حول المعالجة الخاطئة للشك


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

هناك مضمرات سلوكية إذا صُرِّح بها وانتقلت من الإقرار العملي إلى الإقرار الشفهي أو الكتابي صارت خالية من المعنى وغير مفهومة في اللغة اليومية، مثلا؛ يصرح أحدهم في محفل عام (أنا إنساني)، هل كان القائل قبل تصريحه حيوانا؟!

أو يقول أحدهم (أنا موجود)!

هذا اللغو يمثل معضلة أساسية في تقاليد نظريات المعرفة والفلسفات عموما؛ فهي تنقل "الإجماع العملي" الذي يظهر في سلوكيات الناس إلى "إجماع نظري" ثم تجعل النظر أصلا للعمل وتؤطره به، ومنشأ ذلك أنهم يفصلون فصلا حادا بين المعنى والمعرفة.

قد يعترض أحد "الأذكياء" بالتالي:

إذا كان شخص ما يعرف (أ) ويعرف أن (أ) تضمر (ب) إذن هذا الشخص يعرف أيضا (ب)؛ إذن يمكنه التصريح به دائما.

يمكن أن نصطلح على تسمية هذا الاعتراض بـ (اعتراض الإلزام النظري)

الآن حتى نفهم؛ ما المعضلة؟

المعضلة: هي أن نظرية المعرفة تنقل الإجماع العملي إلى إجماع نظري؛ فما الإشكال؟

الإشكال: بما أنها إلتزمت التنظير لما أصله عمل مجمع عليه فعليها إذن إلتزامه دوما وإلا ما فائدة التنظير؟!

وأول الإشكالات هو: متى تتوقف سلسلة الإلزام النظري؟

وطبعا الإجابة المعروفة= إلى أن نصل إلى البدهيات العقلية

طيب، لو جاء مشككٌ وقال: أريد أن أطرد مع (اعتراض الإلزام النظري) وأشكك في البدهيات أيضا؛ فإن الإجابة المعروفة أيضا لنظريات المعرفة أن ذلك يجعلنا ندخل في السفسطة وانعدام المعايير

فسيجيب المشكك: يحق لي في التنظير ما يحق لكم، بل أنا مطرد مع التنظير بخلافكم!

وليس لدى منظري المعرفة سوى إرجاعه إلى الإجماع العملي الذي يضبط به سلوكه فيستدلون به على امتناع إلتزام (اعتراض الإلزام النظري)!

وحينها سينقطع شك المشكك دون انقطاع تنظيره؛ لأن نظرية المعرفة تجعل المعنى نظريا وليس عمليا.

هذه الطريقة تقع في كوارث؛ وهي:

(1) أنها لم تلتزم باعتراضها الأصلي، بل تجاهلته حينما واجهة التحدي الشكي.

(2) أنها وقعت في ازدواجية المعايير والمصادرة.

(3) أنها فصلت بين المعنى والعمل؛ وبذلك تقرر كلاما وأسماء وأخبارا ليس لها إحالة خارجية، أليست هذه أحد خصائص الميتافيزيقي؟!

(4) جعلت لتشكيك المشكك معنى، حتى في حال انقطاعه ما زال لتشكيكه معنى مفهوم حسب نظرية المعرفة. (وهذه 'الـ'كارثة).

باختصار:

إذا كان الإجماع العملي والقول باللغو اتجاه التصريح بالمضمرات السلوكية فيه يجعل من اعتراضات المتشكك خالية من المعنى وغير مفهومة فإنه الطريق الأدق والأولى من الاضطراب والازدواجية عند أول المواجهات مع التحدي الشكي، ويكفي المتشكك قوة أن يجعل من شكه معنى في نموذجك النظري!

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply