فوائد من كتاب صفة حجة النبي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ثمة أحاديث يدل ظاهرها على كفر تارك الحج كحديث: «من ملك زادًا وراحلة، فلم يحج، مات يهوديًا أو نصرانيًا»، إلا أنه لا يصح في ذلك شيءٌ من المرفوع، وكلها ضعيفة معلولة، إنّما صح موقوفًا على عمر قوله: (من أطاق الحجّ فلم يحج، فسواءٌ عليه مات يهوديًا أو نصرانيًا). وهو متأوَّل، فالصحيح: أنّ تارك الحج لا يكفر.

الحج المبرور: هو الذي لا معصية فيه، وجيء به تامّ الأركان والواجبات، وقيل: الذي لا يعقبه معصية، والأول هو الأظهر والأقرب.

استدل من قال بمشروعية تكرار العمرة في السنة الواحدة بحديث: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». ولو كانت العمرة كالحج في السّنة مرة واحدة لسوّى بينهما.

اختلف أهل العلم في السنة التي فُرض فيها الحج، فمنهم من قال: في السنة الخامسة، لورود الحديث في خبر ضِمَام بن ثعلبة، وكان قدومه سنة خمسٍ للهجرة، ومنهم من قال: في السنة السادسة عام الحديبية، وهو قول الجمهور لقوله تعالى: ((وَأَتمّوا الحَجَّ والعُمْرَةَ لِلّهِ)). ومنهم من قال: في السنة الثامنة، ومنهم من قال: شُرِع فرضًا في السنة التاسعة، وهو الصحيح.

المتابعة بين الحج والعمرة سنّة، وكره بعض العلماء ذلك للنساء؛ لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأزواجه في حجة الوداع: «هذه ثمّ ظهور الحُصُر». ففهمت زينب بنت جحش – رضي الله عنه - ، وسودة – رضي الله عنها - ، أنه لا حج بعد ذلك، ولذلك منع عمر – رضي الله عنه - زوجات النبي من الحج، ولكن عائشة – رضي الله عنها - وسائر زوجات النبي - عدا سودة وزينب - فهمن أنه لا وجوب إلا تلك الحجة فقط، وما بعدها سنة، ونزل عمر – رضي الله عنه - على فهم عائشة ورغبتها في نهاية خلافته، وبفهم عائشة – رضي الله عنها - جزم البيهقي.

يجب الحج بمال حلال، ومن حجّ بمال حرام فحجّه صحيح لكنّه غير مبرور عند الجمهور، وعند أحمد وهو المشهور من مذهبه أنه لا يجزئه.

صحّ عن ابن عمر – رضي الله عنه - في (الأموال) لأبي عبيد الترخيص في دفع الزكاة والصدقة للفقير ليحجّ، وكذا ورد عن ابن عباس – رضي الله عنه - لكنّه مضطرب معلول.

الحجّ بنفقة الغير، وتكلُّف المؤونة وارد عن السلف، وكذا من يذهب موظفًا لجهة ما ثمّ يحجّ تبعًا لذلك، جاء ذلك عن ابن عباس – رضي الله عنه - ، والحسن ابن المسيّب، ومجاهد.

كان للعرب طريقة في العدّ بالأصابع، تصل لأعداد كبيرة، منه قول سويد: سألت يحيى بن الحارث عن عدد آي القرآن؟ فعقد بيده: سبعة آلاف ومئتين وستة وعشرين آية). وهي طريقة مهجورة الآن، ومنه قول جابر – رضي الله عنه -: «فقال بيده فعقد تسعًا». أي عقد الخنصر والبنصر والوسطى، ووضع السبابة في أصل الإبهام، ولو وضعها في وسط الإبهام لكان العدد (تسعون)، ولو صنع ذلك في اليد اليسرى لصار العدد (مئة).

حجّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته في الجاهلية، كما جاء في حديث الجبير بن مطعم، حيث رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - واقفًا بعرفة خلافًا لقريش، الذين كانوا يقفون بمزدلفة، أمّا كم مرّة حجّ قبل الهجرة فالله أعلم، جاء في ذلك حديث عن جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - حجّ قبل الهجرة حجّتين لكنّه ضعيف.

الحج من الشرائع السابقة للإسلام على اختلاف في الصّفة، جاء في ذلك عدد من الأحاديث، ولا تخلو من ضعف، كحديث: «ما من نبي إلا وحجّ ».

فُرِض الحج في السنة التاسعة، لكنه - صلى الله عليه وسلم - حجّ في السنة العاشرة، والحكمة من ذلك أنه لا تزال بقايا الجاهلية في الحجّ ظاهرة، ومعالم الشرك واضحة، ولم يُرِد - صلى الله عليه وسلم - الحجّ حتّى لا تختلط الأحكام على النّاس، ، فبعث أبا بكرٍ ليحجّ بالناس في السنة التاسعة، ونادى فيهم: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

يجب الحج بشروط ستة هي: (الإسلام، العقل، البلوغ، والحرية، والاستطاعة، والمحرم للمرأة).

يصحّ حج الصبي نفلًا بالاتفاق، وثمّة قولٌ مهجور بعدم الصحّة، ولا ينبغي الاشتغال به كما ذكر ابن عبدالبر، والصحيح عن أبي حنيفة وأصحابه القول بالصحة، وما نُسِب إليهم فيحتمل أن المراد لا يصح صحّة تتعلّق بها الكفّارات، أمّا الثواب فيقع، وحكى عدم الخلاف الطبري، وعياض، وغيرهما، وثمّة خلاف يسير بين السلف في الرّضيع، والصحيح أنه يصحّ مطلقًا لعموم الخبر.

الصحيح أنه يجزئ الطواف الواحد، والسعي الواحد عن الصّبي وحامله، حتّى وإن قدر على المشي، ولو كان ذلك لا يجزئ؛ لبيّن - صلى الله عليه وسلم - للمرأة التي سألته عن جواز حجّ الصبي، وهو قول أبي حنيفة، وبعض الحنابلة، ورجّحه ابن حزم، وذهب المالكية، والحنابلة، والشافعية، إلى أنه يقع للحامل فقط، قياسًا على من حج بنيةٍ لنفسه ونيّةٍ لغيره، فتقع التي لنفسه فقط.

حجّ الصغير صحيح، لكنّه لا يجزئه عن حجّة الإسلام، فإذا بلغ يجب عليه الحجّ مرّة أخرى، ولذا قال ابن عباس – رضي الله عنه - : (أيّما صبي حج ثم بلغ الحِنْث، فعليه أن يحج حجةً أخرى). وهو موقوف، ولا يصحّ رفعه، وإن جاء عند أبي شيبة في روايته لقول ابن عباس: (احفظوا عنّي، ولا تقولوا قال ابن عباس). وحكى الإجماع على عدم الإجزاء غير واحد، كالترمذي، وابن المنذر، وابن عبدالبر، والقاضي عياض، والطحاوي، والنووي.

يجزئُ حجّ الصبي عن الفريضة إذا بلغ عشيّة عرفة، جاء ذلك عن قتادة، وعطاء، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال مالك بعدم الإجزاء، واشترط أبو حنيفة تجديد الإحرام قبل الوقوف.

يلبّى عن الصبي الذي لا يعرف التلبية، جاء في ذلك حديث ضعيف وهو قول جابر – رضي الله عنه - : «حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء والصبيان، فلبينا ورمينا عنهم». والمراد التلبية والرمي عن الصبيان، لا النساء، وهذا بالإجماع كما حكاه الترمذي.

اتفقوا على أن الصبي يجتنب محظورات الإحرام كغيره، لكنّهم اختلفوا في الفدية، فقال الحنفية بالفدية مطلقًا، وقال الشافعية بها في المميز فقط، وقال الحنابلة بها فيما فيه الإتلاف، لا ما كان بالاستمتاع كالطيب، وهذا مبني على القول بلزوم الفدية في كل محظور، وهذا لا نقول به.

على القول بلزوم الفدية للصبي؛ فإن كان إحرامه بغير إذن وليّه فالفدية من ماله بلا خلاف ، وإن كان بإذن وليّه فحكى ابن المنذر الإجماع أنه من ماله، لكن روي عن مالك أنه من مال الولي، وهو قول بعض فقهاء الشافعية، والحنابلة.

معنى الاستطاعة واضح، ولا يحتاج لبيان كما ذكر ابن المنذر، ولا يصح شيء من المرفوع في ذلك، وحديث أنس المرفوع في تبيين الاستطاعة بأنها: «الزاد والراحلة». مرسل لا يحتج به، وأصح ما في الباب قول ابن عباس: (السبيل: أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن وزاد وراحلة؛ من غير أن يُجحِف به).

أوجب أحمد في رواية، واختاره ابن حزم، وجوب خروج الرجل مع زوجته للحج؛ لحديث: «حج معها». لمّا اكتتب رجل في غزوة، وزوجته حاجّة.

يجوز لمن لا محرم لها أن تخرج في رفقة نساء يقوم عليهنّ أمين صالح، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد في رواية، ويروى عن عطاء، وابن سيرين، وقتادة، والأوزاعي، واختاره ابن تيمية، بل نقل ابن مفلح عن ابن تيمية جواز خروجها لوحدها إن أمِنَت الطريق، وهو قوي، ولكن لا يجوز التوسّع فيه، فقد يفتح باب شر وفتنة.

لا يجوز للولي أن يمنع المرأة من حج الفريضة، وقال الشافعي بجواز ذلك؛ لأن الحج عنده على التراخي، وأمّا حج التطوع فيجوز له بالإجماع، بل نقل ابن المنذر الإجماع على جواز منعها من جميع الأسفار عدا السفر الواجب.

يجوز للمعتدّة أن تخرج للحج على الصحيح، وهو قول ابن عباس، وعائشة، وعطاء، وطاوس، والحسن، وهذا الأصل، ولا دليل من الوحي على منع ذلك، وذهب الجمهور، ومنهم عمر، والأئمة، إلى المنع من ذلك.

يجب على من ابتدأ الإحرام إتمام الحج والعمرة، وقال الجمهور بأن للرجل منع زوجته، وكذا السيد يمنع عبده.

ذهب فقهاء أهل الحديث، وأهل الظاهر، وجماعة من فقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة، إلى أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحج تدل على الوجوب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لتأخذوا عني مناسككم». وهذا غير صحيح، فالمراد خذوا أعمال الحج منّي، لا من غيري ممن حج معي، ولا ممن قبلي، ولا ممن بعدي، فالخطأ منهم محتمل وليس بممنوع، ولو قلنا بوجوب ما جاء في حجة الوداع لقلنا بما لم يقل أحد من العلماء بوجوبه، والصحيح أن أفعاله في الحج تدل على التعبد والمشروعية والسنية، والواجبات تؤخذ بتأكيد مستقل.

قال جابر: (فقدم المدينة بشرٌ كثير). استدل بعض أهل العلم بهذا على وجوب الحج على الفور لا على التراخي، ولذلك خرجت أسماء – رضي الله عنها - وهي حامل، وولدت في الحليفة، ومعلوم أنها تعلم متى ستلد، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والمزني من أصحاب الشافعي، وعطاء، والعمدة في ذلك فعل الصحابة، أما حديث: «تعجلوا بالحج»، ونحوه، فلا يصح من ذلك شيء، وأما استدلال الشافعي بتأخر حجّ النبي عن السنة التاسعة، فالجواب أن ذلك لسبب، وهو زوال مظاهر الشرك.

نصّ أحمد كما في (مسائل الأثرم) أن توقيت المواقيت المكانيّة كان في حجة الوداع، وهي: (ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن المنازل لنجد، ويلملم لليمن).

سميت الجحفة لأن السيل أجحف بها، وأهل الشام يحرمون اليوم من رابغ، وهي حذاء الجحفة، أو قبلها بقليل، وقرن المنازل أو قرن - بدون المنازل - لأهل نجد والكويت، ويلملم لأهل اليمن وما وراءها كالهند والصين.

ميقات أهل المشرق هو (ذات عرق)، ولا يصح في توقيته حديث مرفوع، وقد نصّ على ذلك ابن خزيمة، ويدل عليه صنيع البخاري حيث اكتفى بالموقوف، وقال طاوس: (لم يوقّت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات عرق، ولم يكن أهل المشرق حينئذ، فوقّت الناس ذات عرق)، قال الشافعي: ولا أحسبه إلا كما قال طاوس، والصحيح مما ورد في ذلك ما رواه البخاري عن ابن عمر: أن عمرًا – رضي الله عنه - وقّت لأهل العراق ذات عرق، بعدما شكوا إليه جور قرن المنازل عن طريقهم.

أشهر الحج هي: (شوال، وذو القعدة، وعشر ذو الحجة) لتفسير عبدالله بن عمر – رضي الله عنه - لقوله تعالى: ((الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ))، ثم ذكر ما ذكرناه، ومنهم من قال: بأن ذي الحجة كله من أشهر الحج، وهو رواية عن مالك، والشافعي.

التمتع هو: الإتيان بالعمرة قبل الحج في أشهر الحج كما قال ابن عبدالبر: (لا خلاف أن التمتع المراد في قوله تعالى: ((فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْي))، هو الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج).

من أحرم قبل دخول أشهر الحج، ثم بقي حتى دخول أشهر الحج صح إحرامه عند مالك، وأبي حنيفة، وأحمد، وقال الشافعي بانعقاد إحرامه عمرة، وهو قول عطاء، وطاوس، ومن أتى بعمرة قبل أشهر الحج، ومكث حتى الحج، أو رجع ثمّ حجّ فالإفراد أفضل؛ ليأتي بالعمرة بسفرة، والحج بسفرة، وهو قول الأئمة الأربعة، وقال عمر: (لو اعتمرت، ثم اعتمرت، ثم حججت، لتمتعت). وهو قول ابنه عبدالله كذلك.

يصح إحرام من أحرم قبل الميقات بالاتفاق، ولم يخالف إلا ابن حزم إلّا إن جدد إحرامه عند الميقات، وقد جاء في الإحرام من الدار قبل الميقات عن بعض الصحابة، كما روى ابن عبدالبر أن ابن عمر – رضي الله عنه - أحرم من بيت المقدس، وروى سعيد بن منصور أن أنسًا – رضي الله عنه - أحرم من العقيق، وقال أبو حنيفة إن ذلك أفضل، وهو قولٌ للشافعي.

من كان دون الميقات فيحرم من مكانه للحج والعمرة، أما أهل مكة فالحج من مكة، والعمرة من أدنى الحل، وهو قول عامة الفقهاء، منهم الأئمة الأربعة، وحكى ابن قدامة الإجماع على ذلك، وخالف بعضهم كالصنعاني لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «حتى أهل مكة من مكة». وتبويب البخاري بقوله: (باب مهل أهل مكة للحج والعمرة) يدل على ذلك.

من لم يمرّ على الميقات فيمر من محاذاته، وجدة ميقات على الصحيح؛ لأنّها محاذية، حيث تتسع المحاذاة كلما طالت المسافة، كما في الحجر الأسود، فمحاذات الملاصق له تؤثر فيه الخطوة والخطوتين، بينما البعيد لا تؤثر فيه.

من تجاوز الميقات دون إحرام وهو يريد النسك أَثِم، ولزمه الرجوع، فإن شقّ عليه فلا دم، وهو قول عطاء، وابن حزم.

الغسل مستحب عند الإحرام، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أسماء – رضي الله عنها - أن تغتسل رغم أنها نفساء، ولن تستفيد من الغسل في استباحة عبادة من صلاة وصيام، فغير الحائض والنفساء من باب أولى، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على الاستحباب، وقد جعله مالك آكد من غسل الجمعة، ووصف الشافعي تاركه عمدًا بالإساءة، وقال: يتيمم إن عدم الماء، وفيه نظر فالاغتسال للتنظف لا للعبادة، وأصح ما في الباب حديث ابن عمر – رضي الله عنه - : (إنّ من السنّة أن يغتسل إذا أرادأن يحرم، وإذا أراد يدخل مكة). وأمّا رفعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة فلا يصحّ، وقد أوجب ابن حزم على النفساء الغسل؛ لأمره - صلى الله عليه وسلم - لأسماء، وفيه نظر، وقال عطاء بالوجوب مطلقًا، ووقت الاغتسال قبل الإحرام لا بعده.

يجوز للمحرم غسل رأسه بعد الإحرام، وهو قول عامة الفقهاء، وكره مالك ذلك، ووافقه ابن القاسم، وقد كان ابن وهب وأشهب يتغاطسان في الماء وهما محرمان.

يجوز للحائض والنفساء أن تحرما، ولكن بوضع شيء من القماش ونحوه على القبل؛ حتى يمنع تقاطر الدم، وهو ما يسمّى بـ (الاستثفار)، وتصنع كما يصنع الحاج، غير أنها لا تطوف بالبيت، فإن طهرت قبل الوقوف بعرفة؛ فتطوف، وتسعى، وتحلّ، ثم تحرم متمتعة، وتقف، وإن لم تطهر إلا بعد؛ فتقف بعرفة، وتطوف إذا طهرت، فإن اضطرت للعودة فتعود ثم إذا طهرت ترجع لمكة وتطوف، وتحلّ، وإن شق عليها العودة فتستثفر، وتطوف، قال بذلك جماعة من المحققين كابن تيمية، وابن القيّم، وقال أبو حنيفة: تطوف وعليها دم، والصحيح أنه لا دم عليها.

يجوز للمحرم التطيّب قبل الإحرام، بل يستحب، ولا يضرّه أثره بعد الإحرام، ولكن لا يصيب رداءه، وهو قول الجمهور لظهور النص، ومع ظهوره خالف مالك، وعطاء، والزهري، ومحمد بن الحسن، فكرهوا الطيب للمحرم.

ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من لم يوافق إحرامه صلاة فريضة صلّى صلاةً للإحرام هي ركعتين، ومنهم عطاء، وطاوس، ومالك، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، وإسحاق، وابن المنذر، وهو مذهب الحنابلة، ولكن هذا القول مخالف للسنّة، ولا يشرع، والصحيح هو ما ذهب إليه بعضهم كابن تيمية، وابن القيّم، إلى أن ليس للإحرام صلاة تخصّه، فإن لم يوافق فريضة فلا يصلّ لها ركعتين، وإن كان لابن تيمية رأي آخر يوافق الجمهور، وسبب الخلاف هو اختلافهم في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إحرامه، والصحيح أنها صلاة الظهر، كما في حديث ابن عباس: «صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم، وقلّدها نعلين، ثمّ ركب راحلته، فلمّا استوت به على البيداء، أهلّ بالحج»، وثمّة قول بأنه أحرم بعد صلاة الفجر، وهو اختيار النووي.

يشرع للمحرم أن يتعمّد أن يكون إحرامه بعد فريضة، لما رواه البخاري عن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتاني آتٍ من ربي: أن صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل عمرة في حجة». وكان ذلك في رؤيا رآها النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، والأمر كان لتحديد الوادي مكانًا للصلاة، وإلا فهي مؤداة فيه أو في غيره، وليس الأمر لصلاة تخص الإحرام كما ظن البعض، وثمّة من قال: بأن الصلاة لخصوصية الوادي وبركته، وذهب إليه بعض المتأخّرين وفيه نظر.

اختلفوا في مسألة المشي والركوب عند أداء المناسك، فمنهم من قال: الركوب أفضل؛ لأنه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم من اختار المشي؛ لأن فيه مشقّة وهو أعظم للأجر، والصحيح أنه لا تفاضل، والأمر يعود للإنسان، فيفعل الأسهل والأسمح له.

صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجته خلق كثير، قال بعضهم: إنهم أكثر من مئة وعشرين ألفًا، ومنهم من قال أقل، ومنهم من قال أكثر، وبعضهم لحق به وهو في المدينة، وآخرون في طريقه إلى مكة، وآخرون لحقوه بالرَّوْحاء، وآخرون - وهم قلّة - لحقوا به في مكة.

محظورات الإحرام هي: (حلق الشّعر، ومسّ الطيب، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، والصّيد، والخِطبة، والنّكاح، والجِماع، وقصّ الأظفار) وهذا محل إجماع، وعند البعض (تغطية الوجه).

ليس في قص الأظافر حديث يمنع، إنما عموم المنع من التفث وقضائه، حيث فسّر ابن عباس قوله تعالى: ((ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم))، فقال: (التفث: حلق الرأس، وقصّ الأظفار). وقد نقل الإجماع ابن المنذر، ونقل النخعي إجماع أصحاب ابن مسعود بقوله: (كانوا يستحبون إذا أرادوا أن يحرموا أن يأخذوا من أظفارهم وشاربهم، وأن يستحدّوا). وإذا قال النخعي (يستحبون) أو (يكرهون) أو نحو ذلك؛ فيقصد به إجماع أصحاب ابن مسعود، وخالف في ذلك الظاهرية، وكل قول للظاهرية سبقه إجماع صحيح فلا يعتدّ بخلافهم، ولا خلاف غيرهم.

حلق الشعر محظور، والمراد شعر جميع البدن، وقد جعل أحمد، والشافعي، في الشعرة إطعام مسكين، وفي الثلاث دمًا، وقال أبو حنيفة: بالدمِ في حلق العضو الكامل،

الصحيح أن فدية الأذى لا مكان لها، فتجوز في أي مكان.

يجوز للمحرم حكّ رأسه، قالت عائشة – رضي الله عنها - : (نعم، ليحككه ولْيشدِّد، ولو ربطت يداي، لحككته برجلي)، وقال الأعمش: (اُحكك حتى يخرج العظم).

ليس للمرأة إحرام في لباسها، إنّما يحرُم عليها أن تغطي وجهها بنقاب ونحوه، كاللثام، ولبس القفازين، وإن كان الثوري، وأبو حنيفة، وهو قولٌ للشافعي، أجازوا لبس القفازين، وقالوا: حديث ابن عمر موقوف، لكنّ هذا غير صحيح فلبس القفازين محظور، وحديث ابن عمر مرفوع، ولا خلاف في جواز التغطية بغير ملاصق ولا مماسّ للوجه، كالاستظلال.

اختلفوا في المحرّم على المرأة هل هو النقاب فقط أم كل ما يغطي الوجه بأي غطاء ملاصق؟ فذهب جماهير أهل العلم - وهو قول عامّة الفقهاء - إلى تحريم كل ما يغطي الوجه بغطاء ملاصق، وذهب ابن تيمية، وابن القيم، وابن حزم، إلى جواز ما عدا النقاب، واستدلوا بقول فاطمة: (كنّا نخمّر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر)، ولأن النبي نهى عن النقاب فقط، وهذا الخلاف في غير حضرة الرجال الأجانب، أما عند وجودهم فلم ينقل عن أحد من السلف القول بعدم تغطية وجهها حينها، بل كان ينصّ غير واحد على وجوب ستر وجهها عند رؤيتهم، ولا فدية عليها حينئذ ولا إثم.

يستثنى من الصيد (الفواسق): وهي التي ذكرها النبي في حديث عائشة – رضي الله عنها - حيث قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: العقرب، والفأرة، والحديّا، والغراب، والكلب العقور». ويدخل في الكلب عند الجمهور سائر السباع، قياسًا على الاشتراك في العلّة، وخالف الظاهرية في ذلك.

الأصل في اختلاف العلماء في تغطية الوجه حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي وقصته ناقته فقال: «اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسّوه طيبًا، ولا تخمّروا رأسه؛ فإنّه يبعث يوم القيامة ملبيًا»، حيث زاد بعضهم: «لا تغطّوا وجهه»، وهي زيادة شاذة لا تثبت، قال بذلك البخاري، والحاكم، فللمرء أن يغطي وجهه، وهو قول عثمان، وجابر، وابن عوف، وزيد، وابن الزبير، وابن أبي وقاص، وسفيان، والشافعي، وحكى ابن قدامة إجماع الصحابة على ذلك، وفي حكاية الإجماع نظر حيثُ خالف ابن عمر – رضي الله عنه - وقال: (ما فوق الذقن من الرأس؛ فلا يغطّه المحرم)، وهو المعروف عن مالك، بل كره أن يكب المحرم وجهه على الوسادة من الحرّ.

حكى ابن المنذر الإجماع على أن من لم يجد الإزار فيلبس السراويل، ومن فقد النعلين فله لبس الخفّين من غير قطع على الصحيح، لحديث ابن عباس – رضي الله عنه - ، وهو قول أحمد.

يجوز للمحرم لبس الحزام على بطنه، وما ذلك بمخيط، وقد قال طاوس: (رأيت ابن عمر وقد حَزَمَ على بطنه بثوب).

يستحب التطيّب قبل الإحرام، وهو عمل عامّة الصحابة، وأما إنكار عمر على معاوية فربّما لأنه لم يبلغه الدليل، أو أن معاوية تطيّب بعدَ أن أهلّ، وأما التطيّب في الملابس فذهب أكثر الحنابلة إلى كراهته، والصحيح في ذلك المنع؛ لحديث ابن عمر مرفوعًا: «لا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه زعفران أو ورس»، وإذا أصاب الثياب من طيب البدن فإنه يغسله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الخلوق وصاحب الجبّة: «اغسل عنك أثر الخلوق». يعني الذي أصابك من الطيب.

يستحب الأخذ من شعر العانة، والأظفار، ونتف الإبط، عند الإحرام، لأن ذلك أبلغ في الامتثال، فهو يمتثل نيّةً وعملًا، بخلاف من لم يفعل فهو ممتثل بالنية فقط.

يستحب لبس إزار ورداء أبيضين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم»، وحكى الإجماع على الاستحباب ابن المنذر، والنووي.

من ترك شيئًا من نسكه، أو الواجبات ناسيًا أو عامدًا فلا دم عليه إلا فيما دل عليه الدليل، وهي مواضع معدودة، بينما ذهب الجمهور إلى وجوب الدم في من ترك شيئًا من نسكه، مستدلين بحديث ابن عباس موقوفًا: (من نسي من نسكه شيئًا أو تركه، فليهرق ذمًا). ولا يصح رفعه، ويؤخذ هذا الدليل التسوية بين الناسي والعامد، وربنا عز وجل يقول: ((رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأْنَا))، ونستدل على قولنا بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للعباس بترك المبيت في منى للسقاية، وكذلك للرعاة، وإن قيل: هم معذورون، قلنا: كذلك كعب بن عجرة معذور، ومع ذلك خيّر بين الصيام أو الإطعام أو الدم، وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يجد الإزار، فليلبس السراويل»، ولم يقل بالدم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ونستدل كذلك لأمره - صلى الله عليه وسلم - لصاحب الخلوق بغسل الأثر فقط، من دون دم، وكذلك نستدل بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج معه أكثر من مئة ألف، ولم ينقل عن واحد منهم الدم، رغم اليقين بوقوع المخالف؛ فهي حجتهم الأولى، وهذه مسألة يحتاج إليها كل محرم، ولم يقل بها أحد غير ابن عباس فقط، واختار هذا القول ابن تيمية، وابن القيّم، وأما من اختار الدم فمنهم من لم ينضبط، كعطاء فهو لم يوجب الدم على من ترك الإحرام من الميقات، رغم أنه آثم عنده، وابن المنذر أوجب طواف الوداع ولم يقل بالدم في تاركه، وأحمد يوجب المبيت بمنى في رواية، ولم يقل بالدم في تاركه، وجمع من العلماء عذروا الناسي رغم أنهم يستدلون على العامد بحديث ابن عباس الذي يشمل الناسي والعامد، وعليه فلا دم على المحرم، إلا دم التمتع، والقران، والإحصار، وحلق الرأس، وجزاء الصيد، والجماع.

لا يفسد الحج من محظورات الإحرام إلا الجماع، وحكى ابن المنذر الإجماع في هذا، ولكن اشترط الجمهور أن يكون قبل التحلل الأول، بينما اشترط أبو حنيفة أن يكون قبل الوقوف بعرفة، واشترطوا أن يكون في الفرج، وإن كان ليس في الفرج وأنزل فيفسد عند أحمد، والشافعي، والصحيح أنه لا يفسد، وليس في فساد الحج دليل مرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هي آثار عن ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، ويجب على من فسد حجّه أن يمضي فيه، وهو قول الأئمة الأربعة، خلافًا للظاهرية، ويجب عليه القضاء بالإجماع، وأمّا من جامع بعد رمي جمرة العقبة فلا يفسد باتفاق الأئمة الأربعة، ولكن عليه دم، واختلفوا في نوعه فأوجب أحمد ومالك شاةً، وأوجب البدنة أهل الرأي والشافعية.

دم الفدية يكون في الحرم عند أكثر العلماء، قياسًا على جزاء الصيد في قوله تعالى: ((هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ))، ويجب في سلامته من العيوب ما يجب في الأضحية عند عامّة العلماء.

النية ركن بلا خلاف، والتلبية سنة عند الجمهور، وقال أبو حنيفة بعدم انعقاد النية إلا بالتلبية أو سوق الهدي، وهو مرجوح، وأما قول عطاء: (التلبية فرض الحج)، فيحتمل أن المراد النية، فيجوز أن تسمى بالتلبية، وأوجب مالك في تاركها دمًا، ولكن بينّا أنه لا دم إلا فيما دل عليه الدليل، وينعقد ما نواه وإن نطق غيره من النسك إجماعًا، كما حكاه ابن المنذر.

اختلف الصحابة في مكان إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج، فمنهم من قال: بالبيداء؛ لحديث ابن عباس – رضي الله عنه - : «ثم ركب راحلته، فلمّا استوت به على البيداء، أهلّ بالحج». ومنهم من قال: عند الشجرة؛ لقول ابن عمر – رضي الله عنه - عندما قيل له الإحرام بالبيداء، قال: (البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند الشجرة، حين قام على بعيره). والصحيح أنه أهل في المسجد؛ لحديث سالم بن عبدالله عن أبيه: (البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد). وكذلك جاء عن ابن عباس أنه أهل دبر الصلاة، ومن قال بأنّه بعد ذلك فلأنه لم يسمعه إلا في ذلك الموطن.

روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يلبي ويقول: «لبيك اللهم لليك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». وهو يخالف بذلك تلبية الجاهلية وهي قولهم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك). وروى أحمد، والنسائي، وغيرهم، عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله أيضًا: «لبيك إله الحق لبيك ».

يشرع التحميد، والتسبيح، والتكبير، قبل الإهلال وبعده، لحديث أنس : «لمّا استوت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - راحلته، حمِد الله وسبّح وكبّر، ثمّ أهل بحج وعمرة». وهو ظاهر تبويب البخاري (باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال) لكن بينّا أن الإهلال كان في المسجد، فعليه التسبيح والتحميد والتكبير كان بعد إهلال المسجد، وقبل إهلال البيداء.

جاء عن الصحابة تلبيات أخرى، فعمر كما أخرج ابن أبي شيبة كان يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، لبيك مرغوبًا، أو مرهوبًا، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن). وكانت تلبية ابن عمر – رضي الله عنه - كما عند مسلم يلبي كالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثمّ يزيد فيقول: (لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبياك والرغباء إليك والعمل). وكذلك عمر – رضي الله عنه - ، وجاء عن جابر – رضي الله عنه - عند أحمد، وأبي داود، أن الناس يزيدون (لبيك ذالمعارج). وجاء عن أنس – رضي الله عنه - عند الدارقطني ورجّح وقفه قوله: (لبيك حقًّا حقًّا، تعبدًا وصدقًا).

تَرْفع المرأة صوتها بالتلبية لتسمع من حولها من النساء، ولا ترفعه عند الرجال الأجانب عند جماهير العلماء، بل حكى الإجماع ابن عبد البر وفيه نظر، فابن حزم خالف في ذلك، لما أخرج ابن أبي شيبة أن معاوية سمع صوت تلبية، فسأل عن الصوت فقالوا: عائشة – رضي الله عنها - ، ولكن عائشة أم المؤمنين وصوتها مأمون الفتنة، فمن أمنت الفتنة كعائشة لها رفع صوتها، لعموم الخبر برفع الصوت، ولفعل عائشة، وقد جاء عن ابن عمر، وابن عباس النهي عن صعود المرأة للصفا والمروة، ورفع صوتها بالتلبية، لكن هذا يحمل على الفتنة، ولا يشمل من أمنت الفتنة.

يقول القارن عند تلبيته: (لبيك عمرةً وحجًا)، ويقول المفرد: (لبيك حجًا)، ويقول المتمتع: (لبيك عمرة)، وعند الشروع في الحج يقول: (لبيك حجًا)، أما قول المتمتع: (لبيك عمرةً متمتعًا بها إلى الحج)، فلا أصل له، ولا يشرع تكرار التلبية بالحج والعمرة، لحديث عائشة – رضي الله عنها - عند مسلم: «كنا نخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلبي، لا نذكر حجًا ولا عمرة ».

لا يصح حديث جابر الذي يرويه ابن عساكر، وهو قوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كان يكبّر إذا لقي راكبًا، أو هبط واديًا، أو علا أكمة، وأدبار الصلوات». وأحسن ما جاء هو فعل السلف، حيث قال النخعي كما روى سعيد بن منصور: (كانوا يستحبون التلبية دُبُر كل الصلاة المكتوبة، وإذا هبط واديًا، أو علا نشزًا، وإذا لقي راكبًا، وإذا استوت به راحلته).

لا يشرع لغير المحرم أن يلبي، وقد روى النخعي عن ابن مسعود – رضي الله عنه - أنه رأى قوماً يلبون فقال: (لبيك عدد التراب لبيك)، وهو قول الشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وابن المنذر، والحسن، وعطاء بن السائب، لكنّه يفتقر لدليل، فلا يشرع، وقد نصّ مالك على كراهة ذلك.

الأفضل أن يهلّ أهل مكة بالحج إذا رأوا الحجّاج يتوافدون إلى مكة؛ تشبهًا بهم، وبه قد أمر عمر – رضي الله عنه - ، وعليه فقهاء مكة، وكان عطاء يرى أنهم يهلون عند توجههم إلى منى.

الذي يحج عن غيره يقول: (لبيك اللهم عن فلان)، لحديث ابن عباس: (أنه سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال ابن عباس: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة). وهذا موقوف على ابن عباس ولا يصح رفعه، قال بوقفه أحمد، وابن معين، وقال ابن المنذر: لا يصح رفعه، وكذلك قال الطحاوي، وقد صحح رفعه جماعة كالبيهقي وعدد من المتأخرين كابن حجر، وابن الملقن، والصحيح وقفه.

تجوز النيابة في الحج لمن لا يستطيع، ولا تجوز النيابة في الفريضة عمّن يستطيع بالإجماع؛ كما حكاه ابن المنذر، وورد في جواز الإنابة عمّن لا يستطيع أدلة كثيرة منها: حديث الشيخان عن ابن عباس – رضي الله عنه - أن امرأة من خثعم قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على راحلته، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال - صلى الله عليه وسلم - «نعم»، وفي لفظ: «حجّي عنه»، وما جاء عند أحمد، والسنن، أن رجلًا شكى لرسول الله كِبَر أباه وعدم استطاعته للحج فقال له - صلى الله عليه وسلم -: «حج عن أبيك، واعتمر ».

أمّا في النافلة فأجاز النيابة مع الاستطاعة أبو حنيفة، وأحمد في رواية، ومنع الشافعي، وأحمد في رواية، أما مالك فيرى عدم جواز الإنابة مطلقًا، إلا عن الميّت الذي لم يحج حجة الإسلام، ووافقه الليث، ويروى عن ابن عمر.

لا يجوز للرجل أن يحج عن غيره إذا لم يحج عن نفسه، ويدل على حديث ابن عباس – رضي الله عنه - موقوفًا: (حج عن نفسك ثم عن شبرمة). ولا مخالف له من الصحابة، فوصوله للبيت بماله دليل استطاعته، والحج يجب على الفور، ولكن مع ذلك فإن حجه عن غيره صحيح، وهو قول الحنفية، ومالك، ورواية عن أحمد، وإبطال الحج يحتاج إلى دليل فهو إسقاط للثواب، والقول بانتقال الأجر له ويلزمه الحج عن غيره مرة أخرى وهو قول الشافعي، وإسحاق، والأوزاعي، ورواية عن أحمد، ويفتقر إلى دليل أيضًا.

يجوز لمن حج عن غيره أخذ مالٍ نفقةً لذلك الحج، ولا دليل يمنع من ذلك، والأصل الجواز والصحّة.

تجب الإنابة للمستطيع الذي فرّط حتى عجز عند أكثر العلماء كأحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، وإسحاق، وهو ظاهر حديث الخثعمية، وإذا عوفي بعد ذلك العجز لزمته حجّة الإسلام عند الجمهور كأبي حنيفة، والشافعي، وابن المنذر، ولم يلزمه أحمد، وإسحاق.

لا يجب على المستنيب أن ينيب شخصًا من نفس مكان إقامته، فله أن ينيب من هو في مدينة أخرى، خلافًا لبعض الحنابلة.

يشرع الاشتراط في الحج لقوله - صلى الله عليه وسلم - لضباعة بنت الزبير – رضي الله عنها - عندما قالت: لا أجدني إلا وجعة، فقال: «حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني»، رواه الشيخان. واستحبه أحمد، وأوجبه ابن حزم، وجوّزه الشافعي، وأنكره بعض الفقهاء، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، ولا يؤثر عدم التلفظ كالتلبية، فلو نوى بقلبه وعرض له عارض فله أن يشترط، وفائدته أنه لا لم عليه إن أحصِر، وروي جوازه بلا تقييد للمحتاج عن السلف، فهو مروي عن عمر في "المحلى"، وعن عثمان عند أبي شيبة، وعن علي، وعائشة، وابن مسعود في "المحلّى".

اختار أبو حنيفة أن القران أفضل الأنساك، وقال مالك، والشافعي: الإفراد أفضل، وقال أحمد بتفضيل التمتع، والتحقيق أن من ساق الهدي فالقران أفضل له، ومن لم يسق فالتمتع أفضل له.

قال ابن حزم بنسخ الإفراد، وهو مرجوح، فقد حج أبو بكر، وعمر، وعثمان، بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - مفردين، فهل جهلوا النسخ وعلمه غيرهم ؟!.

من اعتمر في أشهر الحج، ثم رجع إلى أهله فلا يزال متمتعًا عند ابن عباس – رضي الله عنه - ، والحسن، وأيّده ابن حزم، لأن الأصل بقاء الحكم، ولا ضابط للسفر الذي يقطع التمتع، وأكثر العلماء على انقطاعه، ولكنهم اختلفوا في المسافة، فقال أحمد، وعطاء، وإسحاق، بمسافة القصر، وقال أبو حنيفة برجوعه إلى أهله وهو مروي عن عمر، وابنه، وقال الشافعي: برجوعه للميقات.

قال جابر – رضي الله عنه - في حديثه: (لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة)، ومراده أنّنا لا نعرف العمرة في أشهر الحجّ أيام الجاهلية، فقد كانت من عظائم الأمور، وكانوا ينكرون على من يعتمر في أشهر الحج، بل لا يكاد يوجد من يعتمر في أشهر الحج، ولمّا جاء الإسلام أبطل هذا الحكم ، أمّا العمرة فهي معروفة عندهم، وقد اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل حجته هذه عدّة مرات: الحديبية، والجعرانة، وغيرهما.

العمرة واجبة في العمر مرة واحدة، وهو قول كافّة الصحابة وعليه إجماعهم، ثبت القول بالوجوب عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وزيد، وهو قول الثوري، وابن المسيّب، وابن جبير، وعطاء، ومجاهد، وقتادة، والحسن، وأحمد، وإسحاق، وداود، والشافعي في الجديد، وأحسن ما في الباب ما رواه الإمام أحمد والأربعة، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي رزين: «حج عن أبيك، واعتمر»، قال مسلم: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من حديث أبي رزين هذا، ولا أصحّ منه)، أما القول بعدم وجوبها وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وابن تيمية وغيرهم، واستدلوا بحديث جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن العمرة: أواجبة هي؟ قال: «لا، وأن تعتمروا فهو أفضل». فهذا حديث ضعيف لضعف الحجّاج بن أرطأة، ضعّفه ابن خزيمة في صحيحه، وقال النووي: (اتفق الحفاظ على ضعفه).

ذهب أحمد في رواية، وهو قول ابن عباس – رضي الله عنه - ، وعطاء، وطاوس، أنه ليس على أهل مكة عمرة، قال ابن عباس: (أنتم يا أهل مكة، لا عمرة لكم، إنما عمرتكم الطواف) رواه ابن أبي شيبة.

من السنن المهجورة الاغتسال لدخول مكة، وقد روى البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنه - أنه كان يبيت بذي طوى، حتى يصبح، ثم يغتسل ويدخل مكة نهارًا ويذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.

يسن دخول مكة من الثنيّة العليا (كَدَاء)، والخروج من الثنية السفلى. ثبت ذلك في الصحيحين عن ابن عمر.

لا يشرع رفع اليدين، أو الإشارة، أو ذكر، أو دعاء عند رؤية الكعبة، ولم يرد في ذلك حديثٌ لا مرفوع ولا موقوف، وما رواه الشافعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابةً، وزد من شرّفه وكرّمه ممن حجّه واعتمره تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا وبِرًّا». فمرسل، بل معضل واه، وجاء عن عمر – رضي الله عنه - عند ابن منصور أنه كان يقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، حيّنا ربنا بالسلام).

تحية البيت الطواف، وليس ركعتين، إلا من دخل لغير حج أو عمرة، فيصلي ركعتين لعموم الأدلّة.

طواف القدوم سنّة عند الجمهور، وخالف مالك فأوجبه وجعل على تاركه دمًا، وهو للقارن والمفرد، أما المتمتع فليس عليه طواف قدوم، إنما طواف عمرة، وليس على أهل مكة طواف قدوم، إنما هو لمن قدم من خارج مكة.

يشرع للمفرد والقارن التلبية حتى رمي جمرة العقبة، كما في الصحيح من حديث الفضل: «حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فما زال يلبّي حتى رمى جمرة العقبة»، وهذا قول الجمهور، وخالف أحمد في رواية، وإسحاق وابن خزيمة فقالوا عند الفراغ من الجمرة، لحديث الفضل عند ابن خزيمة حيث قال: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع التلبية مع آخر حصاة»، وهذه الزيادة غريبة ومنكرة، ولا تصح، وقال بغرابتها البيهقي في سننه أيضًا.

يظهر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أنهم لم يكونوا يلبّون عند طواف القدوم، وقد جاء: «فيمسك عند دخوله أدنى الحل» كما روى البخاري أن ابن عمر كان يفعل ذلك ويحدّث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله أيضًا، ويعود للتلبية بعد السعي لما روى ابن خزيمة: (أن ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم، ويراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصفا والمروة)، أمّا المعتمر فقال بعضهم: يقطع التلبية عند الشروع في الطواف، لما روى الشافعي عن ابن عباس موقوفًا: (يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلمًا أو غير مستلم)، أما المرفوع فلا يصح، وقال بعضهم عند الاستلام، وما استدلوا به ضعيف، والصحيح تساوي الحاج والمعتمر، فيقطعون عند أدنى الحل، لأن حديث ابن عمر مرفوع، وحديث ابن عباس موقوف.

أركان الحج هي: (الإحرام، الطواف، السعي، الوقوف بعرفة). وما عدا ذلك فواجب وشرط وسنة.

يشرع للطواف الطهارة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ وطاف، ولكن لا يشترط، ولم يصح في الأمر به حديث، وأمّا استدلال من اشترط بحديث ابن عباس: «الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون فيه». فلا يصح رفعه، بل هو موقوف، وذكر ابن منصور عن شعبة بن الحجاج: (سألت حمّادًا ومنصورًا وسليمان عن الرجل يطوف بالبيت على غير طهارة، فلم يروا به بأسًا). وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من المحققين.

تجب النيّة بداية الطواف، ولا تجب بداية كل شوط، قياسًا على الصلاة، فالواجب حضور النية عند الإحرام، ومن تابع خلف الإمام ولم يدر بأي ركعة هو صحّت، فالطواف كذلك.

استلام الحجر سنة، ومن استلمه فلا يقول: (الله أكبر)، إنما يقولها من لم يستلم، دل على ذلك ظاهر فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن صحّ عن ابن عمر كما روى أحمد والبيهقي أنه كان يقول: (باسم الله، والله أكبر)، أمّا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يثبت عنه قول: (باسم الله) قبل التكبير، وقد استحب جمهور الفقهاء قول: (اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنّة نبيّك). عند استلام الحجر، ولا يثبت مرفوعًا.

لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود على الحجر، ولكن صحّ موقوفًا على ابن عباس كما روى ذلك الشافعي، والبيهقي، وابن أبي شيبة، وروي ذلك عن طاوس، وهو رأي أحمد، والشافعي، وأنكره مالك وقال بدعة.

من لم يستطع استلام الحجر فله أن يلمسه بيده ثم يقبل يده، أو يمسه بعصا أو ثوب ويقبلها، فقد جاء عند عبدالرزاق في مصنفه عن ابن عباس – رضي الله عنه - أنه مسح الركن بثوبه، ثم قبّل ثوبه.

جاء عن أنس – رضي الله عنه - عند عبدالرزاق أنه كان ينظر للحجر إذا حاذاه، ويلتفت إليه ويكبّر، ولم يصحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء وهو أولى، أما الوقوف عنده والدعاء فلم يرد فيه حديث صحيح.

لا يثبت في استقبال الحجر عند عدم القدرة على استلامه حديث مرفوع، ولكن ثبتت الإشارة عند البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنه - مرفوعاً.

لا بأس من الزحام عند الحجر إذا لم يؤذ غيره، جاء ذلك عند عبدالرزاق عن ابن عمر فقد كان يزاحم حتى يرعف أنفه، إلا أنه لم يكن يكثر من ذلك كما جاء عن مجاهد عند البيهقي.

يشرع استلام الركن اليماني من غير تقبيل، وعند عدم الاستلام فلا يشير، وقال الشافعي بتقبيل اليد لا تقبيله هو، وحجّته خبر ضعيف رواه، ووافقه مالك في رواية، وكذلك أحمد وهو خلاف المشهور عنه، وقال محمد بن الحسن بأن الركن اليماني كالحجر في الاستلام والتقبيل والإشارة ولا حجّة له في ذلك.

بقيّة الأركان لا يشرع استلام شيء منها، لما رواه الشيخان عن ابن عمر: «لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين ».

اشترط الجمهور جعل البيت على اليسار، وقال أبو حنيفة بصحّة الطواف منكّسًا، وقول الجمهور هو الصحيح، ومن طاف منكّسًا بطل طوافه، إلا أن بعض العلماء اشترطوا أن يكون البيت على اليسار طوال الطواف، ومن انحرف يسيرًا بطل طوافه، وهذا لا دليل عليه لا من النص ولا من القياس ولا من العقل، فمن كان يقود أعمى وحصل انحراف يسير فلا بأس، والنبي كان يسير بطبيعته فكان البيت عن يساره وهذا ليس بحجّة لمن قال بضرر الانحراف اليسير، فالإنسان يسير حسب الأسمح له لكن لا ينحرف كثيرًا حتى يكون البيت عن يمينه.

الرمل وهو الجري الخفيف في الثلاث الأشواط الأولى سنة عند الجمهور، في العمرة، وطواف القدوم فقط، وخالف مالك ولم يقل بسنّيته مطلقًا، ولعله لم يبلغه الدليل، وهو ليس بمشروع للنساء بالإجماع، كما حكاه ابن المنذر، وقد كان له سبب ثمّ زال، وهو إغاضة كفّار قريش الذين اتهموهم بالوهن من حمّى يثرب، ومع زوال السبب إلا أنه بقي ولهذا نظائر في الشرع.

من أهلّ من مكة فلا يرمل، نص على ذلك أحمد، وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه لا يرمل إذا أهل من مكة، وذلك أن للرمل علّة لم تكن موجودة في أهل مكة عند التشريع، فلم يشرع لهم أول الأمر، وكذلك آخره.

يشرع الاضطباع في الطواف، وهو إظهار الكتف الأيمن وجعل طرفه على الكتف الأيسر، وخالف في ذلك مالك، وورد في ذلك حديثان، عند الترمذي: «أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت مضطبعًا، وعليه بُرْد»، وصححه، ورواه أبو داود عن ابن عباس حكاية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في عمرة الجعرانة.

ذهب الجمهور إلى أنّ السنّة أن يسبق السعي طواف، ولو طواف تطوّع.

لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف ذكر إلا ما بين الركنين من قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، أما غير ذلك فلا يصح، وجاء عند ابن عساكر في تاريخ دمشق أن ابن عوف كان يقول: (رب قني شح نفسي، رب قني شح نفسي)، أمّا قراءة القرآن في الطواف فكرهها مالك، وأحمد، واستحبّه ابن المبارك، والشافعي، وكان مجاهد يعرض القرآن على عثمان بن الأسود وهو يطوف.

الصواب أن المشي في الطواف سنّة، قال بذلك الشافعي، ورواية عن أحمد، واختاره ابن المنذر، وأوجبه بعضهم وقالوا بالدم لمن ركب بلا ضرورة، كأبي حنيفة، ومالك، ورواية عن أحمد، ولا دليل على ذلك، وقد ركب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يشتكي من شيء، وجاء عند البخاري من حديث أم سلمة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: «إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك ».

لا بأس من الكلام في الطواف للفائدة والحاجة قال أبو العالية: (كان ابن عباس يعلمني لحن الكلام وأنا أطوف).

من منعه من إتمام طوافه وسعيه صلاة فريض فإنّه يصلي ويبني على ما سبق عند عامة العلماء، خلافًا للحسن البصري.

الطواف بالنعلين جائز إن لم يكن فيهما قذر، جاء ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماعة من السلف، فقد روى أحمد عن أبي هريرة: «أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه نعلاه عند المقام». قال الذهبي: (حديث غريب صالح الإسناد). ولكن في زماننا هذا يكره التنعّل، لأن رخام الحرم تلصق به الأتربة ورطوبة النعل، أما دخول الكعبة - ومنها الحِجْر - فكرهه جماعة، كعطاء، وطاوس، ومجاهد، وأحمد.

لا يشرع في استلام الحجر بعد الانتهاء من الطواف حديث، وما رواه أحمد عن أبي الزبير أن جابرًا – رضي الله عنه - قال: (كنا نطوف، فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة)، فمنكر ضعيف، وأغرب ابن حجر فحسّن إسناده في (الفتح)، ومن تأمل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في السعي حيث لا يدعو آخر المروة، والرمي في الجمرات حيث لا يدعو في آخرها، فإنها قرائن على عدم مشروعية استلام الحجر عند الانتهاء من الطواف، والقول بعدم الثبوت دليل كافٍ أصلًا.

يجب إتمام الطواف سبعًا عند جماهير العلماء، خلافًا لأبي حنيفة.

لا يصحّ في التزام الملتزم حديث مرفوع، إنما ثبت عن عدد من الصحابة، كابن عباس، وعروة، وغيرهم كطاوس، وأصح ما جاء في ذلك ما رواه عبدالرزاق عن مجاهد: (جئت ابن عباس يتعوّذ بين الركن والباب)، ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، ولا أمروا بتركه، ولا نهوا عنه، فمن فعله فله سلف، ومن نهى عنه فقد جازف.

لا بأس من التعلق بأستار الكعبة، وملامسة البيت، والدعاء، من غير قصد جهة معيّنة، ولم يرد الدليل المرفوع فيها صحيحًا، وجاء عن عدد من التابعين والصحابة ومنهم ابن الزبير التزام دبر الكعبة.

لا يشرع قراءة ((وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى))، قبل الصلاة خلف المقام، إنما قرأها - صلى الله عليه وسلم - استدلالًا، ونظير ذلك قراءة: ((إِنَّ الصَّفَا وَالمرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ ...)) الآية، فقد قرأها - صلى الله عليه وسلم - استدلالًا ثم قال: «ابدأُ بما بدأ الله به»، ولا يشرع قول: (ابدأ بما بدأ الله به) رغم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالها في نفس السياق، وقد قال بقراءة الآيتين جماعة من أهل العلم.

ذهب الجمهور إلى أن الصلاة خلف المقام سنة وهو الصحيح، وقال أبو حنيفة ومالك بوجوبها مستدلين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «خذوا عني مناسككم»، وأوجب مالك على تاركها دم، ومال إلى الوجوب ابن مفلح من الحنابلة، وذهب بعضهم إلى أن ذلك مرتبط بالطواف، فإن كان الطواف سنة كانت الصلاة خلف المقام سنة، وإن كان واجبًا كانت الصلاة خلف المقام واجبة.

لكل طواف ركعتان، وقد كره أكثر السلف من الصحابة وغيرهم الإقران: وهو أن يقرن أكثر من سُبُوع بركعتين.

لم يصح في النظر إلى الكعبة حال الصلاة دليل، فهو غير مشروع، وهذا مذهب الجمهور، وقال مالك بسنيّته.

إن صادف نهاية الطواف فريضة فإنها تجزئ عن ركعتي الطواف عند أكثر السلف، قال بذلك مجاهد، وعطاء، وطاوس، وهو مذهب الشافعية، وقال أحمد: أرجو أن تجزئه، وذهب أبو حنيفة، ومالك، إلى أن السنّة أن يصلّي ركعتين خاصّتين بالطواف.

هل يصلي المرء خلف البقعة التي كان فيها مقام إبراهيم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أم خلف الحجر المنقول ؟ الذي يظهر أن كلا الأمرين محتمل، ومن اعتقد أن المراد بالمقام المكان لا ذات الحجر فلم يبعد، وقد اختلف أهل العلم في جواز نقل الحجر فمنهم من أجازه للمصلحة، ومنع منه آخرون.

من لم يستطع أن يصلي خلف المقام فيصلي في أي مكان، وتجزئه عن ركعتي الطواف بالإجماع، كما حكاه ابن عبدالبر، ولكن الأولى أن يصلّي خلف المقام وإن بعد، وقد جاء عن مالك في الموطأ، والترمذي في سننه، أن عمر – رضي الله عنه - صلى ركعتي الطواف بذي طوى؛ لأنه انتهى من الطواف والشمس لم تطلع، وهو لا يرى بصلاتها في أوقات النهي.

لا حرج من صلاة ركعتي الطواف في أوقات النهي، وهو مذهب جمهور الصحابة، وثبت عن ابن عمر بسند صحيح وابن عباس وأبي الدرداء، وهو قول أحمد، وذهب مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ويروى عن عمر – رضي الله عنه - كما تقدّم، ورواه ابن المنذر عن ابن عمر كذلك، فيكون لابن عمر روايتين.

الذي يظهر أن خبر قراءة سورة (الكافرون) و(الإخلاص) في ركعتي الطواف مدرج في الحديث، كما ذكر الخطيب البغدادي في (الفصل)، ولم أرَ من يعمل به من الصحابة، ومن رأى مشروعية القراءة بها فيكون على ترتيب المصحف، فيقرأ في الأولى (الكافرون) والثانية (الإخلاص).

الأصل أن السترة في مكة كغيرها، والحديث الذي أخرجه أبو داود وأحمد: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عند البيت، والرجال والنساء يمرّون بين يديه، لا يستره منهم شيء». ضعيف لا يصح، ولكن يخفف في مكة عن غيرها، لكثرة المارّة، ومشقة منعهم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلا أنه لا يضرّه من مرّ من بين يديه سواءً رجلًا أو امرأة، وهذا من خصائص مكة عنده، وروي هذا عن طاوس، وعطاء.

من السنّة الرجوع إلى الركن واستلامه بعد ركعتي الطواف، وهذا خاص بالقدوم فلا يكون في التطوع، ولا في الإفاضة، لأنه لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - حينها أنه استلم، وجاء عند أحمد خبرٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين خلف المقام ثم استلم الحجر، ثم شرب زمزم، وصبّ على رأسه، ثم استلم الحجر مرة أخرى، فيكون قد استلم الحجر بعد صلاة الركعتين مرتين، ولكنّ هذا الخبر لا يصح.

البداءة بالصفا واجبة، ولا عبرة بالبداءة بالمروة عند الجمهور، وهو المشهور عن أبي حنيفة، ويروى عنه عدم الاشتراط، وجاء اللفظ في الحديث خبرًا في قوله: «ابدأ بما بدأ الله به»، وجاء عند النسائي، والدارقطني بلفظ الأمر: «ابدؤوا بما بدأ الله به»، وصححها ابن حزم، والنووي، وغيرهما.

السعي ركن على الصحيح، وهو قول الجمهور، ورواية عن أحمد، وقال أبو حنيفة: واجب، ووافقه ابن قدامة، وهو رواية عن أحمد، ومال إليه البخاري، وقيل بسنيّته، وهي رواية عن أحمد، فلأحمد في ذلك روايات ثلاث، واستدل من قال بركنيته بما رواه الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحججت»؟ قلت: نعم، قال: «بم أهللت»؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أحسنت، طف بالبيت وبالصفا والمروة، ثمّ أحِلّ ...». وقول عائشة: (ما أتم حج امرئ، ولا عمرته، لم يطف بين الصفا والمروة). رواه مسلم. وأغرب ابن العربي حينما حكى الإجماع على ركنيّته في العمرة، وقال: الخلاف في الحج، وأغرب منه قول الطحاوي بالإجماع على أن من تركه فحجّه تام، وعليه دم. وروي عن ابن عبّاس، وعطاء، وأنس، القول بسنّيته، ولكن فهم ابن أبي شيبة أن ذلك للناسي، كما بوب بقوله: (باب ما قالوا إذا نسي السعي بين الصفا والمروة)، وهذا الفهم أليق بفقههم.

لا يشترط الطهارة للسعي.

لا يشرع التطوع بالسعي، فالخبر جاء بالتطوع في الطواف فقط. أمّا السعي فلا يشرع، كما أنه لا يشرع الوقوف بعرفة، ولا مزدلفة، ولا رمي الجمار في غير الحج.

يجب إتمام الحج سبعة أشواط لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وجاء عن طاوس، وأبي حنيفة وجوب أكثره، وينفق عن كل شوط تركه نصف صاع، وفيه نظر.

يسن للساعي أن يصعد الصفا، والمقصود أعلاه، ويستقبل القبلة حينها، ويسن له النظر للكعبة، لكن الآن الحواجز تمنع ذلك، هكذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن صعده ولم يبلغ أعلاه فقد جاء بالسنة، أما صعود المرأة فقد كرهه أكثر السلف.

يسن أن يقول على الصفا والمروة بداية كل شوط: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده». ثم يدعو بما شاء، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء في هذا الموطن، وجاء عن ابن عمر في (الموطأ)، وعند البيهقي أنه قال: (اللهم إنك قلت: ((اُدْعُونِي اَسْتَجِبْ لَكُمْ))، وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام؛ ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم)، وذكر النخعي عن أصحاب ابن مسعود أنهم كانوا يدعون على الصفا والمروة قدر خمسٍ وعشرين آية.

جاء عن ابن مسعود – رضي الله عنه - عند ابن أبي شيبة، والبيهقي، أنه كان إذا نزل من الصفا فمشى حتى أتى الوادي جعل يقول: (رب اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم)، أمّا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يثبت عنه في السعي بينهما شيء، فالمرء يدعو حينها بما شاء، وأمّا تخصيص كل شوط بدعاء معيّن فهذا من البدع المحدثة، التي يجب التحذير منها.

المشي أثناء السعي من غير ركوب سنّة، وهو قول الشافعي، ورواية عن أحمد، وهو الصحيح من مذهبه، وقولٌ للمالكية، وقال أبو حنيفة بالوجوب، وكذلك الليث، وأبي ثور، وغيرهم.

قال جابر في حديثه: «حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى صعدتا مشى». والوادي اليوم معلّم بعلامات خضراء، والسنة أن يجري جريًا خفيفًا، وهذا يدل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمشي في سعيه، رغم أنه ركب في طوافه، وأغرب ابن حزم عندما قال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سعى سبعًا راكبًا على بعيره، ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم.

الموالاة في السعي سنة، وهو رواية عن أحمد، وقول الشافعي في الجديد، وقال بعضهم بوجوبه قياسًا على الطواف، ولكنّ الطواف آكد من السعي.

لا يشرع الاضطباع في السعي لعدم الدليل، وقال الشافعيّة بمشروعية ذلك، ولا دليل لهم عليه.

قال جابر: «حتى إذا كان آخر طوافه على المروة...»، وهذا دليل على أن الذهاب شوط، والعودة شوط، خلافًا لما يُحكى عن ابن جرير، وبعض فقهاء الشافعية، أن الذهاب والعودة شوط، فلو كان كذلك لانتهى عند الصفا.

بعد السعي يكون الحلق وهو أفضل للمعتمر غير المتمتع، والحلق أولى لدعائه - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرة، كما جاء في الصحيحين، أما المتمتع فيقصّر ليبقى شعرٌ عند الحج فيحلقه، والحلق في الحج أولى من العمرة، لقوله تعالى في الحج: ((ثُمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُم))، ومن قضاء التفث: حلق الشعر، وهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة فقد قال: «من لم يكن منكم أهدى، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج»، ولم يقل فليحلق.

الأصلع يستحب له أن يمِرّ الموس على رأسه، جاء ذلك عن ابن عمر – رضي الله عنه - عند ابن خزيمة، والحاكم، ونقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، وأغرب أبو حنيفة فقال: بالوجوب.

لا تشرع صلاة بعد السعي، وقال بمشروعيتها بعض الحنفية، مستدلين بحديثٍ عند أحمد، وابن ماجه، وهو ضعيف.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة». وهذا من أقوى الأدلة على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - قارنًا، ولو كان متمتعًا لما قال: «وجعلتها عمرة»، لأن للمتمتع عمرة مستقلة، وليس للقارن عمرة مستقلة، بل هي داخلة في الحج، وقال بعضهم بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعًا، وهذا وإن كان له وجه، إلا أن ظاهر الأدلة يخالفه.

اتفق أهل العلم على أن فسخ الحج إلى عمرة لا يعقبها حج لا يجوز، واتفقوا كذلك على أن من ساق الهدي فلا يجوز له أن يفسخ الحج، أما المفرد والقارن إذا لم يسق أحد منهم الهدي، فقال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، بعدم الفسخ، وأن ذلك خاص بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مستدلين بما رواه أحمد عن الحارث بن بلال قال: قلت: يا رسول الله ، فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ قال: «بل لنا خاصة». وهو حديث منكر، والحارث لا يعرف، وقالوا بأن الفسخ ليخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - الجاهلية حيث لا كانوا يرون بالعمرة في أشهر الحج، وقال أحمد بالفسخ، وأنكر حديث الحارث وقال: (عندي ثمانية عشر حديثًا صحيحًا في الفسخ). ثم اختلف من قال بالفسخ بين وجوبه واستحبابه، فظاهر قول أحمد، وهو قول الحسن، ومجاهد، ورجّحه ابن تيمية أنه مستحب، وقال ابن عباس، ووافقه ابن حزم، بالوجوب، ولا أعلم أحدًا من الصحابة كان يقول بخصوصية الفسخ إلا أبا ذر كما روى عنه مسلم، وقد كان أبو موسى الأشعري يفتي بالفسخ حتى مات.

المتمتع إذا لم يجد الهدي فيصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع، واتفقوا أنه لا يجوز تأخير الثلاثة أيام بعد الحج، واختلفوا في الإجزاء إن فعل، ويبدأ من التلبس بالإحرام بالحج للقارن، والإحرام بالعمرة للمتمتع عند الأئمة الأربعة.

قال - صلى الله عليه وسلم -: «دخلت العمرة في الحج»، والمعنى أن وقت الحج والعمرة واحد، خلافًا لفعل الجاهلية حيث حرموا العمرة أشهر الحج، وقيل المعنى: أنه دخل عمل هذا في عمل هذا كالقارن.

منهم من قال بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مفردًا، وهذا وَهْم، وسببه أنه ليس كل من حج علم أن العمرة جائزة في أشهر الحج، فتبادر لذهنه مباشرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم بالحج فقط، وأيضًا فالمفرد والقارن يعملان نفس العمل، لا فرق بينهما إلا وجوب الهدي فقط، فوقعوا في هذا الوهم والصحيح أنه كان قارنًا.

أنكر علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - على زوجته فاطمة تحللها، لأنه لم يعلم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطل عمل الجاهلية، وأجاز العمرة في أشهر الحج.

يجوز أن يهلّ المرء بما أهل به غيره، دل على ذلك فعل علي – رضي الله عنه - ، وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - له، ولكن إن أهلّ بما أهل به غيره، ثم تبيّن أن ذلك قد ساق الهدي وهو لم يسق فلا يكون قارنًا، وله أن يتمتع، وإن أهل بما أهل به غيره فوجده مفردًا، وتبين للاحق أن يكون متمتعًا فلا بأس بناءً على الأصل، ولو أهل بما أهل به غيره، فوجده لم يهل أصلًا فينوي بما أراد.

يوم التروية هو اليوم الثامن، وسمي كذلك لأن الناس يتروّون فيه لما بعده، والسنة أن يقدم فيصلي الظهر هناك حتى فجر عرفة، ولا يشترط أن تكون نية الحج من هناك، بل من أي مكان.

السنة أن تصلى الصلوات بمنى قصرًا، وهو عمل الصحابة، وهو ظاهر عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يثبت عنه أنه نبه أهل مكة ليتمّوا، وقد روى مالك في (موطئه) أن عمرًا – رضي الله عنه - صلى بأهل مكة فقال لهم: أتموا فإنا قوم سَفْر، وكان ابن عمر – رضي الله عنه - يحرم في مكة فإذا صلى بمنى قصر، وعلة ذلك السفر لا النسك، كما قال بذلك بعض الفقهاء من المالكية، والحنابلة، والشافعية، ولو كان للنسك لجاز لهم القصر وهم في بيوتهم، لكن لا يقول بذلك أحد معتبر، ونسبة هذا القول لمالك خطأ، فقد صرح في (الموطأ) أنه للسفر لا للنسك، والقول بالسفر هو قول عمر – رضي الله عنه - ، ومعه كبار الصحابة، واختيار ابن تيمية، وابن القيّم.

المبيت بمنى يوم التروية ليلة عرفة سنة.

من السنة أن ينتظر الشمس لتطلع يوم عرفة، ثم يذهب لنمِرَة، وهي خارج عرفة، وذلك سنة وليس بواجب عند عامة الفقهاء، ويكثر عند توجهه من التلبية والتكبير؛ لما رواه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنه - قال: «غدونا مع رسول الله من منى إلى عرفات، منّا الملبي، ومنّا المكبر»، وروى نحوه البخاري من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -.

لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التكبير من فجر عرفة حتى آخر أيام التشريق، والحديث في ذلك ضعيف، لكن جاء عن جمع من الصحابة، كابن عباس، وابن مسعود، والصحيح التثنية وهو قول: ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)).

من السنة التكبير أدبار الصلوات أيام منى قبل أن يقوم الإمام، عدا أهل مكة كما روى الفاكهي عن عطاء.

لم تكن قريش تخرج لعرفة، لأنهم أهل الحرم، وعرفة في الحل، فيقولون لا نخرج من الحرم، فيقفون في مزدلفة، وسائر العرب في عرفة، ولذلك قال جابر – رضي الله عنه - : «فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية»، أي أنها على يقين أنه سيقف في المشعر الحرام، لكنه وقف بعرفة، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحج قبل البعثة، فكان يقف مع الناس في عرفة، ولا يقف مع قريش في مزدلفة، كما ذكر ذلك الجبير بن مطعم – رضي الله عنه - حينما أضلّ بعيره.

الصحيح أن عُرَنة ليست من عرفة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ارفعوا عن بطن عُرَنَة»، وهو قول الجمهور، أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وقال مالك بأنه من عرفة، واستدل بنفس الحديث، وقال أمر بالرفع لأنه من عرفة، لكنه مفضول، ولو كان التنبيه لما خرج عن عرفة لنبّه عن نمرة، وأمر بالرفع عنها أيضًا، فهي مجاورة لعرفة أيضًا، وعليه فقد صحح المالكية الوقوف بعرنة، وبعضهم أوجب الدم مع صحة الحج.

الوقوف بعرفة ركن، لما جاء عن أحمد، وأصحاب السنن، من حديث عبدالرحمن بن يعمر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحج عرفة»، وفي رواية: «الحج يوم عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج»، قال وكيع: (هذا الحديث أمّ المناسك)، وفيه دليل صحة الوقوف بالليل دون النهار، ومن باب أولى يصح الوقوف بالنهار دون الليل.

يشرع لإمام المسلمين أن يخطب في الناس بعرفة، اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما سار عليه الأئمة من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، والسنة التقصير في الخطبة لقول سالم بن عبدالله بن عمر للحجّاج: (إن كنت تريد السنة، فاقصر الخطبة، وعجّل الوقوف).

لا ينبغي أن يكثر الإمام من الخطب، فقد ذكر النووي أن النبي خطب أربع خطب: (خطبة اليوم السابع بمكة، وخطبة عرفة، وخطبة يوم النحر، ويوم النفر الأول)، وذكر أحمد أنها ثلاث وهو مذهب الحنابلة، حيث لم يذكروا خطبة اليوم السابع.

من السنة بالإجماع - كما حكاه ابن المنذر - أن يصلي الظهر والعصر قبل دخول عرفة، قصرًا وجمعًا في وقت الأولى، ولا يسبّح بينهما شيئًا، واشترط الحنفية شرطًا زائدًا وهو أن يكون ذلك مع إمام المسلمين، أو من ينيبه، ولا دليل عليه.

وقت الوقوف بعرفة من ظهر اليوم التاسع، حتى فجر اليوم العاشر، والسنة الوقوف بعد الزوال حتى الغروب، ولا يشترط للوقوف استقبال قبلة، ولا طهارة، بل ولا نية، وحكى الاتفاق على ذلك غير واحد كابن قدامة، ووقوف النائم صحيح عند الأئمة الأربعة.

ويشرع الاغتسال قبل دخول عرفة، جاء ذلك عن ابن عمر – رضي الله عنه - ، وغيره.

اختلف أهل العلم في صحّة حجّ من انصرف من عرفة قبل غروب الشمس، وعامّة أهل العلم على صحّة حجّه، وقال مالك، وهو رواية عن أحمد غير معتمدة إلى عدم الصحّة، ولا دليل على ذلك، بل قال ابن عبد البر: (لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار قال بقول مالك)، والصحيح الصحّة، ولا يشترط الجمع بين الليل والنّهار، لحديث عروة بن مضرّس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من شهد صلاتنا هذه، ووقف بعرفة معنا حتّى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تمّ حجّه، وقضى تفثه». ولا شيء على من انصرف قبل الغروب على الصحيح، وهو اختيار ابن حزم، والراجح في مذهب الشافعيّة، وهو قول أحمد للمعذورين، وقال أبو حنيفة، وأحمد، بالدم على من انصرف قبل الغروب، وقال أحمد أيضًا بجواز الوقوف بعرفة بعد الفجر؛ لظاهر حديث عروة بن مضرّس، بينما ذهب الجمهور، أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، واختاره ابن تيمية، إلى أنه يبدأ من الزوال، لفعله - صلى الله عليه وسلم -.

لا يصح في عرفة تحديد دعاء معيّن، ومن ذلك حديث: «أفضل الدعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». فلا يصحّ.

التعريف يوم عرفة: وهو جمع الناس ممن لم يحج وهو في بلاده في المسجد، ويخطب فيهم الخطيب، لم يصحّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه شيء، ويروى عن ابن عباس – رضي الله عنه - ولا يصح، ولكن ثبت عن عمرو بن حريث فعل ذلك عند ابن أبي شيبة، ومن فَعَله فقد خالف السنّة، ولكن له سلف من الصّحابة، إلا أن تركه أولى، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله، ولم يأمر به، ولم يفعله أحد من الخلفاء الراشدين.

جمهور أهل العلم على أنه لا يسن صيام عرفة للحاج، خلافًا للحنفية، والصحيح أن فضله عام للحاجّ وغيره، ولكن لِمَا قد يصيب الإنسان من ضعف فالأفضل تركه، لأن الدعاء يوم عرفة يكفّر ذنوب العمر كلّه، وصيامه يكفّر سنتين، ولا يشتغل بالمفضول عن الفاضل، ومن كان الناس يقتدون به فالأفضل الفطر ولو قدر على الصيام، ولهذا أفطر - صلى الله عليه وسلم -، يوم عرفة، وكذلك أفطر خلفاؤه من بعده، ومن لا يقتدي به الناس ويجد قوّة فليصم، وعليه يحمل صوم – رضي الله عنها - ، وغيرها من السلف.

السنة أن يصلّي المغرب والعشاء ليلة النحر بمزدلفة في وقت العشاء، بأذان وإقامتين، ولا يسبّح بينهما شيئًا، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وثبت عن جابر – رضي الله عنه - أنه سبح، ولكن لا يعتد بذلك مقابل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا غلب على ظنه أنه لن يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل وجب عليه أن يصلي، وإن وصل مزدلفة وقت المغرب فله الجمع، لكنه خلاف الأولى، وجمعها مع العشاء سنّة بالإجماع، ولكن اختلفوا فيما لو صلّى المغرب في وقتها، فأجازه الجمهور، وقال أبو حنيفة، وداود، بعدم الجواز، لأن الجمع للنسك عندهم.

لم يذكر جابر – رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى الوتر في مزدلفة، فأخذ البعض أنه لا يشرع، والصحيح أنه يشرع لأنه الأصل، وهو الذي عليه عمل الصحابة كما ثبت عن أسماء – رضي الله عنها - وغيرها، ولكن جابرًا لم يذكر ذلك لأن السياق سياق النسك، والوتر ليس من النسك، ولو ذكر كل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وسعه ذلك، وكذلك الأمر في قيام الليل، فقد ثبت عن بعض أصحاب النبي، وجاء في الصحيحين: أن أسماء بنت أبي بكر قامت الليل حتى غاب القمر، فدفعت من مزدلفة ورمت الجمرة، وصلت الصبح في منزلها، وقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظُّعُن.

المبيت بمزدلفة واجب، دل على عدم ركنيته حديث عروة بن مضرّس، فمن وقف في آخر جزء من الليل بعرفة سيفوته المبيت بمزدلفة قطعًا، ولو كان ركنًا لبطل حجّه، وروى سعيد بن منصور في سننه: (أن رجلًا جاء لعمر فقال له: أما وقفت بعرفة؟ قال: لا، قال: ائت عرفة، وقف به هنيهةً، ثم أفض لجمع، فأصبح عمر بجمع يقول أجاء الرجل؟ فلما جاء، أفاض). ففاته المبيت، ولم يبطل عمر حجّه، ولم يلزمه بدم، وقال الأئمة الأربعة على تاركه دم.

ثمّة فرق بين المبيت والوقوف بمزدلفة، فالمبيت ليلة النحر حتى الفجر، والوقوف بعد الفجر من يوم النحر، فأوجب المبيت وسنّ الوقوف أحمد، ومالك، والشافعي، وعكس الحنفية ذلك، إلا أن مالك جعل قدر المبيت قدر إنزال الرحال فقط، وأغرب ابن حزم حيث أبطل حجّ من لم يصلّ الفجر بمزدلفة مع الإمام، بل أشد غرابة قوله من صلّى معه بلا طهارة بطل حجّه، لأنه لم يصلّ معه الصلاة الصحيحة، وهذا قول ظاهر البطلان.

لا يلزم من المبيت النوم، بل المكث والبقاء.

من دفع بعد منتصف الليل من مزدلفة فلا شيء عليه عند الجمهور، وقال الحنفية بالدم لترك الوقوف وهو واجب، لا لترك مبيت النصف الآخر، والدفع جائز للضعفة، ولا يجوز لغيرهم الدفع قبل الفجر، ودليل رخصة ذلك للضعفة ما رواه الشيخان عن ابن عباس أنه قال: «أنا ممن قَدَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فش ضعفة أهله». ورويا أيضًا أنه أذن لسَوْدة – رضي الله عنها -.

يباح للضعفة رمي الجمرة قبل طلوع الشمس، بل حتى قبل طلوع الفجر على الصحيح فيرمون متى ما وصلوا، لفعل أسماء – رضي الله عنها - ، وهو قول عطاء، وأحمد، والشافعي، والأصل فيمن عجّل أنه عجّل للرمي، وما استدل به المانعون ومنهم: مجاهد، والنخعي، وسفيان، وابن القيم، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ترموا حتّى تطلع الشمس»، شاذّ، ولا يصح، وقال ابن المنذر: (ومن رمى قبل الفجر، فلا إعادة عليه، ولا أعلم أحدًا قال لا يجزئه).

يستحب للمُحْرِم أن ينفر من مزدلفة قبل طلوع الشمس، وهذا ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفًا لفعل الجاهلية، حيق كانوا ينفرون بعد طلوع الشمس ويقولن: (أشرق ثبير، كيما نغير).

يوم الحجّ الأكبر هو يوم النحر، لما رواه البخاري عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف يوم النحر بين الجمرات فقال: «هذا يوم الحجّ الأكبر». وقال بعضهم: هو يوم عرفة، وقيل: أيام العشر كلها، كقولك: (يوم الجمل) وهي أيام.

يسن الإسراع في وادي محسِّر، وهو وادٍ بين مزدلفة ومنى وليس بينهما، ولا يصحّ أن هذا الوادي مكان حَبْس فيل أبرهة، ولو كان كذلك لأسرع فيه - صلى الله عليه وسلم - عند دفعه من منى لعرفة، ولم يثبت، وقال الشافعي: بأن ذلك لسعة الموضع، فقد خرج من الضيق للسعة.

من السنّة أن يبدأ بالرمي في يوم النحر، ولو بدأ بغيرها فلا حرج، والرمي واجب على الصحيح لفعله - صلى الله عليه وسلم - ولفعل أصحابه، وهو قول الجمهور، وقيل: سنة، وقيل: ركن عند بعض المالكية، وقيل: يجزئ عنه التكبير، وتكون بسبع حصيات متفرقة، دل على تفرّقها قول جابر – رضي الله عنه - : «يكبّر مع كل حصاة». ومن رماها دفعة واحدة فإنها تُعَد رمية واحدة، والتكبير مع الرّمي سنّة.

يقطع التلبية عند الشروع في رمي جمرة العقبة عند الجمهور، وقال أحمد في المشهور عنه، وإسحاق، وابن خزيمة، بعد الرمي، ولا دليل عليه، ودليل الجمهور قوله: «يكبّر مع كل حصاة». فلا مكان للتلبية مع التكبير، فقد روى الشيخان عن الفضل – رضي الله عنه - أنه قال: «كنت رديف النبي - صلى الله عليه وسلم - من جمع إلى منى، فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة». وروى ابن المنذر بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنه - أنه قال: (التلبية شعار الحجّ، فإن كنت حاجًّا فلبّ حتى بدء حلّك، وبدء حلّك أن ترمي جمرة العقبة).

يكون الحصى بقدر الأنملة، وجاء وصفه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين بقوله: «إنّها لا تصيد صيدًا، ولا تنكأ عدوًا، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن». ولا يشرع الرمي بالحجر الكبير، وقد نهى عنه - صلى الله عليه وسلم -، وسمّاه غلوًا.

يرمي بيده اليمين أو الشمال، ولا يجزئ الوضع في الحوض، وحكي الاتفاق على ذلك، لأنّ من وضعه في الحوض لم يصدق عليه أنه رمى.

التحلل الأوّل يكون بعد رمي جمرة العقبة على الصحيح، لقول عائشة – رضي الله عنها - : «كنت أطيّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يُحرِم، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت». فيحلّ له كل شيء عدا النساء، وهو قول مالك، ورواية عن أحمد، وقال به عطاء، وأبو ثور، وهو قول عائشة، وابن الزبير من الصحابة، وصحّ عن عمر في (الموطأ) قوله: بأن الطيب لا يحلّ إلا بعد الطواف مع النساء، ولكن عائشة – رضي الله عنها - أعلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان سالم بن عبدالله إذا روى قول جدّه عمر يقول: (وسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحقّ أن تتبع).

وقت رمي جمرة العقبة منذ القدوم من مزدلفة، وحتى طلوع الفجر من أوّل أيام التشريق، وهو عمل الصحابة، وقول الجمهور، وخالف أحمد فقال: (إن أدركه الليل، رمى من الغد بعد الزوال). ودليل الجمهور قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له: رميت بعدما أمسيت، قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا حرج». والمساء من بعد الزوال إلى اشتداد الظلام، وقد روى مالك في (الموطأ) أن امرأةً نفست بمزدلفة، ولم تأتِ منى إلا بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرها عمر – رضي الله عنه - بالرمي، ولم يرَ عليها شيئًا، وروى ابن أبي شيبة عن ابن سابط قوله: (كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدمون حجاجًا، فيدعون ظهورهم، فيجيئون فيرمون بالليل)، ويجوز له أن يؤخر رمي جمرة العقبة إلى آخر أيام التشريق، وذلك بغروب شمس اليوم الثالث منها، فإن أخّرها فالأولى أن يرمي بعد الزوال، وقد منع من ذلك أبو حنيفة، ومالك.

الرمي أيام التشريق لا يكون إلا بعد الزوال، لفعله - صلى الله عليه وسلم -، ولما ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنه - من قوله: (لا ترمى الجمرات إلا بعد الزوال). والوقت المشروع من الزوال، إلى الغروب اتفاقًا، ومن رمى ليلًا فكما ذكرنا قريبًا.

لا يجوز الرمي قبل الزوال عند أكثر الأئمة، ويستثنى من ذلك وقت الحاجة فقط، فيجوز، وما روي عن ابن عباس – رضي الله عنه - بجواز ذلك فلا يصح، إلا خبر واحد ولكنه ليس بصريح، فيحتمل أن المراد جمرة العقبة، وهي ترمى قبل الزوال بالإجماع، ولكن صحّ عن ابن الزبير.

من جَمَع رمي الجمار في آخر أيام الرمي فهو أسعد بالدليل ممن رمى قبل الزوال كل يوم بيومه، ومن رمى قبل الزوال يوم النفر فهو أفضل ممن رمى قبل الزوال في غيره، فقد رخّص في يوم النفر جماعة من السلف، فلا ينبغي التوسع في هذا، والاشتراط في أوقات العبادات آكد من سائر الشروط والواجبات.

يجزئ في رمي الجمار سقوطها في الحوض، ولو لم تصب الشاخص، ولو أصابت الشاخص وخرجت خارج الحوض أجزأت أيضًا، لأن الشاخص مُحدث، وضع منعًا للتجاوز في الرمي، ولعدم التفريط فيه، وتاريخ وضعه هو عام (ظ،ظ¢ظ©ظ¢هـ) تقريبًا، في عهد الدولة العثمانية.

يخطئ كثير من الناس حين يظنون أن الرمي للشيطان، وأن الشاخص هو الشيطان، أو مكان الشيطان، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الطواف بالكعبة، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله عز وجل». فهو فعل تعبدي محض، والنفس والعقل بمعزل عنه.

يجوز الرمي بالحصى المستعمل، خلافًا للمشهور من مذهب المالكية، والحنابلة، ولا دليل على المنع من ذلك.

جاء عن بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الحصى إذا تقبلها الله عز وجل فإنها تُرفع، ذَكَر الفاكهي عن أبي الطفيل أنه قال لابن عباس – رضي الله عنه - : (رمى الناس في الجاهلية والإسلام، فكيف لا يسد الطريق؟ قال: ما يُقبل منه رُفع، ولولا ذلك، كان أعظم من ثُبَير)، وروى الفاكهي أيضًا عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (الحصى قربان، فما يُقبل منه رفع)، وهذه الأسانيد لا بأس بها، ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء.

يجوز أخذ الحصى من أي مكان باتفاق الأئمة الأربعة، وبعض الشافعية كرهوا الأخذ من خارج الحرم، ومن المسجد الحرام، ورويت التوسعة عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وظاهر حديث الفضل عند مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الحصى بعد خروجه من مزدلفة.

لا يعلم شيء من الأحاديث في غسل الحصى قبل رميها، لا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من الصحابة، وجاء عن طاوس أنه كان يغسلها، وليس ذلك من السنّة.

لا يجزئ الرمي بأقل من سبع حصيات، وقول جابر: (ما أدري بكم رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) وقل ابن عباس: (ما أدري رماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بست أو سبع) فصحيح، ولكنه يفيد نفيهما شهود رميه - صلى الله عليه وسلم - لا تحديد عدده، وقد علما عدده من غيرهما، فنقلا أنها سبع، كما روى مسلم عن جابر، وأحمد عن ابن عباس، وقد رخّص فيه عطاء فقال يجزئ خمس، ومجاهد قال بست، ورخّص أحمد وإسحاق.

تكره الزيادة على سبع، ومن زاد فقد أحدث، إلا من كانت زيادته لشك فيجوز.

ترتيب الجمرات واجب عند الجمهور، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، ويشرع أن يرمي التي تلي مسجد الخيف ويجعلها عن يساره، ويرمي، ثم يتقدم وينحرف قليلًا ويدعو ويرفع يديه، ثم الوسطى ويجعلها عن يمينه، ويتقدم قليلًا وينحرف، ويدعو، ولا يدعو بعد الثالثة، ويرفع يديه عند الدعاء، ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعًا، وقال ابن المنذر، وابن قدامة: (لا أعلم من أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا مالكًا).

لا يفوت وقت الرمي على الصحيح إلا بغروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو قول أحمد، والشافعي، وصاحبي أبي حنيفة، والثلاثة أيام في حكم اليوم الواحد، إلا أن السنة أن يرمي كل يوم على حدة، وقد روى مالك، وأحمد، وأصحاب السنن، عن عاصم بن عدي: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخّص لرعاء الإبل أن يرموا يومًا، ويدعوا يومًا).

يجوز التعجل من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني، ومن غربت عليه الشمس فيبقى لليوم الثالث من التشريق وهو قول أحمد، ومالك، والشافعي، أمّا أبو حنيفة فقال: يستحب، فإن طلع فجر اليوم الثالث فيجب، ولا دليل مرفوع للبقاء بعد غروب الشمس مرفوعًا، ولكنه ثابت عن عمر – رضي الله عنه - ، وابنه عبدالله – رضي الله عنه - ، فقد روى البيهقي عن عمر أنه قال: (من أدركه المساء من اليوم الثاني، فليُقِم إلى الغد، حتى ينفر مع الناس). وروى مالك عن ابن عمر أنه قال: (من غربت له الشمس من أوسط أيام التشريق، وهو بمنى، فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد).

من خرج من منى قبل الغروب، ثم عاد لحاجة، وغربت عليه فلا حرج، ويخرج متى قضى حاجته، وبهذا قال الأئمة، كأحمد، والشافعي.

لا يثبت في استقبال القبلة عند الرمي شيء، وما روي عن ابن مسعود أنه قال: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبلة وجعل يرمي»، فلا يصح.

بعد الرمي يحلّ الجميع، ولكن يستحب للقارن أن لا يحل حتى ينحر هديه، فقد جاء في الصحيحين من حديث حفصة أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما شأن الناس حلّوا ولم تحل؟ قال: «إني قلّدت هديي، ولبّدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر ».

السنّة في أعمال يوم النحر هي الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، ومن قدّم وأخّر فلا حرج عليه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سئل عن شيء قُدّم ولا أُخّر في هذا اليوم إلا قال: «افعل، ولا حرج ».

السنّة أن ينحر المحرم بيده، فقد نحر - صلى الله عليه وسلم - ثلاثًا وستين بيده، وتحمّل هذا العدد الكبير فيه دليل على تأكّد هذه السنّة، وكذلك الأضحية، ومن أناب فلا بأس. ويجزئ، ويجوز أن ينوب عن أحد بالذبح ولو لم يعلم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الصحيحين ضحّى عن نسائه بالبقر، وهنّ لا يعلمن.

ولا يجوز النحر قبل يوم النحر عند الجمهور، خلافًا للشافعي، فهو يرى بجواز النحر بعد الإحرام بالحجّ، وقوله مخالف لعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يثبت خلافه عن أحد من الصحابة.

يستحب الهدي في العمرة، وقد فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهو من السنن المهجورة، وكذلك يستحب للمفرد، فذلك اليوم يوم إراقة للدماء.

دم التمتع لا يجب على أهل مكة لقوله تعالى: ((ذّلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسْجِدِ الحَرَامِ))، ومن هم داخل حدود الحرم داخلون في الآية بالاتفاق، واختلفوا فيما عدا ذلك، والصحيح أن الآية تتناول سكّان مكة، ومن بينهم وبينها دون مسافة القصر، وهذا قول أحمد، والشافعي.

يشرع للمحرم أن يأكل من لحم هديه، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من كل بدنة بلحم، فطبخت في قدر، فأكل لحمها، وشرب لبنها، والقول بالاستحباب هو قول مالك، وأحمد، وأبو حنيفة، بل بالغ بعضهم من التابعين وقال بالوجوب، ولكن هذا يفتقر لدليل زائد عن مجرد الفعل، وذهب الشافعي إلى عدم جواز الأكل من الدماء الواجبة، كالتمتع، والقران، والجبران، والمنذور، والسنّة والدليل خلاف قوله.

لا يسن للحاجّ أن يضحّي على الصحيح، فهذا مقام هدي لا أضحية، وقال الجمهور باستحبابه، لما جاء في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - ضحّى عن نسائه بالبقر، ولكن الأضحية هنا هي الهدي، وإنما سميّت أضحية لمناسبة الوقت.

كذلك المرأة تقصّر من شعرها بالإجماع، كما حكاه ابن المنذر، ولا يشرع لها الحلق، ولا نصّ يبين حد التقصير، وروي عن ابن عمر – رضي الله عنه - أنه قدر أنملة.

الحلق أفضل من التقصير، ودرجة واحد، واثنين، ونحو ذلك بآلات الحلاقة تعتبر حلقًا فيما يظهر، فلم يكن الأوائل يعرفون هذه الشفرات الحادّة في زماننا.

واستيعاب أكثر الرأس واجب، بل أوجب أحمد، ومالك جميع الرأس، ولا نصّ في ذلك صريحًا، وقد جوّز الشافعي حلق ثلاث شعرات.

وغير الحاجّ لا يشرع له الحلق يوم النحر، كمن كان من خدم الحجاج، وغيرهم من الأمصار، لأنه لا دليل عليه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ثبت عن ابن عمر – رضي الله عنه - أنه ضحّى وهو بالمدينة، وحلق رأسه، كما جاء ذلك عند ابن شيبة.

تقديم السعي على الطواف جائز لعموم الخبر، وبعضهم استدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - لمن سأله فقال: سعيت قبل أن أطوف؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «افعل، ولا حرج»، إلا أن هذه زيادة غير محفوظة، وقال البيهقي على فرض حفظها: فلعل المراد السعي بعد طواف القدوم، وقبل طواف الإفاضة، وبهذا القول حمل الخطّابي، والنووي، رواية تقديم السعي على الطواف.

من السنّة الإسراع في طواف الإفاضة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى الفجر بمزدلفة ثم رمى جمرة العقبة، ثمّ نحر هديه، فطبخت وأكل، ثم حلق، ثم ذهب لمكة وطاف وصلى الظهر هناك على رواية جابر، ومنهم من قال صلّى الظهر بمنى لرواية ابن عمر ، ومنهم من جمع وقال صلى بمنى، ثمّ ذهب للحرم وصلى بأصحابه مرّة ثانية.

وقت طواف الإفاضة من منتصف ليلة النحر على الصحيح، وهو قول أحمد، والشافعي، ولا آخر له عند جماهير أهل العلم، فمتى جاء به صح، ولا خلاف، إنما الخلاف في لزوم الدم، والصواب أنه لا دم مطلقًا، ولكن إن أخّره بعد اليوم الثالث فقد خالف السنّة، ولا شيء عليه.

يصلي الحاج الصلوات الخمس في منى أيام التشريق، والسّنة أن تكون كل صلاة في وقتها، وإن جمع، فصحيح ولكنّه مخالف للسنة.

شرب النبي - صلى الله عليه وسلم - من زمزم قائمًا، وهذا يدل على أن النهي في ذلك من باب الكراهة، فالأولى أن يشرب جالسًا، وإن شرب قائمًا فقد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - لرفع الحرج، وبعضهم قال الجواز في الشرب قائمًا خاص بماء زمزم، وهذا تأويل بعيد.

يجب المبيت في منى أيام التشريق، قاله جماهير العلماء وهو الصّحيح، والمقصود ما يطلق عليه المبيت كشطر الليل أو أكثره، وذهب أبو حنيفة، وهو رواية عن أحمد، ومذهب ابن حزم إلى سنّيته، ودليل الوجوب أنه - صلى الله عليه وسلم - رخّص لرعاة الإبل أن يبيتوا خارج منى، والرخصة لا تكون إلا عن عزيمة، وقد روى مالك، والبيهقي، عن عمر – رضي الله عنه - أنه قال: (لا يبيتن أحدٌ من الحاجّ ليالي منى وراء العقبة).

قال البخاري: (يُذكر عن أبي حسّان، عن ابن عبّاس؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزور البيت أيام منى). ولا يصح، وقال ابن القيّم: وهو وهم، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بقي بمنى حتّى الوداع.

إذا سعى المفرد والقارن مع طواف القدوم فإنه لا يسعى مرة أخرى، والمتمتع كذلك، فسعيه مع طواف العمرة يجزئه عن سعي الحج، وهذا مروي عن أحمد، ورجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الذي تعضده الأدلّة.

إذا حاضت المرأة بعد الإفاضة فيسقط عنها طواف الوداع بالاتفاق، لما رواه الشيخان عن عائشة – رضي الله عنها - أنها لما حاضت صفيّة – رضي الله عنها - قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحابستنا هي؟». قالوا: إنها قد أفاضت، قال: «فلا إذن». أمّا إن حاضت قبل الإفاضة، فإن بقيت حتى تطهر أو رجعت لبلدها وعادت للطواف فعملها صحيح وهو الأولى، ولكن إن شقّ عليها العودة فتستثفر وتطوف، وتغادر بلا وداع، وصحّ حجّها بلا فدية، نصّ على ذلك ابن تيمية، وقال الجمهور لا يصحّ الطواف منها أصلًا؛ لاشتراطهم الطهارة، وقال بعضهم: إذا اشترطت وشق عليها العودة فتتحلل وتقضي من قابل.

يجب طواف الوداع، وهو قول الجمهور، وقال مالك، وداود، هو سنّة، ودليل الوجوب ما رواه الشيخان عن ابن عباس أنه قال: (أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف، إلا أنه خفف عن الحائض). وقول الصحابي (أمرنا) هو من المرفوع قطعًا، فالآمر هو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويبعد أن يقبل الصحابة تشريعًا من غيره حال حياته - صلى الله عليه وسلم -، وذكر مالك في (موطئه) أن عمرًا ردّ حاجًّا من الظّهران، لم يطف طواف الوداع، ومن طال بقاؤه بعد الطواف وجب عليه الإعادة، إلا إن بقي شيئًا يسيرًا ليقضي حاجةً له فلا بأس، ومن نفر، ولم يطف، وأمكنه الرجوع بلا ضرر، فيرجع، ويطوف.

أما أهل مكّة فليس عليهم طواف وداع، بالإجماع.

لا يجب طواف الوداع على المعتمر على الصحيح، بل لا يشرع، لعدم وروده، وهو قول جماهير الأئمة، من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وقال بعضهم بالوجوب، وهو مذهب ابن حزم، وقول لبعض فقهاء الحنفية، والشافعية، مستدلين بحديث رواه الترمذي عن عبدالله بن أوس أنه قال: (سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حجّ هذا البيت أو اعتمر، فليكن آخر عهده بالبيت»، فقال له عمر: خررت من يديك، سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم تخبرنا به!). ولكنه معلول، أعلّه الترمذي، وفيه الحجّاج أبن أرطأة فيه ضعف مع تدليسه، وفيه ابن البَيْلماني شديد الضعف.

من العلماء من قال بأن طواف الوداع ليس من المناسك، بل هو عبادة مستقلّة، وهو قول أبو حنيفة، والبغوي، والنووي، والرافعي، وظاهر كلام ابن تيمية، وقالوا: لأن الأفقي إذا حجّ وأراد الإقامة بمكة فلا وداع عليه، ولو كان نسكًا لوجب، لكن ظاهر السنة، وآثار السلف، تدل على أن طواف الوداع من جملة مناسك الحجّ خاصة.

من سعى للحج بعد طواف الوداع أجزأه ذلك، ويغادر، قال به مالك، ورجّحه ابن تيمية.

إن أخّر طواف الإفاضة مع الوداع وجعله طوافًا واحدًا صحّ منه ذلك على الصحيح، بل حتّى لو طاف ولم ينوِ هل هو إفاضة أم وداع؟ لصحّ، بل حتّى لو طاف للوداع وهو لم يطف الإفاضة، صحّ منه ذلك، ولا أثر للنية في العمل المشروع المتشابه، ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يسق الهدي أن يقلب نسكه عمرة.

نرل - صلى الله عليه وسلم - بالأبطح، لأنه أسهل له، وروى مسلم عن ابن عمر أن: أبا بكر وعمر كانوا ينزلون الأبطح. وفعلهم هذا حبًا وتأسيًا، لا تعبدًا، فنزوله لا يشرع عبادةً، وتشريعه عبادة يجعله خاصّةً للخارج من مكة للمدينة، وهذا يخرج غيرهم من التعبد به إلا بكلفة.

،،، انتهى ولله الحمد والمنّة ،،،

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply