وما نرسل بالآيات إلا تخويفا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فطر الله الإنسان ليعيش محصورا بين جانبين من جوانب الحياة، جانب الفرح والسرور، ورغد العيش، وتلبية الرغبات...، وجانب الحزن والمآسي، وضنك العيش، وقلة المال .

فبين الجانبين تترد الحياة البشرية، جانب النعمة، التي تقود إلى مُرضيات الحياة، وجانب الضيق الذي يكدر الخاطر، وينغص الجوار وما يحتك به الإنسان .

حاولتْ المكتشفات العلمية التخفيف من المعاناة، وتقديم اليسر، وما يجلب الراحة إلى الحياة البشرية، وأماط العلمُ اللِثَام عن كثير من سنن الله الكونية، ها هويخبرنا أن الماء يتبخر متى سلطت عليه درجة حرارة معينة، وأنه يأخذ في التجمد متى سحبت منه درجة حرارة معينة، وان غاز الفريون من أجبر على المرور من مكان ضيق،ثم وجد المكان الفسيح يبرد فَيُبَّرِد ما يحل فيه .

ووسيلة الإنسان في كل ذلك العقل الذي منحه الله، وأعطاه القدرة على التحليل والاستنتاج، ودراسة الماضي الصعب، حتى يتفادى المعوقات في المستقبل المشرق، وأعظم ذلك كله إجراء التجارب العلمية، في مختلف ميادين الحياة لجلب الخير، ودفع الشر والضر .

وهذا التقدم الضخم الذي بني على المعامل التجريبية، قاد الإنسان إلى الغرور والتكبر، حتى ادعى لنفسه أنه يستطيع التحكم في مقادير الكون، ها هي البوارج الحربية، وتلك المقاتلات النفاثة، وهذه الصواريخ عابرات القارات ..... كل ذلك عمق في غرور هذا الإنسان وكبريائه، فَازْدَاد بُعْداً عن الله عز وجل .

وحضارة الغرب المادية مبنية على هذا الأسس، ومعايرها كلها نفعية بحتة، فمتى اكتشفَتْ سنة من سنن الله الكونية تباهت بذلك الكشف، وقطعت صلة الإنسان بربه من ذاك الجانب المكشوف، مع يقينها أنها مكتشفة وليست خالقة .

فحين تمكن العلماء من كشف الموجات كهرومغناطيسية، الناقلة للذبذبات التي عليها مسير التقدم العلمي الضخم، في الاتصالات والتلفاز والراديووبث الأقمار الصناعية، عبر الصحون والدشوش، وتوجيه الصواريخ وتفجير المفرقعات عن بُعْد، نسبوا إلى أنفسهم تلك المعجزة مع علمهم أنهم مكتشفون لا خالقون .

وتلك هي نقطة الضعف في الإنسان غير المؤمن، فمتى حصل على نتيجة تقوده إلى الفرح ينسى ربه، أويتناساه على اقل تقدير (كلا إن الإنسان لطغى أن رآه استغنى) سورة العلق آية6-7 .

ومع كل هذا التقدم العلمي، وما أنتجه الإنسان من آلات التنبيه المبكر، كآلات رصد الزلازل، وحدوث موجات سونامى، وتحرك الصفائح الخمسة عشر للكرة الأرضية ............ يبقى عاجزاً أمام قدرة الله، التي لا يستطيع العقل تصورها، فضلا عن الإحاطة بها (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة) سورة الزمر آية 67

وحياة المؤمن تتقلب بين ربط الحدث بالسبب المباشر، وإيمانه التام بأن السبب بمفرده غير مؤثر في المسبب، إلا إذا أراد الله ذلك، ونجد حياة المرسلين جميعا مبنيةً على هذا الأساس الإيماني الراسخ المتين .

أما حياة غير المؤمن فتربط الحدث بالسبب المباشر، ربطاً لا مكان لله فيه، فموت زيد لم يحدث إلا لأن قلبه توقف عن العمل،لا أن الله أمر القلب بالتوقف فحدثت الوفاة ........

ولإعادة الإنسان إلى ربه،وربط حياته به، يرسل الله بين الحين والآخر آيات تعجز البشر، وتوصد أمامهم كل أبواب النجاة، التي ظنوها أنها واقية من الخطر، متى تقدم وحل بدارهم .

ومن هذه الآيات المعاصرة الزلزال الذي ضرب شمال باكستان، في المنطقة الجبلية، التي لم يكد احد يتصور حدوثه في تلك المنطقة، لأنها منطقة جبلية لها ثقلها على ثبات الأرض، حدث الزلزال ليوقظ الغافلين الذين تركوا جادة ربهم، وانتهجوا مسلك الميوعة والتعري، وإتباع حياة الغرب في جوانبها المنحرفة .

خرجت جثث عارية من فنادق مدينة بَالاكُوْت، فتهدمت مبان لم يظن المهندسون المعماريون هدمها في ضوء المعطيات البشرية، ولا تستغرب إن أخبرتك أن مبنى في وسط المدينة، لم يصب بسوء قط،كما أن مئذنة مسجد ظلت قائمة، رغم ارتفاعها الشاهق .

وحين سئل صاحب المبني عن سر البقاء، قال ما استعملته في معصية الله، وأضاف أنه أغري باجرة ضخمة، لإيجار دكان في المبني، يستعمله المستأجر في تأجير أشرطة الفيديوالخليعة فرفضْتُ، (إن الله يدافع عن الذين أمنوا إن الله لا يحب كل خوانٍ كفور) سورة الحج آية 38 .

وإذا نظرنا إلى إعصار غونو، الذي أحدث دمارا هائلا في العديد من الدول التي مر بها، وفيات وفقدان بشر، وهدم المنازل والبيوت، ودخول مياه البحر إلى المدينة المحصنة، والقرى المحمية، وَحْلٌ وطِيْن ....، لم يكن البشر يظنون حدوث أمواج بحرية، ترتفع إلى اثني عشر مترا، ولم يكونوا يتصورون بقاءه إلى هذه الفترة الطويلة، ولم يكونوا متهيئين نفسيا لتحمله، كل ذلك زاد من حجم الكارثة .

فهل من متعظ، هل من مقبل على الشر أحجم عنه، هل من متذكر مما حل بغيره، كل هذه التساؤلات تطرح نفسها على أهل الخير، وأهل الشر على السواء ؟

وتكون المسؤولية على أهل الخير أعظم وأشد، فَهُمْ صِمَامُ الأمان لجميع المجتمعات الإسلامية، فهم المُذكِرون والمنبهون لما فرط فيه المسلمون، (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) سورة الذاريات آية 55 فَلْتَتَكاتف الجهود، ولينضم بعضنا إلى بعض للشد على الخير، والانقضاض على الشر حتى يقل حجمه على اقل تقدير .

وتكون المسؤولية على أهل الشر بالامتناع عما كانوا عليه، وقطع الطريق على من يريد الإفساد في الأرض، بارتكاب المنهيات الشرعية، فليبدؤوا بإصلاح أنفسهم، ثم يعمموا هذا الخير على أفراد أسرهم، ثم من ينتمون إليهم، ثم جميع أفراد المجتمع، رجالا ونساء شيوخا وشبابا أطفالا وكهولا، إذا لا عذر لأحد في الاستفادة مما خلفه الإعصار .

فما حلت مصيبة بأحد إلا بذنب أرتكب، وما صلحت الحال إلا بالتوبة النصوح، (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) سورة الروم آية41 فما خلفه غونوجزء مما كسبته أيدي الناس، فليكن ذلك عظة لنا وعبرة، للعودة إلى الله وربط القلوب به سبحانه وتعالى، قدوتنا في ذلك قول الحق تبارك وتعالى (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) سورة الإسراء آية 59 .

فهل خِفْنا وعُدْنا واتعظنا وامتثلنا ؟ فَلْيَسْعَ كل منا بدوره إلى الإصلاح بالقدر المستطاع، قبل أن يحل الهلاك بالجميع (وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) سورة هود آية 117.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply