قضية المرأة وبداياتها في الغرب


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

تعيش أمة الإسلام دوامة فكرية، لا تُعْرِف أولها من آخرها، فكل قادر على الإمساك بالقلم أو غير قادر يدلى بدلوه، فاختلط الحابل بالنابل، فمنهم المتبع، وكثير منهم مقلد مشبوه، خدعه بريق الظاهر فامتنع عليه الوصول إلى الحقيقة، فسار يجري وراء السراب دون أن يدركه.

المرأة نصف المجتمع ـ هكذا يقال ـ وإن قلت ثلثا المجتمع لم أتجاوز الحقيقة، فإن نسبة مواليد الإناث في العالم تسير بهذا المعيار، فهي الأم والأخت والعمة والخالة والبنت وبنت الأخ وبنت الأخت...

وإننا أمة مقلِدة، لا نحسن الاختيار، نظن التحضر ينحصر في كل ما جاءنا ويجيئنا من الغرب، فما حقيقة وضع المرأة في الغرب وما مكانتها الاجتماعية، وهل مساواتها بالرجل في كل شيء حقيقة أو خيال، وهل المساواة جلبت لها الرفعة والصدارة، وهل الرجل الأبيض أنصفها كما يدعي، أو قادها لمآرب أخرى...

وهذا يقودنا إلى كشف خبايا التاريخ الأوربي، ما قبل الثورة الفرنسية 1789 وما بعدها، سياسيًا واجتماعيا ودينيًا واقتصاديا وثقافيًا وعلميًا... فيما يخص قضايا المرأة، حتى نُحَصِّن أنفسنا فيما نقذف به من تُهَم، ونتجهز للدفاع عن موروثنا الإلهي، ونقدم الخير للمرأة أينما وجدت، من منظور يتفق مع فطرتها، لأنه من الإله الذي خلقها على هذه الفطرة، بعد غربلة المشبوه الوارد إلى المسلمين في قضية المرأة.

فما هي الظروف الأوربية التي وَلَّدَتْ قضية المرأة، وهل كان في الإمكان أن تسير بمسارٍ يختلف عما سارت فيه، وهل هناك مُوَّجهٌ خفيٌ وَجَّهها هذا التوجيه؟...؟ 

عاشت أوربا قرونًا مظلمة، تحت ظلم الكنيسة والإقطاع، فالكنيسة سيدة الحل والربط، تنصب من الملوك من تشاء، وتنزع الملك ممن تريد، عامة أفراد الناس في نظرها أصفار إلى اليسار، لا قيمة لهم، ومن خالفها في معتقد من معتقداتها ـ حتى ولو كان هذا المعتقد خرافة ـ فالمطاردة ومحاكم التفتيش تلاحقه حتى الوفاة.

أما الإقطاع فَضَيْعَات واسعة من الأراضي الزراعية لها عبيد وإماء، يملكها فرد، يُعْتبر هو السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية، فمن حقه أن يسلب حياة من أراد من عبيده وإمائه، ومن حقه أن يسلخ جلد من يريد من هؤلاء حقيقة لا خيالًا، ومَثَّلَ هؤلاء العبيد والإماء ما نسبته 94% من مجموع السكان للقارة الأوربية.

ظلم تحمله الأوربيون قرابة عشرة قرون، ممن يُتَوَقَّعُ منه العدل والإنصاف والرفق بابن آدم.

ومن فطرة البشر مج الظلم، ونفيه متى سنحت الفرصة لذلك، فبدأت الأصوات تنتقد الظالمين -الكنيسة والإقطاع- وبدت نُذُرُ الثورة الفرنسية تظهر في الأفق، وتطالب بالإصلاح، وإعادة الأمور إلى نِصابها، إلا أنها لم تجد أذنًا صاغية، ولم تُقَدر غضبَ الجماهير حق التقدير.

فوقعت الثورة الفرنسية عام 1789م، وهي أعظم حدث في تاريخ أوربا على الإطلاق، وأنتجت الثورة مجتمعًا صناعيًا، وأزالت مجتمع الإقطاع، وقام المجتمع الجديد في أحضان اليهود، وذلك بتمويلهم للصناعة، فمادام اليهود هم المُمَوِّلُون للصناعة فلهم الحق أن يصوغوا المجتمع الأوربي، ويصبوه في القالب الذي يريدونه من التصورات والأفكار والسلوك، وبذلك تسلمت هذه الفئة قيادة المجتمع الأوربي،الذي أخذ ينسلخ من دينه، لسوء تصرفات الكنيسة، وظلم الإقطاع الذي باركته منظمة البابا.

وأنتج هَدْمُ الإقطاع، والعمل في الريف عُمالًا صناعيين في المدن، مضطرين لترك عائلاتهم في الريف لغَلاء المعيشة في المدن، وعدم إعطاء صاحب المصنع أجرًا يَفِي بمتطلبات حياة العامل وحياة عائلته، إن أرادَتْ أن تعيش معه في المدينة.

وخرج إلى حيز الوجود ما سمى في أوربا آنذاك (ظاهرة العائلات المتروكة) فصبرت تلك العائلات فترة من الزمن، أملًا في أن يرسلَ لها عائلها مما ادخره من راتبه، ولم يكن المُدَّخَر يَفِي بحاجة العائلة، مما أجبرها على أن ترسل بناتِها للعمل في المصانع، وشجعها على ذلك أن العمل فيها لا يتطلب جهدًا، وإنما هو عبارة عن رفع زر فتدور المكنة أو إرخاء زر فتتوقف المكنة.

فخرجت هذه العفيفة إلى المصانع لطلب العمل، فرحب بها الصناعيون لأنها تلبي حاجتين: 

1ـ متى أضرب العمال عن العمل طلبًا لزيادة الأجور أحلوها محلَّهم، فلا يتوقف المصنع، ولا يخسر الرأسمالي شيئًا من جراء الإضراب.

2ـ تسد حاجة العمال العزاب الجنسية الرخيصة، وشجعها على ذلك شركات الأدوية اليهودية التي أخرجت العديد من الأدوية المانعة للحمل، فرضخت لهذا السُعَار وهي تبغضه أشد البغض.

أضف إلى ذلك أن أصحاب المصانع لم ينصفوها في الأجر، فقد أعطوها نصف أجر الرجل، رغم أن احتياجات المرأة أكثر من احتياجات الرجل، فما يُعَد نافلة في حق الرجل يعد في حقها واجبًا، فأضربت عن العمل للمطالبة بمساواتها بالرجل في الأجر، فلم يسأل عنها أحد، ونصحها الغشاشون بأن المساواة لن يُلَبَّى لها إلا إذا أُقِّر تشريع بذلك من البرلمان، فادخلي البرلمان، وقدمي قضيتك فيه.

وكان الدخول إلى البرلمان يتطلب التعليم، ولم تكن المرأة الأوربية متعلمة آنذاك، فأُقحمت في التعليم المساوي للرجل بغض النظر عن كونه يتناسب مع فطرتها أو لا يتناسب.

تلك هي الخلفية التاريخية لقضية المرأة في أوربا، بدايتها طلب المساواة بالرجل في الأجر، أما ما انحدرت إليه أو تنحدر فيه كل يوم دون العودة إلى ما يتلاءم مع فطرتها، وما لا يتلاءم مع فطرتها، فأمر لا يَهُمُّ المخططين في شيء، بل هَمُّهم الوحيد أن تكون في متناول اليد في كل مكان.

وسيكون حديثنا التالي عن تعليمها، وكيف عبثوا بها حتى أقنعوها وَهْمًا أن تحارب فطرتَها بنفسها.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply