البوذية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

نبذة تاريخية:

كلمة بوذا في اللغة السنسكرتية تعني متنور، وقد أطلق هذا اللقب على مؤسس الديانة البوذية.

ولد بوذا سنة 564 قبل الميلاد في إقليم بَنَارِس الشمالي بالهند، في أسرة جوتاما الكهشترية الغنية الثرية، واسماه والدُه سِيْدهَارت، عاش سيدهارت عيش رغدٍ واطمئنان مترفًا في النعيم فاكهًا في الثروة.

وتم زواجه في التاسعة عشر من عمره، وأنجب طفلا، وظل على هذه الحياة حتى التاسعة والعشرين  من عمره، فانصرف إلى حياة الزهد والتأمل، ونبذ حياة الترف والنعيم، وهام على وجهه ناسكا في الصحاري والغابات، بعد أن هجر زوجته ومذهبه الذي وُلِد عليه،  وهو مذهب البرهمية الأقدم في الوجود من البوذية.

أسباب التنسك:

وحين ننظر إلى الأسباب التي دفعت بوذا إلى التنسك، وترك رفاهية العيش، نجد الرجل قد ولد في طبقة الكهشتر إحدى الطبقات العليا في الديانة الهندوسية، علما أن البرهمية تقسم الناس إلى خمس طبقات بناء على ولادتهم من جسم الإله حسب زعمها.

وتذكر الروايات التاريخية أن بوذا استظل بظل شجرة التين المقدسة، في ولاية بُدْه جَايَا، وأن الوحي أتاه آنذاك في صورة (رسالة التنوير الكبرى) مجازاة له لما قدم من زهد، وهنالك تلقى المبادئ التي يقوم عليها الدين البوذي، وكان عمره آنذاك 36 سنة.

ولم تمض فترة طويلة حتى التف حوله المريدون، فأصبح يدعو إلى مبادئه،  وأولئك المريدون الأُوَل أصبحوا دعاة ذلك المذهب الجديد فيما بعد.

وفاته:

مات بوذا سنة 483 قبل الميلاد، بعد أن مكث ينشر دينه قرابة 45سنة، ولم يهتم بتأليف الكتب، بل اعتنى بكثرة الوصايا والإرشادات العملية.

عاش بوذا حياة ساذجة، لا تعقيد فيها ولا مخالفة الفطرة، إلا أن أغلب دعاته أحاطوا حياته بشتى الأساطير، لذا تكاد المصادر التاريخية الحديثة تُجْمِع أن قصة حياته قصة أسطورية، ومنها ما تجزم بنفي وجود بوذا على وجه الأرض أصلا.

ومن هذه الأساطير:

1- أن أمه بشرت به قبل ولادته.

2- سبقت ولادته معجزات عديدة.

3- حل فيه الإله.

4- قدم بوذا نفسه فداءً عن الخليقة عن خطاياها.

وتكثر مثل هذه الأوهام عند البوذيين الذين يسكنون في التِبِتْ شمال الهند، وأما بوذيو الجنوب الذين يزيد عددهم عن ثلاثمائة مليون نسمة فلم تشع بينهم مثل هذه الخرافات.

وفي أواخر حياة الرجل نشب بينه وبين دفاداتا أحد أقاربه نزاع محتدم، إلا أن بوذا استطاع التغلب على خصمه وانفصل عنه.

وبعد هذا الخصام العنيف أطلقت عليه ثلاثة أسماء، باجافا ويعني في اللغة السنسكرتيه السيد وتاجافا ويعني الشخص الذي حضر وبوذا.

وتذكر الموسوعة العربية الميسرة أنه عام 1898م عثر على جَرَّةٍ ونُصُبٍ تذكاري بالغرب من مسقط رأسه، يرجع تاريخهما إلى ما قبل 250سنة قبل الميلاد، ومن المعتقد أن هذه الجرة تضم رفاة بوذا.

كتاب بوذا المقدس

لا يوجد كتاب مقدس لبوذا، وكل الذي نجده عند البوذيين تعليمات وإرشادات عملية ووصايا، ترجم جميعها إلى العربية باسم إنجيل بوذا المقدس.

المعتقدات البوذية

أ- موقف بوذا من الإله و الإلهيات

تجمع الروايات التي كتبت عن بوذا أن الرجل عكف على دراسة تخفيف ويلات الإنسانية، والقضاء على الشقاء في هذه الحياة، وأن الرجل لم يتطرق إلى قضية الإله و الألوهية.

إلا أن من المؤرخين من يتهمه بنكران الإله، ووجود خالق أنشأ الكون بفئاته المختلفة، وأن بوذا كان يقول ما الإله؟  أهو العناصر التي تكون فئات الكون ؟ فإن كان الأمر كذلك فليس في الأمر جديد، إلا وضع اسم على شيء.

كما يتهم هؤلاء المؤرخون أن بوذا كان يعتقد أن في العالم روحًا عامةً تتغلغل في كل شيء.

والحق كما سبق أن بوذا لم يتعرض لقضية الألوهية بِسَلْبٍ أو إيجاب.

ب - تناسخ الأرواح

يعني البوذيون بذلك أن الروح (النفس) تنتقل من جسم إلى جسم آخر، لأن الروح لا تفنى ولا تبيد، وقد أخذ البوذيون هذا المبدأ الإعتقادي من الديانة البرهمية، التي تُعْتَبر البوذية أرقى صورة من صورها، وفرعا من فروعها.

فإذا تخلصت الروح من الجسم بالموت يكون أمامها عوالم ثلاث:

العالم الأول: العالم الأعلى

وهو عالم الملائكة، فتصعد إليه إن كانت تستحق الصعود بعملها فتتحد به.

العالم الثاني: عالم الناس

وهو عالم معشر الآدميين، فالروح تدخل إليه وتحل فيه لتكتسب خيرا أو تتجنب شرا، وذلك إذا كانت أعمالها في الجسم الأول لا ترفعها إلا مراتب القديسين، ولا تنزل بها إلى العالم الثالث عالم أسفل السافلين.

العالم الثالث: عالم جهنم

وهذا العالم للأرواح  المرتكبة للخطايا والذنوب، وليست جهنم واحدة، بل لكل فئة مذنبة بذنب معين جهنمها الخاص بها، فالسارقون لهم جهنم خاص بهم، والمهينون للكتب المقدسة لهم جهنم تختص بهم،.............

وبين هذه العوالم الثلاث اختلافات شتى بين البوذيين.

ففي العالم السفلي قد تتردى الروح، لتدخل جسم حيوان أو نبات عقابًا لها على ما اقترفت من السيئات.

وعند فحص القضية في تعليمات بوذا نجد الفكرة غير واردة في التعليمات البوذية،  بل ربما اصطدمت بأفكاره، لكن المؤرخين في غالبيتهم ينسبونها إلى بوذا،كما أن غالبية البوذيين يعتنقونها.

 خلاصة المذهب البوذي

الأمر الذي لا يستطيع أي باحث  إنكارَه أن المذهب البوذي مذهب عملي، وهو الجزء الخصب فيه، وينحصر في الأخلاق وإصلاح المجتمع وتخفيف ما فيه من شقاء وآلام، منشأها سيل من اللذات والأماني والرغبات والشهوات.

ولخلاص الإنسان من هذا الشقاء لابد من تجفيف نبعه، وذلك بالقضاء على اللذات والآمال والأماني، ويتم ذلك بِتَرْوِيْض النفس على هجر اللذات جملةً وتفصيلًا، لذا أقام بوذا مذهبه على مجاهدة الشهوات، وترويض إرادة الإنسان في ريعان شبابه على ترك اللذات، والصبر إذا حُرِمَ منها، فلا يصيبه ألم.

ولتحقيق ذلك الهدف وضع بوذا ضوابط إيجابية ونواهي سلبية، يعود جميعُها إلى مجاهدة اللذات وبواعثها، وترويض الإرادة على تركها، فالرذائل منشأها اللذات و الانهماك فيها والدعوة إليها، وجاءت الوصايا العشر تكمل هذا النهج، وتحيطها بسوار محكم.

الوصايا العشر

1-  لا تقتل أحدا، ولا تقض على حياة أحد.

2- لا تأخذ مالًا لم يقدم إليك، فلا تسرق ولا تغتصب.

3- لا تكذب، ولا تقل قولًا غير صحيح.

4- لا تشرب خمرا، ولا تتناول مسكرا.

5- لا تزن، ولا تأت أي أمرٍ يتصل بالحياة التناسلية إذا كان محرما.

6- لا تأكل طعاما نَضُجَ في غير أوانه.

7- لا تتخذ طيبًا، ولا تكلل رأسك بالزهر.

8- لا ترقص، ولا تحضر مرقصًا ولا حفل غناء.

9- لا تقتن فراشا وثيرا، ولا تقتن أرائك فخمة، ولا وسائد،ولا حشايا وثيرة.

10- لا تأخذ ذهبا ولا فضة.

البوذيون المعاصرون

يمكن تقسيم أتباع الديانة البوذية اليوم إلى قسمين رئيسين:

أ- البوذيون الدينيون، الذين أخذوا بالتعاليم السابقة جمعاء، لا يحيدون عنها قيد أُنْمُلَة، لذا ألزموا أنفسهم بأطعمة معينة لا يتجاوزونها، ويحرمون كلَّ شيء سواها، لا يرتدون من الثياب إلا خشنها، رَوَّضُوا أنفسهم على ترك لذات الحياة، فلا يتألمون عند حرمانهم منها.

ب- البوذيون المدنيون وهؤلاء لا يطبقون المنهاج الشاق في حياتهم، بل اختاروا لأنفسهم طريقًا وسطًا بين إفراط غير البوذيين في اللذات و البوذيين الدينيين، ويأخذون من الأخلاق البوذية التواضع والإيثار وحب الفداء والصدق والأمانة والحِلْم والصفاء، ويكتفون بأخذ الوصايا الخمس الأولى من الوصايا العشر، ويعينون إخوانهم المتدينين على الإيغال في مذهبهم، معتقدين أن ذلك يقودهم إلى طريق الخلاص والنجاة.

الفروق الجوهرية بين البوذية والبرهمية

1- تعتني البرهمية بالجانب الإلهي والتقرب إلى المعبود والفناء فيه، بينما تهتم البوذية بالجانب الدنيوي، بتخفيف آلام الحياة ورفع شقائها عن الإنسانية.

2- غاية البرهمي التقرب و الزلفى إلى المعبود، وصرف ما يستحق من عبادة، بينما غاية البوذي ترويض الإرادة على الحرمان، لكيلا تشقى في طلبها فَيَحُزُّ فيها  الامتناع  و الحرمان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply