أسئلة القصيدة الجديدة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

للدكتور عالي بن سرحان القرشي العديد من الدراسات النقدية والأبحاث الأكاديمية، إلى جانب العديد من الإصدارات النقدية التي يقدمها إلى المشهد الثقافي السعودي، والتي تمثل مسيرة نقدية للقرشي طيلة السنوات الماضية، إضافة إلى الإسهامات البحثية في اللقاءات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها.

ولقد صدر للدكتور عالي القرشي كتاب (أسئلة القصيدة الجديدة)، حيث عنيت مباحث الكتاب وقراءاته النصية، بمتابعة استشرافات القصيدة الجديدة، فتابعت أسئلة القصيدة عبر الحكاية، والشكل والتكوين والرمز. وعن استشرافات القصيدة الجديدة ومتابعة أسئلتها عبر الحكاية والشكل والتكوين، وحول هذه الاستشرافات يقول د. عالي: جاءت هذه الاستشرافات وغيرها من الأسئلة التي تضمنها الكتاب متخذة "الحوار النصي" منطلقًا لرؤاها، ومساءلتها للنص، عبر تجارب نقدية متنوعة جاء منها: الحكاية والتأويل، التشظي والالتئام، ذهنية النص، التناوب بين الذات والعالم ووقف الكتاب على تجارب نصية تابعها من خلال الدواوين الشعرية، ومن خلال النصوص.

وقد درس د. القرشي في إصداره العديد من التجارب نصية، التي انطلق في دراستها وتابعها من خلال الدواوين الشعرية، ومن خلال ما حوته من نصوص، حيث جاء الكتاب في ست وتسعين ومئة صفحة من القطع المتوسط، صادر عن نادي الطائف الأدبي الثقافي عام 2013وطبعته مؤسسة الانتشار العربي بيروت.

*محتويات الكتاب وفحواه:

بين القرشي في كتابه أنه حققت القصيدة الجديدة في التجربة الشعرية عمومًا، وعبر تجارب الشعراء السعوديين بصفة خاصة، حضورًا جعل لها سمتها ورؤيتها ولغتها التي امتاز بها عن كل تجارب التحديث الشعري التي شهدها المشهد الثقافي العربي، فلم تعد تلك القصيدة الممتدة في فضاء الحلم بلغة الرومانسية العربية وصورها، ولم تعد ذلك الضجيج الخطابي في شعر الواقعية العربية، ولم تعد صاحبة تلك الأزياء الأسطورية، والتشكيلات الإيقاعية المنوعة التي تداعب بها طلاب التحديث.

ويشير إلى أن الحداثة ورؤية التجديد انعجنتا في القصيدة الجديدة، مازجتا أسئلة الانزياح تحت إرث حضاري جديد، وأسئلة الحفاظ على الهوية النابعة من إرث حضاري يتداخل فيه الديني مع اللغوي مع التاريخي، فخرجت القصيدة الجديدة تحمل رؤيا القلق،وتستدني الأفق، وتستشرق الرؤية في أسئلة تستجلي يقينًا طريقًا غير مذلل، وتتهيأ في تشكيلات لا تقنع بسدر الشكل ورتابته، وتنبجس من لغة الاحتمال والرمز والسؤال.

ويقول: إن القصيدة الجديدة فاجأتنا بتشكيل الرمز المعجون من إرث الشعرية العربية، أو ذلك الذي -وإن قدم من خارجها- يسنبت داخلها؛فتنقلب على هذا الرمز الأوجاع، ومنه استنبتت مسالك الفرج، وسبحت عليه الذات بين حركتي التشطي والالتئام.

وفي وهاد الرؤيا التي انداحت فيها هذه القصيدة حضرت المرأة التي تمردت على النسق، وامتطت حصان إرادة الكتابة والتغيير، فصدحت بصوتها رؤيا ترفض التهميش وتستدني التألق في سياق حراك كرامتها وحريتها.

في كل هذا جاءت أطروحات هذا الكتاب، تتأمل نص هذه التجربة، وتعاود النظر في تشكيله، من خلال أسئلة التكوين، ومن خلال التلقي الذي يتأول ويستحضر الذات، وهي تتشكل وتتأول، فجاء التوقف عند سؤال الحكاية بوصفها روح الوجود الإنساني، يستظل به الإنسان من جهرة الشمس، ويستدفئ بها من صقيع العالم فكان ذلك التوقف حافلًا بالحكاية بوصفها استنطاقًا للعالم، واستنطاقًا للنص، ثم مضت أطروحات الكتاب تستنبئ الذات، وهي تتناوب مع عالم النص وتشكيله، حيث إن عالم النص الذي توجد فيه الذات يظل أيضًا في حال تشكل من الذات وتشكيل لها، وبهذا كان عالم القصيدة الجديدة هو النسيج الذي تنغرس فيه الذات.

وقد مارست أطروحات الكتاب تماهيًا مع نص القصيدة الجديدة أسئلة الجدوى والاحتمال والتشكيل، فساءلت الرمز والتشكيل، وحاولت أن تستدفئ بحرارة الأشعة النابعة من النص.

ويرى القرشي أن من يتابع نص المرأة الشعري في المملكة العربية السعودية يشعر بتلبس الذات الأنثوية لكتابتها، وكلمتها الشعرية، فتجد القلق والتمزق، والنشوة بالدخول في عالم البوح، واستشراف الأفق، والبحث عن شكل جديد للكتابة، وارتداد العوائق إلى عالم من المواجهة والتجاوز داخل النص، ومن هنا كان اشتغال الكتاب على هذا النبض في نص المرأة عبر تجليات الخطاب النسوي في نص المرأة.

ويبين القرشي أنه ساغ للكتاب وهو يعاقر أسئلة القصيدة الجديدة أن يستحضر رائدًا من روادها حمل نصه القلق والرؤيا، وغادر السدر والإلف،ذلكم هو الرائد محمد العلي، ولم يغفل الكتاب الاندياح في فضاء التجربة الشعرية العربية عبر الدخول في أسئلتها العميقة واستشرافها القلق، ولم يهمل الكتاب خصوصية التجارب والنصوص الشعرية، فجاء الكتاب متداخلًا مع عدد من النصوص في تشظيها والتئامها ،ومراودتها للهامش، ومساءلتها للمستقر والمتسلط.

ويطرح الناقد القرشي في مستهل كتابه مهادًا عن تجربتنا الشعرية الجديدة عبر تناوله لسؤال الحكاية والتأويل في القصيدة، عارضًا فيه طائفة من التجارب الشعرية العربية الجديدة، وممارسًا كذلك قراءة في التجربة الشعرية الجديدة في المملكة وبعض تجارب المبدعين كلطيفة قاري وحمد الفقيه ومحمد الثبيتي وأحمد الصالح وطلال الطويرقي.

كما يعرج المؤلف إلى تجربة الأنثى في خارجة الشعر السعودي فيقف عند غيداء المنفي وفوزي أبو خالد وثريا العريض وزينب غاصب وخديجة العمري وأشجان هندي

و يقف القرشي في فصول الكتاب الأولى عند الشاعر محمد العلي من خلال ديوانه "لا ماء في الماء". مستنطقًا بعد كل هذه الوقفات أسئلة القصيدة الجديدة من خلال الشكل والتكوين والرمز في قصائد سعد الحميدين وإبراهيم زولي ويوسف العارف وإبراهيم صعابي وعبد الله الزيد وعلي الأمير.

وتأتي فحوى الكتاب للقيام بقراءات لجمهرة من شعراء الثمانينات والشعراء الشباب منها ما يجعله يتكئ على رؤية تراثية ومنها ما يسعى إلى آفاق القصيدة الجديدة، إلا أن القرشي يتساءل مع الرمز والتشكيل فيها ويستشرف آفاقها ومن هؤلاء الشعراء.

*أسئلة القصيدة الجديدة مطلقة:

يرى القرشي أن أسئلة القصيدة الجديدة مطلقة؛ لأن الشعر أكثر الفنون تأبيًا على الأسر في حدود مكانية، وتجليات القصيدة فيه كانت قلقًا وحوارًا مع الماضي بتكويناته المتعددة ومع الحاضر بفيوضه وقلقه المتنوع الفضاءات، فمن هنا كان لا داعي للتخصيص بمكان فضاء الشعر والشعراء يتجاوزه.

*قراءة أسئلة النص الجديد في المشهد الشعري العربي:

يهز النص الشعري الحديث المألوف ويجادل الرتابة ويكوّن تشكيلًا جديدًا للعلاقات، وعن كيفية قراءة أسئلة النص الجديد في المشهد الشعري العربي يقول القرشي:

- القصيدة استشراف القصيدة قلق، لذلك هي ضد السكون، ضد رتابة الأشياء والعلاقات وحركات العالم، هي اللغة التي ترفض التماهي في العابر والهامش، هي اللغة التي تحترم العابر والمهمش وتعبر عنه،ويرى أن المقالات قد خضعت إلى قدر من التغيير استجابة لغاية الكتاب ووضع القارئ في تجربة التلقي المنتج.

*وجود الشاعر وذاته في النص الشعري الحديث:

يبين القرشي أن المظاهر النصية التي يقرأ من خلالها وجود الشاعر وذاته في النص الشعري الحديث تتمثل من خلال إشارات عناوين الدواوين، أو النصوص، أو من خلال ما يختاره الشعراء من الكلمات للأغلفة، أو الإهداءات، أو من خلال الإشارة المشبعة بالذاتية التي يريد الشاعر أن يجعلها مركزًا لقطبيات النص، تؤول ذاته ووجوده في النص، وكل هذا تحفيز لقراءة ما نقرؤها من خلال ما يظهر في النص من دلالات تدل على ما يحيق بالذات في عالمها في النص، لنصل في آخر المطاف إلى الجدلية التي ينشأ منها التشكيل في النص.

*إجراءات نقدية مختلفة في كتاب أسئلة القصيدة الجديدة:

لقد اشتغل القرشي في كتاب أسئلة القصيدة الجديدة على تطبيقات مختلفة، قدم فيها ضوءًا عن: قراءة النص الشعري من خلال الحكاية والتأويل في المبحث الأول، وقراءة النص على ضوء حركته وعلاقته بذهنية النص، وقراءة النص من خلال التشظي والالتئام، ذلك لأن النص الشعري جموح، ومراودته تتم عبر مداخل متعددة، لذا أحب القرشي أن يجرب هذه المداخل، ويظهر عطاءاتها للنص الشعري، ولم يقتصر عليها، بل جرب أيضًا التناوب بين الذات وحركة عالم النص، وقراءة النص الشعري من خلال استشرافه للسؤال.

ولقد جرب القرشي هذه القراءات في حلقات وندوات مثل قراءة النص من خلال التشظي والالتئام، جربه في قراءة لنص محمد الثبيتي «موقف الرمال موقف الجناس»، في مؤتمر النقد العاشر في جامعة اليرموك عام 2003، ونشره بحثًا محكمًا في جامعة عين شمس كلية الألسن، وجرّبه أيضًا على قراءة لنص المرأة في أحد ملتقيات قراءة النص. وذهنية النص جرّب القراءة من طريقها مرتين في ملتقى قراءة النص، في قراءة الأمثال، وفي قراءة رسائل حمزة شحاته لابنته شيرين، والتناوب في التشكيل بين الذات وعالم النص في نادي القصيم الأدبي عام 1430ه، والحكاية والتأويل في مؤتمر باللاذقية، جامعة تشرين عام2002.

 

 

 المراجع:

 

عالي القرشي ،أسئلة القصيدة الجديدة ،نادي الطائف الأدبي الثقافي عام 2013وطبعته مؤسسة الانتشار العربي بيروت.

 عالي القرشي :لقاء مع جريدة الحياة حول كتابي أسئلة النقد، وتحولات الرواية، عالي القرشي: الناقد ليس مطالباً بتتبع الروايات كلها ورصدها، جدة- هلا الجهني، الثلاثاء 23 أبريل 2013، موقع الدكتور عالي القرشي.

عالي القرشي، الحكاية والتأويل قراءة القصيدة الجديدة،موقع الدكتور عالي القرشي.

عالي القرشي، نموذج تطبيقي على نص الثبيتي لإجراء التشظي والالتئام،موقع الدكتور عالي القرشي.

سمي بن معين، أسئلة القصيدة الجديدة، لـِ عالي سرحان القرشي عن: مؤسسة الإنتشار العربي، 2013.

محمد باوزير القصيدة الجديدة.. للقرشي، صحيفة الرياض،  الاثنين 14 محرم 1435 هـ - 18 نوفمبر 2013م - العدد 16583

محمد المرزوقي، في حديثه عن الإصدارين الجديدين.. د. القرشي: استشرفت القصيدة الجديدة ب «الحوار النصي».. وتتبعت تحولات البناء الروائي، صحيفة الرياض،   الأحد 21 ربيع الاخر 1434 هـ - 3 مارس 2013م - العدد 16323.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply