اقتناء الكلاب والقطط في ضوء الشرع 9


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

بحث في نجاسة الحيوانات

من المقرر شرعاً: أن الأصل في الأشياء والمخلوقات الطهارة، ولا يحكم بنجاسة شيء إلا إذا دل الدليل الشرعي على نجاسته .

والحيوانات أقسام وأجناس مختلفة، وقد اختلف العلماء في حكمها من حيث الطهارة والنجاسة، ويمكن إجمال الكلام فيها فيما يلي: 

1-  كل حيوان مأكول اللحم فهو طاهر، وهذا بإجماع العلماء:

قال ابن حزم: "وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ طَاهِرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ}، فَكُلُّ حَلاَلٍ هُوَ طَيِّبٌ، وَالطَّيِّبُ لاَ يَكُونُ نَجِسًا، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ"

وقال ابن المنذر: "أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ: أَنَّ سُؤْرَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ، يَجُوزُ شُرْبُهُ، وَالتَّطَهُّرُ بِهِ".. والسؤر: هو بقية الشراب.

2-  كل حيوان ليست له نَفْس سائلة: فهو طاهر، ومنه: الذباب، والجراد، والنمل، والنحل، والعقرب، والصراصير، والخنافس، والعناكب.. والنفس هنا بمعنى: «الدم»، وكل هذه الحشرات ليس لها دم يسيل .

ويدل على طهارتها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً، وَفِي الْآخَرِ دَاءً).[البخاري].. فلو كان نجساً؛ لما أمر بغمسه في الإناء .

قال ابن القيم: "فَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرُ الدّلَالَةِ جِدّا عَلَى أَنّ الذّبَابَ إذَا مَاتَ فِي مَاءٍ أَوْ مَائِعٍ فَإِنّهُ لَا يُنَجّسُهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي السّلَفِ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ: أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَقْلِهِ، وَهُوَ غَمْسُهُ فِي الطّعَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنّهُ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا سِيّمَا إذَا كَانَ الطّعَامُ حَارّا، فَلَوْ كَانَ يُنَجّسُهُ لَكَانَ أَمْرًا بِإِفْسَادِ الطّعَامِ وَهُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا أَمَرَ بِإِصْلَاحِهِ. ثُمّ عُدّيَ هَذَا الْحُكْمُ إلَى كُلّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، كَالنّحْلَةِ، وَالزّنْبُورِ، وَالْعَنْكَبُوتِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ" [زاد المعاد]

3-  الحيوانات التي تخالط الناس، ويشق تحرزهم عنها: طاهرة، ولو كانت غير مأكولة اللحم أو من السباع. ومن ذلك: الهرة، والحمار، والبغل، والفأر، ونحوها من سواكن البيوت.. ويدل على ذلك: حديث كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ: "أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ .قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا بِنْتَ أَخِي؟ .فَقُلْتُ: نَعَمْ .قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وْالطَّوَّافَاتِ)"[رواه أصحاب السنن الأربعة، وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني] ومعنى الطوافين علينا: "الذين يداخلوننا ويخالطوننا والطوافون: هم بنو آدم، يدخل بعضهم على بعض بالتَكرار، والطوافات: هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس، مثل: الغنم، والبقر، والإبل، وجعل النبي عليه السلام الهر من القبيلين، لكثرة طوافه واختلاطه بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفعيل؛ لأنه للتكثير والمبالغة".

" وأشَارَ إِلَى أَنَّ عِلَّة الْحُكْم بِعَدَمِ نَجَاسَة الْهِرَّة هِيَ الضِّرْوَة النَّاشِئَة مِنْ كَثْرَة دَوَرَانهَا فِي الْبُيُوت، وَدُخُولهَا فِيهِ، بِحَيْثُ يَصْعُب صَوْن الْأَوَانِي عَنْهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَطُوف عَلَيْكُمْ فِي مَنَازِلكُمْ وَمَسَاكِنكُمْ فَتَمْسَحُونَهَا بِأَبْدَانِكُمْ وَثِيَابكُمْ، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَة لَأَمَرْتُكُمْ بِالْمُجَانَبَةِ عَنْهَا"[عون المعبود]

قال ابن القيم: "والذي جاءت به الشريعة من ذلك في غاية الحكمة والمصلحة، فإنها لو جاءت بنجاستهما لكان فيه أعظم حرج ومشقة على الأمة؛ لكثرة طوفانهما على الناس ليلاً ونهاراً، وعلى فرشهم وثيابهم وأطعمتهم"[إعلام الموقعين]

والقول بطهارة الهر: "هو قول فقهاء الأمصار من أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل الشام، وسائر أهل الحجاز والعراق، وأصحاب الحديث" فإذا شربت القطة من إناء أو أكلت من طعام فإنه لا ينجس .

ويقاس على الهرة غيرها ممن هو مثل حالها من سواكن البيوت .

فكلُّ ما يكثر التطواف على الناس؛ مما يشقُّ التَّحرُّز منه، فحكمه كالهرَّة، لكن يُستثنى من ذلك ما استثناه الشَّارع، وهو الكلب، فهو كثير الطَّواف على النَّاس، ومع ذلك فهو نجس.

قال الشيخ ابن عثيمين: "ظاهر الحديث: أن طهارتها لمشَقَّة التَّحرُّز منها؛ لكونها من الطوَّافين علينا؛ فيكثر تردُّدها علينا، فلو كانت نجسة؛ لَشقَّ ذلك على النَّاس. وعلى هذا يكون مناطُ الحُكْمِ: التَّطْوَافُ الذي تحصُل به المشقَّة بالتَّحرُّز منها، فكل ما شقَّ التَّحرُّز منه فهو طاهر. فعلى هذا؛ البغل والحمار طاهران، وهذا هو القول الرَّاجح الذي اختاره كثير من العلماء"[الشرح الممتع].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply