ابن تيمية وبعض الأشعرية المعاصرين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

1- هذه سلسلة تغريدات تقصيرة عن موضوع: (ابن تيمية وبعض الأشعريَّة المعاصرين).

2- شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمة الله من أعظم الكُتَّاب الذين استوعبوا الخارطة الجغرافية والمعرفية للفرق والمذاهب، وتميز رحمه الله بدقة تحليلة وعمق نظرته، وسداد رأيه، وفوق ذلك إنصافه وعدله مع المخالفين. ولا ندعي عصمة له، أو أنه لا يخطئ أبدًا  أو لا يهم مطلقًا في نسبة وتصوير الآراء.

3- ومن أكثر الطوائف التي تناولتها كتابات ابن تيمية، المتعددة والمنوعة، =الأشعريَّة، حيث تناولهم شيخ الإسلام في معظم كتبه بالنقد والتحليل والشرح، وعرض للكثير من عقائدهم وآرائهم بالنقد والتمحيص، ورسم مراحل تطورهم وتعليل ذلك.

4- ومن العقائد التي كتب عنها ابن تيمية حين تناوله لآراء الأشعرية، عقيدة الكسب، المتعلقة بأفعال العباد وعلاقتها بأفعال الله، وهو اسمٌ وقف ابن تيمية رحمها الله -كعادته- عند معناها وما هو المحصل من ورائه، وهل هو يختلف عن الجبر في حقيقته وواقع أمره؟

5- قال ابن تيمية: "الأشعرية وبعض المثبتين للقدر وافقوا الجهم بن صفوان في أصل قوله في الجبر، وإن نازعوه في بعض ذلك نزاعًا لفظيًا أتوا بما لا يُعقل".

6- وقال رحمه الله: "الأشعرية الأغلب عليهم أنهم جبرية في باب القدر".

7- ويقول رحمه الله: "أما الأشعرية فهم أقرب الطوائف إليه [أي جهم] في الإيمان وفي القدر أيضًا، فإنه رأس الجبرية يقول: (ليس للعبد فعل التبة)، والأشعري يوافقه على أنَّ العبد ليس بفاعلٍ ولا له قدرة مؤثرة في الفعل".

8- ورأي ابن تيمية هذا جعل بعض الأشاعرة المعاصرون -رحمهم الله- يهاجمون ابن تيمية ويتهمونه بالكذب والعداوة الضارية لمذهب الحق =مذهب الأشاعرة، وأنه قد أعماه حقده عليهم، فاتهمهم بالجبرية والجهمية.

9- وأحد هؤلاء الأشعريَّة وهو باحثٌ معجب -في غير هذا الموضع- بابن تيميَّة، خصوصًا في آراء ابن تيمية النقدية للمنطق اليوناني، وهو الدكتور علي سامي النشار -رحمه الله-، إذ إنَّه في كتابه (مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي)، كان من أكبر المعجبين به!

10- لكنه في كتابه الآخر، وهو (نشأة الفكر الفلسفي)، هاجم ابن تيمية وانتقده بسبب آراء ابن تيمية النقدية التي وجهها إلى الأشعرية، ومن ذلك ما وجهه ابن تيمية للأشعري وأتباعه في موضوع الكسب وعلاقته بالجبر. وقد أثارت هذه الآراء الدكتور علي سامي النشار بسبب خلفيته الأشعرية.

11- يقول الدكتور علي سامي النشار، رحمه الله: "حاول ابن تيمية أن يثبت ما وسعه الجهد أن الأشاعرة قد تابعوا جهمًا في الجبر.. وهنا يتنكب ابن تيمية الحق حين ينسب المذهب الكسبي الأشعري للجهم، وثمة خلاف كبير بين المذهب الكسبي وبين الجبر الخالص، لم يدرك ابن تيمية حقيقة المذهب الكسبي".

12- والحقيقة إنَّ نقد ابن تيمية لعقيدة الكسب الأشعريَّة ليس فيه تجنيًا عليهم، بل هو حقيقة الأمر الذي تشهد به الأشعرية نفسها وغيرهم، قديمًا وحديثًا، فالعبرة ليست بالأسماء والعناوين، وإنما المعاني والحقائق التي تتضمنها.

13- يقول الدسوقي: "هذه القدرة الحادثة لا أثر لها أصلًا في فعل من الأفعال، كذلك لا أثر للنار في شئ من الاحراق أو الطبخ أو التسخين أو غير ذلك، لا بطبعها ولا بقوة وضعت فيها، بل الله تعالى أجرى العادة".

14- ويقول أيضًا: "وتسمية الاقتران كسبًا مجازٌ بحسب الأصل".

15- وحاول العلامة سعد الدين التفتازاني تقريب الصورة لها بمثال يبعدها عن الجبر المحض، حيث قال: "إن الإنسان مضطر في صورة مختار، كالقلم في يد الكاتب، والوتد في شق الحائط، وفي كلام العقلاء: قال الحائط للوتد لم تشقني؟ فقال: سل من يدقني)!

16- وحاول صاحب الروضة أن يبيّن مذهب الإمام الأشعري وأتباعه، وقد استفرغ جهده في ذلك، وآخر ما انتهى إليه هو قوله: "قدرته –أي العبد– مكتسبة بالعجز، واختياره مشوب بالاضطرار، وهذا غاية ما يمكن في تقرير مذهب الشيخ".

17- وإنما الذي حمل إمام الحرمين الجويني على مفارقة مذهب شيخه وأصحابه هو: "الاحتراز عن ركاكة الجبر"، كما ذكر ذلك الشهرستاني.

18- وقال العلامة المقبلي: "ولذا جزموا أن مذهبه [أي الإمام الأشعري] الجبر المحض، كما صرح به غير واحد كإمام الحرمين والرازي".

19- كان كثير من أئمة الأشعرية -كالشهرستاني- يُسمون مذهب شيخهم الأشعري وأتباعه بت: الجبريَّة المتوسطة!

20- بل الإمام فخر الدين الرازي كثيرًا ما يُطلق عليه اسم الجبر. قال: "ثبت بهذا أن أفعال العباد بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الإنسان مضطر في اختياره، وأنه ليس في الوجود إلا الجبر".

21- وكثيرًا ما يردد فخر الدين الرازي القول بأنَّ الجبر لازم، ويسرد الأدلة على ذلك، ثم ينتهي إلى النتيجة الحتمية؛ حيث يقول: "فثبت: إما القول بالجبر، وإما القول بنفي الصانع"..

22- بل إنَّ الدكتور علي سامي النشار نفسه يقول: "الجهم جبري لا شك في ذلك، ويقرر أنّ الله هو الفاعل على الحقيقة، ولكنه يرى أنَّ في هذا الجبر بعض الاختيار، إنه يقترب إلى حدٍ ما من المذهب الكسبي، العقيدة الناجية عقيدة الأشاعرة".

23- ولذلك يذهب بعض المعاصرين من الأشعرية، وهو الدكتور حسن الشافعي وفقه الله- إلى أنَّ "من الخير في هذه المسألة أن يلجأ المرء إلى الموقف السلفي؛ الذي يقوم على ألا خالق إلا الله تعالى، وأن العبد مع هذا فاعل لأفعاله، ولقدرته تأثيرها".

24- انتهى.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply