للمسلمين تفجعي ورثائي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

للمسلمين تَفَجُّـــعِي و رثائي

 

 وعَلَيْهِمُ في ذا الزمانِ بكائي

تمشي على أشلائِهم قـَدمُ الأسى

 

 وتقيلُ حولَ جماجمِ الشُّهداءِ

كم طفلةٍ نادتْ أباهـا فانثنى

 

 صوتُ الطفولةِ باءَ بالإعياءِ

واستنجَدَتْ بأخٍ لها لكنَّها

 

 عادتْ كَعَوْدِ الطفلةِ البلهاءِ

فالأمُّ قد ذُبِحَتْ وأمَّـا أُختُها

 

 فغدتْ أسيرةَ أدمعٍ و شقاءِ

دَعْ ماجرى ، تبًّـا ،وما يجري على

 

 حُلْوِ المغاني من أذى الأعداءِ

هم جرَّدوها من مباهجِ أهلِها

 

 فالحقدُ حّــدُّ المُديةِ الحمراءِ

والعالمُ المتَحَضِّرُ الغافي على

 

 صوتِ الجراحِ ونغمةِ الإيذاءِ

 ويفيضُ شجوي من معاناتي على

 

 حالِ الضياعِ وتنبري أرزائي

 فالجمرُ في صدري وصدري ناله

 

 من حالهم وهجٌ على أحنائي

لمصابهم ضاقت بي الدنيا ، وكم

 

 عزَّيْتُ نفسي لو أفادَ عزائي !

ولطالما أنشدْتُهم شعرًا يفيضُ ...

 

 ... مرارةً ، كمرارةِ الضَّرَّاءِ

بئسَ العزاءُ إذا تقنَّعَ بالبكا

 

 ونَعَتْهُ يأسًـا صفعةُ الإزراءِ

هاموا ببيداءِ المواجعِ غائرًا

 

 جرحُ المُصابِ بعالَمٍ نسَّاءِ

هاموا ، ووهجُ الكربِ يحرقُ يومَهم

 

 ويكرُّ يتركهم إلى الإدجاءِ

وإذا صحوا لاللضياءِ ، ولا إلى

 

 رحبِ النهارِ المشرقِ الأرجاءِ

لكنْ إلى دنيا الكآبةِ والأسى

 

 ولتيهِ بأسِ مكائدِ السفهاءِ

وإلى عويلِ الدَّاءِ عشعشَ في الحشا

 

 وحروقِ لذعِ الهمِّ في الحوباءِ

وأشدُّ من إيلامِ هذا : نومُهم

 

 عن غايةٍ تُرجَى لدى العلياءِ

وَتَمَرُّدُ الأهواءِ في أبنائِهم

 

 قد قادهم هَمَلا  بحبلِ فَناءِ

هاهم قد التحفوا بأسبابِ العَنَا

 

 وتسنَّمُوا زورًا رؤى العظماءِ !

وعواصفُ البلوى تعربدُ فوقَهم

 

 وَتَقَلُّبُ الإيذاءِ بالإيذاءِ

ولربما هم يُحسدون لأنهم

 

 لم يعبؤُوا بالإثمِ والفحشاءِ

عاشوا السنينَ ولم تُؤرِّقْ عينَهم

 

  فتنُ الزمانِ ، وقبضةُ البأساءِ

وتزاحُمُ الآلامِ بين ضلوعِهم

 

 ومصارعُ الآباءِ والأبناءِ

وتآمرُ الأوغادِ ما استترتْ به

 

 أيدٍ تُديرُ فُجاءةَ اللأواءِ

ولربما ركعوا لقاتلِ عزِّهم

 

 ورأوا به أسطورةَ استقواءِ

تَبًّـا لمَن قد أذعنوا لعدوِّهم

 

 واستمرؤوا الإذعانَ للجبناءِ !

دفنوا الصَّدى الموَّارَ لمَّـا لم يعوا

 

 مافي جوانحِهِم من الأصداءِ !

هم يملكون الأمرَ ، بئسَ ضلالُهم

 

 لم يُعرَفُوا في الناسِ بالضُّعفاءِ

الفاتحون يُجلُّهُم هذا المدى

 

 إذْ أنقذوا ظمأى الورى بالماءِ !

ماءِ الهدايةِ والتَّراحُمِ والإخا

 

 ماءِ السُّمُوِّ العَذْبِ بالغرَّاءِ

ماءِ الحياةِ يصونُ جِذْلَ كرامةٍ

 

 لم تُفتَقَدْ في غمرةِ الأرزاءِ

إنَّ الفروعَ ترعرعتْ ، وتمايستْ

 

 بالزَّهْوِ في دوحِ الهدى الغنَّاءِ

واشتدَّ كفُّ العزمِ : فيه أسِنَّةٌ

 

 وصليلُ سيفُ اللهِ في الهيجاءِ

سُنَنُ الإلهِ الماضياتُ بكونِه

 

 هيهاتَ أن تُطوَى بلا إمضاءِ

فعلى جباهِ الآثمين أدلَّةٌ

 

 للخزيِ آتٍ ليس من إبطاءِ

إنِّي أُبشرُكم بأنَّ عدوَّكم

 

 واهٍ ، وأنَّ مآلَه لفناءِ

مهما استبدَّ بغيِّه وبظلمِه

 

 مهما استعانَ بقوَّةِ التُّعساءِ

مهما تآمرَ واستمدَ زفيره

 

 وشهيقَه من جوقةِ الجهلاءِ

يأتيه ـ إن أجَلٌ دنا ـ مالم يكنْ

 

 في الفكرِ بالحُسبانِ في الإمساءِ

فإذا النياشينُ التي أغرتْه...

 

 ... للطغيانِ والجبروتِ والخُيَلاءِ

داستْ عليها أرجُلٌ تمشي إلى

 

 رضوانِ ربِّ العرشِ في الظلماءِ

أيَّامُ بغيٍ أقفرتْ آناؤُها

 

 من كلِّ خيرٍ جاءَ في الآناءِ

كم سامَ أهلينا الكرامَ معربدٌ

 

 أو خائنٌ للأمَّةِ الثَّكلاءِ

وكم استباحَ دماءَها وثراءَها

 

 وَعُلُوَّ شأنِ مكانها الوضَّاءِ !

والظلمُ أعمى لن يزولَ بحكمةٍ

 

 لكنْ يزولُ بركلةِ الوطَّاءِ

ولقد عتا ، وعنتْ له أجيالُنا

 

إذْ لفَّها كالحيَّةِ الرقشاءِ

مستأسدًا مستنسرًا متوحشًا

 

 وكأنَّه في الغابةِ الدهماءِ

فالشؤمُ واللؤمُ المقيتُ بوجهه

 

 بانا عليه ، وشاعَ في الأحياءِ

وهي النُّحوسُ زمانُها معدودةٌ

 

 أيامُه ، كالحقدِ والغُلواءِ

حرقتْ خطاياهم سنابلَ مجدِنا

 

 إذْ أنَّ عينَ الشَّعبِ في إغفاءِ

لكنَّه الأُفُقُ الحفيُّ بمجدِنا

 

 مازالَ تعمرُه يـدُ اللألاءِ

والشَّعبُ بعدَ النَّومِ طلَّقَ غفلةً

 

 وأزاحَ عنه قباحةَ الأقذاءِ

وطوى بأضلُعِه لهيبَ عُتُوِّهم

 

 وأتى الطغاةَ بريحِه الهوجاءِ

هبَّتْ كتائبُه كآسادِ الشَّرى

 

 كالموجِ كالإعصارِ في الدَّأماءِ

كَفَرَ الإباءُ بمذهبِ الصَّمتِ الذي

 

 جعلَ الفتى كالآلةِ الخرساءِ

وبكلِّ أُذْنٍ للرجالِ أصمَّها

 

 ثقلُ الخطوبِ و وطأةُ الأرزاءِ

قد علَّلتْنا بالهُراءِ وعودُهم

 

 ولعلَّهم من أكذبِ الخطباءِ

وسيهربون أمامَ إقدامِ الشُّعوبِ ...

 

 ... وليس للأنجاسِ من شفعاءِ

فهُمُ الأراذلُ شوَّهوا وجهَ الضُّحى

 

 بنحيبِ ثكلى الغارةِ الشَّعواءِ

دارَ الزمانُ ،وليس من قيمِ العلى

 

 ستكونُ للخوَّارِ والبَكَّاءِ !

لن يؤثرَ العهدُ الجديدُ مغفَّلا

 

 أو رأيَ إمَّعةٍ من الجبناءِ

الحالياتُ هنا أبتْ أعنانُها

 

 أن تُستَرَقَ لفتنةِ الإغواءِ

أو تقبَلَنْ ليلَ الهزائمِ ، إنَّها

 

 بنتُ السَّنى ، والليلةِ القمراءِ

لم ترتضِ المزمارَ أوهَنَ جيلَها

 

 فكبا ، تُمرغُه يدُ الصَّهباءِ

مذمومة تلك الخصالُ استعبدتْ

 

 روَّادَها بتفحُشٍ وغِناءِ

بالعاهراتِ وبالفجور وبالخنا

 

 والليلةِ الحمراءِ والسَّوداءِ

آهٍ على ( اقرأْ ) أتتْ فوَّاحةً

 

 بالوحيِ والتوحيدِ والبُشَرَاءِ

وعلى المصاحفِ أُلقيتْ في غفلةٍ

 

 للناسِ قد طالت لطولِ ثَواءِ

والحربُ معلنةٌ على خيرِ الورى

 

 وعلى بهاءِ السُّنَّةِ الغرَّاءِ

هم جلُّ قومي ويحني ماذا لهم

 

 أروي من الميلاد والإسراءِ

من بدرِ معركةِ الخلاصِ من
 الدجى

 

 من جاهليةِ عصرِنا الرعناءِ

من قادسيةِ مجدِنا وشموخِنا

 

 من نفحِ حطِّينٍ ومن سيناءِ

من شمس قرآنِ النُّبوةِ أشرقتْ

 

 فانجابَ ليلٌ وانمحى بضياءِ

من ألفِ ألفٍ من مآثرِ أمتي

 

 تُلفَى بذاكرةِ الزمانِ النَّائي !

من عطرِ قرطبةٍ ومن زيتونةٍ

 

 من أزهرِ الأبرارِ لا السُّفهاءِ

من حسرتي وتوجُّعي وتفجُّعي

 

 وتضرُّعي وتولُّعي  ورجائي

وقراءتي لهموم قومي مادروا

 

 كيف السَّبيلُ إلى العلى لِلقاءِ !

هجروا مكانتهم ، فضاعتْ هيبةٌ

 

 كانتْ لهم في أعينِ الأعداءِ

واربدَّت الأيامُ في آماقِهم

 

 واسودَّت الدنيا بعينِ الرَّائي

وهم الجناةُ بها ، وهم ما كفَّرُوا

 

 عن ذنبِهم بالتوبةِ البيضاِءِ

بل أمعنوا بفسادِهم ، وبردَّةٍ

 

 موسومةٍ بالرِّدةِ الحمقاءِ

شمطاءَ أو رقطاءَ في أدوارِها

 

 مُذْ غيَّبتْ عُميانَها بعَماءِ !

سلَّتْ صوارمَها على أبناءِ أمتنا ...

 

 ...  ولم تُشهرْ على السفهاءِ

وتبادرتْ بفسادها ، وبخبثِ ما

 

 عندَ الجناةِ ، وسارقي الأسماءِ

ماتَ الصَّباحُ بوجههم ، فسقى الرؤى

 

 ثقلُ التثاؤُبِ باليدِ العسراءِ

فنهارُهم ولَّى بقبحِ تقاذُفٍ

 

 بيدِ الفصامِ النَّكْدِ واللأواءِ

وَرَواحُهُم أمسى عليهم سُبَّةً

 

 إذْ غُلَّ بالخسرانِ والضوضاءِ

هوسٌ دعاهم للضلالِ فأسهبوا

 

 في طمسِ نورِ الدَّعوةِ السَّمحاءِ

لكنَّهم صُدِمُوا بما لم يأتِ في

 

 حسبانِهم من مزنةٍ سقَّاءِ

تروي منابتَ عزِّنا وفخارِنا

 

 ليعودَ طيبُ الخيرِ في الأشذاءِ

إنَّ البشائرَ نمنمتْ همساتُها

 

 كالودْقِ هزَّ الروحَ في الميثاءِ

فزهتْ قناديلُ الربيعِ عشيَّةً

 

 وبصبحها الفوَّاحِ في الأجواءِ

المشهدُ الآتي سليلُ نبوَّة

 

 لامِن هوى الطاغوتِ والأهواءِ

لم يُبْقِ ثجُّ الخيرِ يومئذٍ هنا

 

 متسولا حتى من البُعَداءِ

وأذانُنا شقَّ الدجى فتفتقتْ

 

 آلاؤُه حللا بلا إحصاءِ

ورحيلُ ليلِ الظلمِ آنَ أوانُه

 

 فلقد نبذنا قاتلَ البُرَآءِ

ولقد كفانا زورُهم وهُراؤُهم

 

 ولفائفُ التدليسِ في الآراءِ

كم لوَّعتْ أخطاؤُهم تاريخَنا

 

 فشكى إلينا اللؤمَ في الأخطاءِ

جرُّوا لذلتِهم رُقيَّ ربيعِنا

 

 ياوحشةَ المرفوعِ باستهزاءِ

حقبٌ تمرُّ مريرةً مشحونةً

 

 بالحقدِ من أفعالِهم والدَّاءِ

وعلى يديهم بُدِّلتْ أثوابُنا

 

 ووعاؤُنا الغالي بشرِّ وعاءِ

وقلوبُنا كادتْ تموتُ لحسرةٍ

 

 ولِمـا عرا من قسوةِ الأعباءِ

هذي حكايتُنا مآسينا بها

 

 تُتلى دُجىً في أُذنِنا الصَّمَّاءِ

ويضجُّ تاريخٌ ، ويشمخُ فارسٌ

 

 وتُكسَّرُ الأقفالُ في الإدجاءِ

وإذِ القبورُ ـ وأهلُها هم مَن لَووا

 

 أعناقَهم لأوامرِ الجبناءِ

ذاتُ المقابرِ بُعثرتْ ، وإذِ الدِّما

 

 تغلي ، ونارُ الثأرِ في الأحشاءِ

وإذِ الجموعُ ترى الحياةَ قشيبةً

 

 دونَ المُضيِّ لقِمَّةِ الجوزاءِ

الَّلهُ أكبرُ إنَّه البعثُ الذي

 

 أحيا السَّنا في الليلةِ الدَّكناءِ

المسلمون ... استيقظوا رغمَ العتاةِ ...

 

 ... صناعةِ الشيطانِ والأزياءِ

والجاهليةُ آذنتْ برحيلِها

 

 بمتاعِها ذي الوصفةِ البلهاءِ

والناسُ قد سئِموا من النُّخبِ التي

 

 عاشت على أكذوبةِ الإطراءِ

اللهُ خالقُهم ، فلن يُستَعبَدوا

 

 أو يَعْبُدُوا إلاَّهُ في الآناءِ

أزجى لهم نورَ النُّبُوَّةِ خالدًا

 

 لم تَطوِهِ حقبٌ ، وعصفُ بلاءِ

واليومَ لبَّتْهُ الشعوب ، وجانبتْ

 

 ماجاءَ من كُفْرٍ ومن غُلواءِ

واستعصمت باللهِ غيرَ مهينةٍ

 

 وتفاخرتْ بالسُّنَّةِ الزهراءِ

هبَّتْ وبالقرآنِ ظلَّلَ ركبَها

 

 مافيه من أرج ومن سيماءِ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply