيا وبنغلاديش ونيجيريا يفوق عدد المساجد، أو يساويها على أقل تقدير .

    بينما عدد المساجد في كل دولة أوربية لا يتجاوز عدد أصابع اليدين في أفضل الأحوال، بل يوجد في القارة الأوربية دول تمنع بناء المساجد، أو تضع قيوداً يستحيل بناؤها مع وجود تلك القيود، كالسماح ببناء عمارة في أرض الدولة يختص دورها الأرضي بالمسجد، بينما دورها الثاني يختص بمدرسة لتعليم الغناء والرقص، ويختص دورها الثالث بِخَمَّارَةٍ عامة، ويختص دورها الرابع بماخور للدعارة .

    هل يعد ذلك سماحاً ببناء المساجد ؟

خامساً: (إيجاد دين جديد يقتبس أحكامه من القرآن والإنجيل) دعوة صريحة للتخلي عن الهوية الإسلامية ، وعن الأحكام التي تصطدم مع متطلبات الحضارة الغربية، وتبني منهج يتفق مع كل ما تتبناه الكنيسة .

     وتتبنى الكنيسة اليوم إباحة الزواج المثلي، لواطاً وسحاقاً، ووهب الفتاة نفسها بعد بلوغها لمن تشاء، .......، لا مانع من ممارسة الربا ، ومثيلاته من البيوع المحرمة .

    كل ذلك يجب اقتباسه من الإنجيل بعد إعادة التفسير لنصوصه والاعتراض عليها على حد قول توران، وماذا عسى أن يأخذ النصارى من القرآن؟ .

      هذا وقد جاءت الإجابة على كل ما يطلبه الكاردينال وأمثاله بنص إلهي كأنه نزل الآن للإجابة عن موضوع الاقتباس {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}سورة البقرة آية 120

   سادساً: (معظم رجال الدين المسيحي يعتبرون النصوص الدينية مركبة من عمل البشر وبإيحاء من الله ، ولهم حق الاعتراض عليها وإعادة تفسيرها) صدق الكاردينال توران في ذكر هذه الحقيقة ، لذا تعددت الأناجيل لإباحة الاعتراض وإعادة التفسير على حد قول الكنيسة المسيحية بمختلف مشاربها .

     بينما واقع الأناجيل يشهد بغير الاعتراض وإعادة التفسير، بل يشهد بأن رجال الدين الكنسي حرفوا وغيروا في النصوص الإنجيلية، وكان هذا التغيير هو السبب في تعدد الأناجيل، وقد نص القرآن الكريم على هذه الحقيقة، حقيقة التحريف والتبديل في التوراة والإنجيل لأنهما كتاب واحد تحت مسمى الكتاب المقدس  قال تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} سورة البقرة آية 79

     ولو قارنت بين ما طُبِع من نسخ الإنجيل قبل 150 عاما وما يطبع الآن تجد التغيير والتبديل، كان يكتب قديماً على غلاف كل طبعة جديدة للأناجيل جملة {مزيدة ومنقحة} وقد تنبه رجال الدين الكنسي لهذه الجملة المشعرة بالتحريف في واجهة الكتاب فمنعوا كتابتها منذ أربعين عاما تقريباً .

      فما يصدق على التوراتين وتوابعهما والأناجيل الأربعة وتوابعها لا يصدق قط على القرآن الكريم، فاتقوا الله يا دعاة توحيد الأديان، سيكون المسلمون جميعاً خصومكم يوم القيامة، فإياكم وخصومة ذلك اليوم وعزائي فيكم قول الشاعر :  إذا لم يهدك الذكر الحكيم فأهده *** إلى القس واستبدل به الإنجيلَ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

كتبه:

د/ خادم حسين إلهي بخش

المشرف على موقع صوت الحق

 

الأستاذ المشارك بجامعة الطائف

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply