في رحاب عالم بني قريظة!


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

عامة المشتغلين بأمر الشبهات يعلمون ما يثار في أمر بني قريظة، غير أن الذي لا يعلمه كثيرون أن أحد الناجين من بني قريظة ممن لم ينبتوا كان اسمه كعب وكعب هذا أسلم وأنجب ابناً اسمه محمد

محمد بن كعب القرظي هذا أحد كبار علماء التفسير في زمن التابعين ومن ثقات الحديث المحتج بهم في عامة المصنفات الحديثية ومن اللطائف أن عامة الأخبار التي يستشكلها المتأخرون ويقولون عنها إسرائيليات ما روى محمد بن كعب منها شيئاً (علماً أن الإشكالات محلولة ولتراجع صوتية هل كان أئمة السلف دراويش؟)

ذكره محمد بن سعد فى الطبقة الثالثة من أهل المدينة، و قال: كان ثقة، عالما كثير الحديث، ورعا وقال العجلى: مدنى، تابعى، ثقة، رجل صالح، عالم بالقرآن

ومن اللطائف أنه تتلمذ على شيخي صفين فسمع من علي ومعاوية معاً

قال أبو داود: سمع من على، و معاوية، و عبد الله بن مسعود

وقال يعقوب بن شيبة السدوسى: يعد فى الطبقة الثالثة ممن روى عن أبى هريرة، و أبى سعيد، و ابن عمر، و ابن عباس، و ولد فى آخر خلافة على بن أبى طالب فى سنة أربعين، و لم يسمع من العباس، توفى العباس فى خلافة عثمان.

وكان موته وهو يفسر القرآن لأصحابه

وقال يعقوب بن سفيان الفارسى عن محمد بن فضيل البزاز: كان لمحمد بن كعب جلساء كانوا من أعلم الناس بتفسير القرآن، و كانوا مجتمعين فى مسجد الربذة، فأصابتهم زلزلة، فسقط عليهم المسجد، فماتوا جميعا تحته

وقد كان جليساً لعمر بن عبد العزيز يسمع منه ويستشيره ومن العجائب أن محمد بن كعب القرظي كان شديد الحماس للقول بأن إسماعيل هو الذبيح وليس إسحاق (وهذه مسألة خلافية عظيمة بين السلف وقد اختار الطبري أنه إسحاق وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين على خلاف شديد بينهم وابن عباس عنه روايتان في المسألة)

قال الطبري في تفسيره حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن دينار وعمرو بن عبيد، عن الحسن البصري أنه كان لا يشك في ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم: إسماعيل.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول ذلك كثيرا.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي، أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة، إذ كان معه بالشام فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه، وإني لأراه كما هو; ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا، فأسلم فحسن إسلامه، وكان يرى أنه من علماء يهود، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك، فقال محمد بن كعب: وأنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل والله يا أمير المؤمنين، وإن يهود لتعلم بذلك، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق، لأن إسحاق أبوهم، فالله أعلم أيهما كان، كل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لربه.

ومحمد بن كعب أول من أصل قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

قال الطبري في تفسيره 3964 -حدثني محمد بن أبي معشر، قال: أخبرني أبى أبو معشر نجيح، قال: سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب، فقال سعيد: إن في بعض الكتب أن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال الله تبارك وتعالى: أعلي يجترءون، وبي يغترون!! وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران!! فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله جل ثناؤه. فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله عز وجل: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية! فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل، ثم تكون عامة بعد.

وتأمل حال هذا الرجل يعلم عظمة ما رآه من جيل الصحابة فمع ما حصل لبني قريظة من المسلمين ما منعه ذلك من الإسلام وأن يصير مبرزاً في العلم والعبادة في المسلمين وهذا معناه أنه يعرف ما صنع قومه ، غير أنه حتى مع معرفتك أن قومك أجرموا واستحقوا العقوبة يبقى في قلبك شيء ولكنه رأى من البراهين التي جعلته يذعن ويحسن إسلامه ولا يمكن أن يقال في يهودي أنه أسلم قسراً فاليهود يقرون على دينهم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply