اقتناء الكلاب والقطط في ضوء الشرع 10


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

الصحيح من أقوال أهل العلم إلحاق الحمار والبغل بالهرة في طهارة سؤرهما وعرقهما، وهو مذهب المالكية والشافعية، للعلة المذكورة، ولحاجة الناس إليهما في الركوب والحمل .
قال ابن قدامة: "وَالصَّحِيحُ عِنْدِي: طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْكَبُهَا، وَتُرْكَبُ فِي زَمَنِهِ، وَفِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُمَا لِمُقْتَنِيهِمَا، فَأَشْبَهَا السِّنَّوْرَ [الهرة]" [المغني لابن قدامة]

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " والصحيح الذي لا ريب فيه: أن البغل والحمار طاهران في الحياة كالهر، فيكون ريقهما وعرقهما طاهراً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبهما كثيراً، ويركبان في زمنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة: (إنها من الطوافين عليكم)، فعلل بكثرة طوفانِها ومشقة التحرز منها، ومن المعلوم أن المشقة في الحمار والبغل أشد من ذلك" انتهى من "المختارات الجلية"

1-     الكلب والخنزير: نجسان .

ويدل على نجاسة الخنزير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} والقول بنجاسته هو قول جماهير أهل العلم من السلف والخلف .

قال ابن حزم: "وَاتَّفَقُوا أَن لحم الْخِنْزِير وشحمه وودكه وغضروفه ومخه وعصبه: حرَام كُله، وكل ذَلِك نجس".

وقال النووي: "نقل ابن المنذر إجماعَ العلماء على نجاسة الخنزير، وهو أولى ما يُحتج به لو ثبت الإجماع، ولكن مذهب مالك طهارة الخنزير مادام حياً"

وأما نجاسة الكلب فيدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ: أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ)[مسلم]

قال الخطابي:" في هذا الحديث من الفقه أن الكلب نجس الذات، ولولا نجاسته لم يكن لأمره بتطهير الإناء من ولوغه معنى، والطهور يقع في الأصل إما لرفع حدث أو لإزالة نجس، والإناء لا يلحقه حكم الحدث، فعُلم أنه قصد به إزالة النجس .

وإذا ثبت أن لسانه الذي يتناول به الماء نجس يجب تطهير الإناء منه، عُلم أن سائر أجزائة وأبعاضه في النجاسة بمثابة لسانه، فبأي جزء من أجزاء بدنه ماسه وجب تطهيره" [معالم السنن]

وذهب بعض العلماء إلى أن الحديث يدل على نجاسة لعابه وريقه وفمه فقط، وأما بقية بدنه فيبقى على الأصل وهو الطهارة، وهو مذهب الحنفية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.

وقد صرح ابن دقيق العيد رحمه الله بأن الحكم على جميع بدن الكلب بالنجاسة أنه اجتهاد من العلماء وليس نصًّا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فتبين بهذا أن الحديث إنما دل على النجاسة فيما يتعلق بالفم، وأن نجاسة بقية البدن بطريق الاستنباط" [إحكام الأحكام]

والقول بنجاسة الكلب كله هو مذهب الشافعية والحنابلة .

قال ابن قدامة: "الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ: نَجِسَانِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِمَا وَفَضَلَاتِهِمَا، وَمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُمَا"

وهو اختيار اللجنة الدائمة للإفتاء، فقد جاء في «فتاوى اللجنة»: "الكلب كله نجس، لعابه وغيره" .

2-  ما تبقى من الحيوانات مما لا يدخل في الأقسام السابقة، سواء كان من السباع، كالأسد والنمر والفهد، والذئب... أو جوارح الطير، كالصقر والنسر، والعقاب، ونحوها.. أو غير مأكول اللحم من غير السباع كالفيل والقرد... فهذه محل خلاف بين العلماء .

فمذهب المالكية طهارة جميع الحيوانات في حال الحياة، ولا يستثنى من ذلك شيء .

ومذهب الحنفية طهارة جميع الحيوانات إلا الخنزير .

ومذهب الشافعية طهارة جميع الحيوانات إلا الكلب والخنزير .

ومذهب الحنابلة نجاسة الكلب والخنزير وسباع البهائم والطير، وطهارة ما سواها .
وقد ورد في الدلالة على نجاستها وطهارتها عدة أحاديث، ولكنها إما ضعيفة، أو لا يصح الاستدلال بها.

وأقوى ما يُستدل به على الطهارة: التمسك بالأصل، والقياس على الهرة .

قال ابن عبد البر: "وَلَمَّا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ فِي الْهِرِّ وَهُوَ سَبُعٌ يَفْتَرِسُ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَيٍّ لَا نَجَاسَةَ فِيهِ" [التمهيد]

وأقوى ما يُستدل به على نجاستها:

§    أن النبي صلى الله عليه وسلم حَكَم بطهارة الهرة وهي من السباع، وعلل ذلك بأنها من الطوافين علينا والطوافات. فيفهم من ذلك أن غيرها من السباع غير الطوافة: نجس، وإلا لكانت الهرة وغيرها من السباع سواء في الحكم، وكان هذا التعليل لا معنى له

§    حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ، فَقَالَ: (إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ. فلولا أن شرب السباع منه ينجسه، لم يكن لمسألتهم عنه، ولا لجوابه إياهم بهذا الكلام معنى.

قال ابن التركماني: "وظاهر هذا يدل على نجاسة سؤر السباع، إذ لولا ذلك لم يكن لهذا الشرط فائدة، ولكان التقييد به ضائعا" [الجوهر النقي]

وقال النووي: "وقد يستدل بهذا الحديث من يقول بنجاسة سؤر السِّباع، لقوله: (وما ينوبه من السباع)، ولا دلالة فيه؛ لأن السِّباع إذا ورَدَت مياه الغُدْرَان خاضَتْها وبالت فيها في العادة، مع أن قوائمها ونحوها لا تخلو من النجاسة غالبًا، فكان سؤالهم عن ذلك، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة: أن الماء إذا بَلَغَ قلتين لا ينجس بوقوع النجاسة، ومياه الفلوات، والغُدران لا تنقص عن قلتين غالبًا" [الإيجاز في شرح سنن أبي داود ]

كذا قال عبيد الله المباركفوري: "وحديث القلتين لا يدل على نجاسة سؤر السباع، كما ظن هؤلاء، فإن منشأ السؤال أن المعتاد من السباع إذا وردت المياه أن تخوض فيها وتبول، وربما لا تخلو أعضاؤها من لوث أبوالها ورجعيها" [مرعاة المفاتيح]

وقد اختار القول بالطهارة: علماء اللجنة الدائمة للإفتاء فقالوا: "الراجح طهارة .. سباع البهائم كالذئب والنمر والأسد، وجوارح الطير كالصقر والحدأة ... وهو الموافق للأدلة الشرعية"

وكذلك رجحه الشيخ ابن عثيمين، فقال: "الصحيح أنها طاهرة؛ لأننا لو قلنا بأنها نجسة لأدى ذلك إلى مشقة على الناس، فإنه يوجد من الغدران في البر ماهو دون القلتين، ولا شك أن السباع والطيور ترد هذا الماء، فإذا قلنا بأنه نجس صار بهذا مشقة على الناس، والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يظهر لنا أنه يمر بهذه المياه ويتوضأ منها"

والحاصل من كل ما سبق: 

أن جميع الحيوانات في حال حياتها طاهرة، سواء كانت مأكولة اللحم أم من السباع أو الحشرات أو غيرها، ولا يستثنى من ذلك إلا الكلب والخنزير فإنهما نجسان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply