فوائد من كتاب الفروسية المحمدية لابن القيم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

من مصنفات العلامة ابن القيم رحمة الله كتابه الموسوم بـ: "الفروسية المحمدية" تكلم فيه عن أنواع الفروسية وأحكامها, وأنها فروسيتان:

فروسية العلم والبيان.

وفروسية الرمي والطعان.

وذكر رحمه الله: أنها من أشرف عبادات القلوب والأبدان, الحاملة لأهلها على نصرة الرحمن, السائقة لهم إلى أعلى غُرف الجنان.

ويوجد في الكتاب الكثير من الفوائد في مواضيع شتى, وقد يسّر الله الكريم فاخترتُ شيئاً منها, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.

الفروسية: فروسية العلم والبيان, وفروسية الرمي والطعان:

الفروسية فروسيتان: فروسية العلم والبيان, وفروسية الرمي والطعان.

ولما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق في الفروسيتين, فتحوا القلوب بالحجة والبرهان, والبلاد بالسيف والبنان, وما الناس إلا هؤلاء الفريقان, ومن عداهما, فإن لم يكن رِدءاً وعوناً لهما, فهو كلّ على نوع الإنسان.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بجدال الكفار والمنافقين, وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين, فعُلِم أن الجلاد والجدال من أهم العلوم وأنفعها للعباد, في المعاش والمعاد, ولا يعدلً مداد العلماء إلا دمُ الشهداء, والرفعة وعلو المرتبة في الدارين إنما هي لهاتين الطائفتين, وسائر الناس رعية لهما, منقادون لرؤسائهما. 

المناظرة في العلم: للتمرين والتدرب, ولنصر الحق وكسر الباطل:

المسابقة والمناضلة هي من باب الاستعداد للجهاد, فإذا تعلم الناس أسبابه وتدربوا فيها وتمرنوا عليها قبل لقاء العدو ألفاهم ذلك عند اللقاء قادرين على عدوهم, مستعدين للقائه.

وهذا كجدل المتناظرين في العلم, فإن أحدهما يورد على صاحبه من الممانعات والمعارضات, وأنواع الأسئلة ما يرد الآخر جوابه, ليعرف الحق في المسألة, فإذا جادله مبطل كان مستعداً لمجادلته بما تقدم له من المناظرة مع صاحبة.

فالمناظرة في العلم نوعان:

أحدهما: للتمرين والتدرُب على إقامة الحجج ودفع الشبهات.

والثاني: لنصر الحق, وكسر الباطل

شجاعة الصديق رضي الله عنه:

كثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة, وهما متغايران, فإن الشجاعة هي: ثبات القلب عند النوازل, وإن كان ضعيف البطش.

وكان الصديق رضي الله عنه, أشجع الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان عمر وغيره أقوى منه.

ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار وليلته.

وثبات قلبه يوم بدر....وثبات قلبه يوم أحد...وثبات قلبه يوم الخندق..

وثبت قلبه يوم الحديبية, وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب, حتى إن الصديق ليثبته ويُسكنه ويُطمئنه.

وثبات قلبه حين النازلة التي اعتزت لها الدنيا أجمع...وأنكرت الصحابة بها قلوبهم, كيف وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم وحبيبهم.

مراتب الشجاعة والشجعان:

أول مراتبهم: الهمام: وسُمي بذلك لهمته وعزمه.

الثاني: المقدام: وسُمّي بذلك من الإقدام, وهو ضد الإحجام.

الثالث: الباسل: وهو اسم فاعل من بسل يبسل...والبسالة: الشجاعة والشدّة.

الرابع: البطل: وفي تسميته قولان:

أحدهما: لأنه يُبطل فعل الأقران, فتبطل عنده شجاعة الشجعان.

والثاني: لأنه هو الذي يُبطل شجاعة خيره.

الخامس: الصِّندِيد: بكسر الصاد, والعامة تلحن فيه فيقولون: صَنديد, بفتحها...والصِّنديد: الذي لا يقوم له شيء.

مظاهر الشجاعة:

لما كانت الشجاعة خُلُقاً كريماً من أخلاق النفس, ترتب عليها أربعة أمور, وهي مظهرها وثمرتها:

الإقدام في موضع الإقدام.

والإحجام في موضع الإحجام.

والثبات في مواضع الثبات.

والزوال في موضع الزوال.

وضدُّ ذلك مُخل بالشجاعة, وهو إما جُبن, وإما تهور, وإما خفة وطيش.

من يصلح لتدبير الجيش:

إذا اجتمع في الرجل الرأي والشجاعة, فهو الذي يصلح لتدبير الجيش, وسياسة أمر الحرب.

الرجال ثلاثة:

الناس ثلاثة: رجل, ونصف رجل, ولا شيء.

فالرجل من اجتمع له إصابة الرأي والشجاعة, فهذا الرجل الكامل.

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول  وهـي المحل الثاني

فإذا هُما اجتمعا لنفس مرة

بلغت من العلياءِ كلَّ مكان

ونصف الرجل: وهو من انفرد بأحد الوصفين دون الآخر.

والذي هو لا شيء: من عري من الوصفين جميعاً.

أمور ما اجتمعت في فئة قط إلا نُصرت وإن قلت وكثر عدوها:

قال تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين[ [الأنفال:45]

فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء, ما اجتمعت في فئة قط إلا نُصرت, وإن قلت وكثًر عدوُّها:

أحدها: الثبات.

الثاني: كثرة ذكر الله:

الثالث: طاعته وطاعة رسوله.

الرابع: اتفاق الكلمة, وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن, وهو جُند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم, فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام, لا يستطيع أحد كسرها, فإذا فرقها وصار كل منهم وحده, كسرها كلها.

الخامس: ملاك ذلك كله وقوامه وأساسه, وهو الصبر.

فهذه خمسة أشياء تبتني عليها قبة النصر, ومتى زالت أو بعضها, زال من النصر ما نقص منها, وإذا اجتمعت قوَّى بعضها بعضاً, وصار لها أثر عظيم في النصر, ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم, وفتحوا الدنيا, ودانت لهم العباد والبلاد, ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت, آل الأمر إلى ما آل.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, والله المستعان, وعليه التكلان, وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اللعب بالنرد والشطرنج:

المغالبات ثلاثة أقسام:

قسم محبوب مرضي لله تعالى ورسوله, معين على تحصي محابه, كالسباق بالخيل والإبل والرمي بالنشاب.

وقسم مبغوض مخسوط لله ورسوله, موصل إلى ما يكرهه الله تعالى ورسوله, كسائر المغالبات التي توقع العداوة والبغضاء, وتصدُّ عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة, كالنرد والشطرنج وما أشبههما.

وقسم ليس بمحبوب لله ولا مسخوط, بل هو مباح لعدم المضرة الراجحة, كالسباق على الأقدام, والسباحة, وشيل الأحجار, والصراع, ونحو ذلك.

....فالنوع الثاني: محرم وحده, ومع الرهن, وأكل المال به ميسر وقمار كيف كان, سواء كان من أحدهما, أو من كليهما, أو من ثالث, وهذا باتفاق المسلمين.

فأما إن خلا عن الرهن, فهو أيضاً حرام عند الجمهور, نرداً كان أو شطرنجاً.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه)  

وقد سمى علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه, الشطرنج تماثيل, فمرّ بقوم يلعبون بها, فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ وقلب الرقعة عليهم.

ولا يعلم أحد من الصحابة أحلَّها, ولا لعب بها, وقد أعاذهم الله تعالى من ذلك, وكل ما نُسب إلى أحد منهم من أنه لعب بها –كأبي هريرة – فافتراء وبُهت على الصحابة, ينكره كل عالم بأحوال الصحابة, كل عارف بالآثار.

وكيف يُبيحُ خير القرون وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اللعب بشيءٍ صدّه عن ذكر الله تعالى, وعن الصلاة أعظم من صدِّ الخمر إذا استغرق فيه لاعبه ؟! والواقع شاهد بذلك.

وإذا كان اللاعب بالنرد كغامس يده في لحم خنزير ودمه, فكيف بحال اللاعب بالشطرنج ؟ ! وهل هذا إلا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.

وإذا كان من لعب بالنرد عاصياً لله ورسوله مع خفة مفسدة النرد, فكيف يُسلب اسم المعصية لله تعالى ولرسوله عن صاحب الشطرنج مع عظم مفسدتها, وصدها عن ما يحب الله تعالى ورسوله, وأخذها بفكر لاعبها, واشتغال قلبه وجوارحه, وضياع عمره, ودعاء قليلها إلى كثيرها, مثل دعاء قليل الخمر إلى كثيرها.

وكيف يُظنُّ بالشريعة أنها تبيح ما يُلهي القلب, ويُشغله أعظم شغل عن مصالح دينه ودنياه, ويورث العداوة والبغضاء بين أربابها, وقليلها يدعو إلى كثيرها, ويفعل بالعقل والفكر, كما يفعل المسكر وأعظم, ولهذا يصير صاحبها عاكفاً عليها عكوف شارب الخمر على خمره, أو أشدّ, فإنه لا يستحي ولا يخاف كما يستحي شارب الخمر, وكلاهما مُشبه بالعاكف على الأصنام.

فوائد متفرقة:

* المشابهة في الزي الظاهر تدعو إلى الموافقة في الهدي الباطن, كما دلَّ عليه الشرع والعقل والحس, ولهذا جاءت الشريعة بالمنع من التشبه بالكفار والحيوانات والشياطين والنساء.

* الأمور إذا افتتحت بالصلاة, كانت جديرة بالنُّجح.

* من ضحِك من الناس ضُحِك منه.   * من عيَّر أخاه بعمل, ابتُلي به ولا بد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply