الإلحاد... وإنسانيته التي سلبتها السماء!


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

من أبرز مفاصل النقد التي يوجهها الإلحاد في الغرب -منذ القرون الثلاثة الأخيرة- إلى الدين: تقريره أنَّ الدين يعزل الإنسان عن خير ما فيه، أي عن إنسانيته وما تمثله من فضائل، ونسبت ذلك "الخير" إلى السماء، أي إلى الله متمثلاً في الدين.

فالإلحاد المتأخر يرتكز في "تميزه وتفرده" على جوهريته الفريدة التي تنطلق من الإنسانية كقيمة بحد ذاتها، وتتمثل في استقلال الإنسان، رافضة التقليل من شأن الإنسان وفضائله بإخضاعه للإله أو للدين.

فالإلحاد الأخير هو إعلان للإيمان بالإنسان، وكفر بالدين الذي -في نظره- يقلل ويحقر من قيمته.

فهذا الإلحاد في حقيقته -كما ينظر إليه أصحابه- جاء انتصارًا للإنسان وتحريرًا لفكره، لأنَّه أعاد إلى الإنسان قواه وفضائله التي كان الدين يعزوها عبر التاريخ إلى السماء، فالإلحاد "حرر وعي الإنسان" من الخرافة وجعله مركز الوجود وأساسه وهدفه وغايته.

وقد حرص هذا الإلحاد على تعميق وترسيخ هذه المفاهيم التي ترتكز على الإنسان بدل الله، والإنسانية بدل الدين. فالإنسانية هي أعلى قيمة تميز الإنسان، والدين حاول أن يسلب الإنسان فضائله وخلاله وخصاله. ونفخ في هذه المصطلحات لتكون متداولة على ألسن الكافة دون وعي عميق بمدلولاتها.

لكن السؤال الجوهري الموجه إلى هذا الإلحاد -بعد "الإعلاء العظيم" من شأن الإنسان والإنسانية وفضائل وشمائل الإنسان- هو: ما هو الإنسان أصلاً عند هذا الإلحاد المتأخر؟ وما هي حقيقة الإنسانية؟ وما هي فضائل الإنسان وشمائله التي حطمها الدين وحط من قيمتها؟

لأنَّ الإلحاد هذا -بتقريراته الداروينية والفرويدية- لا يرى هذا الإنسان إلا حيوانًا، والإنسانية هذه مجرد حيوانية، والإنسان حينما يموت ليس أكثر من كلبٍ يموت، كما يقرر الإلحاد وصرح به الملحد الغربي الشهير ديفيد ميلز، الذي يعتقد أنه عندما يموت، ستموت ميتة كلب!

 وكما يلخص الملحد الدارويني وليَم بروفاين، وهو عالم ومؤرخ أمريكي للعلوم والبيولوجيا التطورية وعلم  في الجينات، رؤية الداروينية الملحدة للإنسان وفضائله وأخلاقه، حيث يقول:

"لا توجد آلهة، ولا غايات، ولا أهداف قوى موجهة من أي نوع. لا توجد حياة بعد الموت. وعندما أموت فأنا موقن بشكلٍ جازم أنني ذاهب لأموت، وهذي هي نهايتي. ولا وجود لأساسٍ نهائي للأخلاق، ولا وجود لمعنى نهائي للحياة، ولا إرادة حرَّة للبشريَّة".

فأي إنسان أو إنسانية يتحدث عنها الإلحاد؟ وما هو الإنسان الذي قلَّلَ الدين من قيمته ومكانته؟ وما هي الإنسانية التي سلبتها السماء فضائلها وشمائلها؟ ومن الذي بالأحرى منح الإنسان قيمته الحقيقية، وأعلى من شأنه، وكرس داخله الفضائل والقيم النبيلة، ولم يجعله مجرد حيوان؟!

إن مفاهيم الكرامة التي يعزوها الإلحاد إلى الإنسان هي مفاهيم تسربت إليه من الدين ومن الإيمان بالله، وليست هي كرامة نابعة من الإلحاد نفسه ولا من نتاج الطبيعة ولا من نتائج الإيمان بالداروينية، فكل ذلك يحط ويهوي بالإنسان مع الحيوانات. الإلحاد في جوهره مصادرة لقيمة الإنسان والإنسانية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply