آراء نحاة الكوفة فى كتب القراءات


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

آراء نحاة الكوفة فى كتب القراءات السبع  وعللها جمعاً ودراسة وتقويماً

رسالة تقدم بها الباحث أيمن غباشى محمود  لنيل درجة العالمية « الدكتوراه » من جامعة الأزهــر- كلية اللغة العربية بالزقازيق قسم اللغويات بإشراف الأستاذ الدكتور / الأستاذ الدكتور أحمد العزازي و الأستاذ الدكتور  عبد الله الزنكلوني، وفيما يلي عرض لهذه الرسالة:

المقـــدمة

اللغة العربية لها قيمة كبيرة لا تتمثل فقط فى أنها وسيلة التعبير الوحيد للأمة العربية ، وفى أنها تعد الآن واحدة من كبريات اللغات فى العالم ولكن لأنها أولاً وقبل كل شيء لغة القرآن والدين ، ولها فى حياة الناس الأثر البالغ فى قضاء المآرب وتحصيل المنافع دينا ودنيا؛ لأنها وسيلة التفاهم والتحاور، واختلاف الألسنة كاختلاف الأشكال والألوان والأنواع آية من آيات الله فى الكون قال جل شأنه ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لّلْعَالَمِينَ﴾ . لآية 22 سورة الروم

 

واللغة العربية لها اعتزازها الخاص؛ لأن الله سبحانه وتعالى اختارها لتكون وعاءً لآخر تشريعاته إذ هى لغة القرآن الكريم التى بها نزلت من فوق سبع سماوات هذا الكتاب الذى يؤمن به كل مسلم ويعتز به كل غيور على دينه، كما أنها لسان التشريع الإسلامي العظيم ، وتعلمها والمحافظة عليها فرض كفاية على أبناء المسلمين، ففى تعلمها والمحافظة على أصولها وقواعدها حفظ وصيانة للقرآن الكريم وللدين الإسلامي وتعاليمه السمحة ، ومن ثم فإن اللغة العربية تعد من أوسع اللغات وأغناها وأدقها تصويرا وأوسعها مذهباً ، وسعت جميع الأغراض التى تناولها البشر ولم تضق ذرعاً بجميع العلوم والفنون(1)  خاصة علم النحو والصرف ، وقد تعددت فيه المذاهب النحوية ، ما بين (بصري) و (كوفي) (وبغدادي) يميل إلى الكوفة و(بغدادى) يميل إلى البصرة ، و( أندلسي) ، وكانت كل من البصرة والكوفة مركز النشاط العلمى لعلوم اللغة العربية، فقد تكفلت البصرة بالعناية بالنحو منذ نشأته حتى استوى على سوقه وأصبح خلقا سويا.

وقد مر وقت طويل ولم تنل الكوفة حظاً من علم النحو كذلك الحظ الذى حققته البصرة لنفسها ، فقد سبقتها البصرة فى هذه الصناعة بما يقرب من مائة عام كانت الكوفة خلالها منشغلة بتدوين الحديث وأخبار العرب وقراءة القرآن وتفسيره، ولعل هذا هو السر فى أن البصرة قد أحكمت صناعتها وحذقت فيها حذاقة كانت السبب فى أن قواعدها أكثر عمقا وتدقيقاً من قواعد نظيرتها الكوفة كما يرى الكثيرون ، لكن رغم ذلك بعد هذه المدة الطويلة وتمرسها فى علم الحديث وتدوينه تمرساً طويلا استطاعت أن تشق طريقها فى عالم النحو فتعوض لنفسها ما قد فاتها من هذا العلم.

فقد استطاع الكوفيون أن يقفوا على أرجلهم ويصبحوا نداً لحاضنة النحو ومنشئته حتى وجدنا العلماء فيما بعد ينسبون إليها مذهباً خاصاً اعتبر هو ومذهب البصريين من أكبر المذاهب التى احتضنت هذا العلم وتكلمت فيه.

وعلماء الكوفة الأوائل قد عبوا من نحو البصرة ما أنار لهم الطريق وعلى رأسهم الكسائى وهذا ما جعل للكوفة فيما بعد طريقها ومنهجها فما أن تسامعت الأمصار بما عليه البصرة من تقدم فى هذا المضمار حتى وجدنا أهلها يتسابقون إلى العلماء الذين تصدوا مساجد البصرة يعلمون فيها النحو ويبسطونه لمن يريده ، فالكسائى نفسه لم يكن نحوه ليخلص من تأثير البصريين فيه، إذ كان يعتمد على كثير من آرائهم واتجاهاتهم وفى كتب النحو كثير من الموافقات، ولعل هذا شأن كل النحاة من غير البصريين وأهل العربية سواء أكانوا فى البصرة أم فى الكوفة. إنما أخذوا النحو من معاهد البصرة وقد كان للبصريين كتبهم الكثيرة فى النحو.

ولم يشأ أن يكون للكوفة كتاب نحوى جامع شامل يدرس أبواب النحو ومسائله على شاكلة كتاب سيبويه أو كتاب المقتضب للمبرد، أو الأصول لابن السراج أو غيرها من الكتب، وإنما كانت آراؤهم متناثرة فى بطون الكتب.

 

ومن ثم فإنه لابد من الرجوع إلى المصادر الأصلية التى تبنت آراءهم وذلك من خلال كتب علل القراءات السبعة التالية:

أولاً: كتاب إعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه

ثانياً: الحجة فى علل القراءات له أيضا

ثالثاً: الحجة فى علل القراءات السبعة أئمة الأمصار لأبى على الفارسى

رابعاً: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحجتها لمكى بن أبى طالب وغير ذلك من الكتب التى عنيت بعلل القراءات السبع هذا ومن فضل القرآن الكريم على سائر الكتب السماوية أنه أنزل على أحرف متعددة وقراءات مختلفة تيسيراً على الأمة ورحمة بها ولما كان الأساس فى فهم هذه الأحرف وتذوق تلك القراءات هو توجيهها ومعرفة مواقع الإعراب استخرت الله - تبارك وتعالى - فى عمل دراسة نحوية وصرفية أقوم فيها بجمع آراء النحويين الكوفيين ، وليس القراء ، من تلك الكتب التى لها صلة وثيقة بالقراءات فوليت وجهى شطر القراءات؛ لما لهما من أهمية عظمى ، فهى فوق حفظها وصيانتها للقرآن الكريم وثيقة تاريخية يطمئن إليها كل مسلم لأنها تصور اللغة من جميع نواحيها وقد وقع اختيارى بعد اختيار الله عز وجل على أن يكون. آراء نحاة الكوفة فى كتب القراءات السبع  وعللها جمعاً ودراسة وتقويماً موضوعاً لنيل درجة العالمية « الدكتوراه »

 

سبب اختيار الموضوع:

يرجع سبب اختيار الباحث لهذا الموضوع ما يلي:

أولاً: لما كان القرآن الكريم وقراءاته لهما منزلة عظيمة استخرت الله عز وجل فى عمل دراسة تتصل بكلام الله عز وجل فقمت بجمع آراء نحاة الكوفة من كتب القراءات السبع وعللها.

ثانياً: الرغبة الشديدة فى القيام بدراسة نحوية وصرفية تتصل بكتاب الله عز وجل وبخاصة كتب علل القراءات وأراء الكوفيين فيها.

ثالثاً: النحو الكوفى لم يكن له حظ كبير كالنحو البصرى فقمت بجمع آراء الكوفيين النحويين ودراستها وتقويمها.

رابعاً: المذهب الكوفي النحوي يبنى عليه كثير من وجوه القراءات والروايات  عن الفصحاء والبلغاء لذا آثرت كتب علل القراءات السبع.

منهج الدراسة:

أما عن المنهج الذى سار عليه فى الدراسة فكان على النحو التالي:

أولاً: قمت بجمع آراء نحاة الكوفة، كالكسائي والفراء وثعلب وابن الأنباري وغيرهم من النحاة الكوفيين، أو عندما يذكر رأى الكوفيين كقولهم: قال الكوفيون  وذلك من خلال الكتب التى اهتمت بعلل القراءات السبع وهى التي اعتمدت عليها آنفا.

ثانياً: وضع  عنوان مناسباً للنص الذي نقله الباحث  من كتب القراءات التي اعتمد عليها.

ثالثاً: اختصر الباحث النص واكتفى بما له علاقة بالرأي أو النص.

رابعاً: كل مسألة أبدأ فيها برأى الكوفة.

خامساً: وثق الباحث الآراء الواردة فى المسألة مع نسبتها لأصحابها والتعليق عليها بذكر آراء النحاة حول المسألة وإعطاء صورة واضحة عنها وإبراز مواضع الخلاف فيها.

سادساً: خرج الباحث الآيات القرآنية من المصحف بذكر سورها وأرقامها مع ضبطها بالشكل.

سابعاً: خرج الباحث القراءات القرآنية الواردة فى النص من كتب القراءات السبعة المتواترة وبدأ بالأقدم.

ثامناً: خرج الباحث الأحاديث الواردة من كتب الصحاح كالبخاري ومسلم والموطأ وغيرها من كتب المسانيد.

تاسعاً: خرج الباحث الأبيات الشعرية ونسبتها لقائليها من خلال الدواوين أو من خلال المصادر التى عنيت بهذا الأمر كما شرح  غريبها ونسبتها إلى بحورها العروضية، كما قام بضبط الأبيات ضبطا حرفيا؛ لأن المعنى دائما يكون متوقفا على ضبط البيت ، كما أحلت القارئ على مصادر متنوعة للبيت؛ لأن المصادر جزء من المسألة المدروسة ثم بينت الشاهد فيها.

عاشراً: قام  الباحث بالترجمة للأعلام غير المشهورين الذين تعرضت لهم فى المسألة من خلال كتب التراجم.

حادى عشر: قام  الباحث بتخريج الأمثال العربية من المصادر المعنية بهذا الأمر كمجمع الأمثال للميدانى والمستقصى وغيرهما.

ثانى عشر: قام  الباحث  بوضع خلاصة للمسائل التى تناولتها مع ذكر الرأى الراجح فيها.

مكونات الدراسة:

تم تقسيم الدراسة البحث إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة، وذيلت البحث بفهارس فنية:

أما المقدمة: فتحدث الباحث  فيها عن أهمية الموضوع وأسباب اختياره له ثم خطته في البحث والدراسة والمنهج الذي سار  عليه.

وأما التمهيد: فتحدث الباحث فيه عن القراءات والأحرف السبعة والقراء السبعة وأشهر رواتهم.

وأما الباب الأول فعنوانه " نحاة الكوفة وكتب علل القراءات " ويتكون هذا الباب من فصول أربعة:

الفصل الأول " نحاة الكوفة فى كتب علل القراءات"

الفصل الثاني " التعليل وكتب القراءات السبع ومنهج كل عالم"

الفصل الثالث : "المصطلحات الكوفية الواردة فى البحث "

الفصل الرابع: "الأصول النحوية عند الكوفيين"

وأما الباب الثانى فعنوانه " الآراء النحوية الكوفية فى كتب علل القراءات السبع"

هذا وقد قام  الباحث  بعون الله تعالى بتصنيف المسائل حسب ورودها فى ألفية ابن مالك ، وقد نظمها الباحث  على النحو التالي:

- أصـل ضميـر المتكلـم المنفصــل.

- ضـميـر الفـصـل والعمـــــاد.

- دخول الألف واللام على الأعلام للمدح.

- خــلاف النحـاة  فى أصل " الآن" وعلة بنائه.

- رافـــع المبتـــــدأ والخبـــــــر.

- مـجــيء " كــان " بـمعنـــى  صـــار.

- تخفيف " إن " المكسورة ، وحكم عملها بعد التخفيف.

- تخفيف " أن " المفتوحة ، وحكم عملها بعد التخفيف.

- جــواز تـذكيــر الفعــل وتـأنيثـــه.

- موضـع " أَنْ " و" أَنَّ " بعـد حـذف حـرف الجـر.

- المفعـول معـه وإضمـار الفعـل بعـد الواو.

- العـامـل فـــى المـستـثـنــــــى.

- وحكـم المستثنى بعـد الاستثنـاء التـام المنفى .

- " غيـر " الاستثنـائيــة والوصــف بهـــا.

- وقـــوع الفعـل الماضـى حـالاً دون " قـد "

- إضــافة المـوصـوف للصفــــــــة.

- اكتســـاب المضـاف التذكير من المضاف إليه.

- إضــــافة الـزمان إلـى غيــر المتمكــن.

- بناء " مثل " وأشباهها مع ما الزائــدة على الفتــح.

- الفصل بين المضاف والمضـــاف إليــــه.

- كسر " ياء " المتكلم المضاف إليها جمع المذكر السالم.

- عمـــــل المصـــــدر المنـــــون.

- الوصـــــف بالمصــــــــــــدر

- تقــــدم النعــــــت علـى المنعــوت.

- الــــواو الــزائـــــــــــــدة.

- واو العطـــــف والاستئنــــــــاف.

- العطـــــف علـى الضميــــر المجرور.

- الجــر علــى الجــوار فــى العطــف.

- حـــــــذف المنـــــــــــادى.

- ]ويكــأن[ بيــن البسـاطة والتـركيـب

- صــــرف  مـــالا ينصـــرف.

- منــع الاســم المصروف من الصرف.

- واو الصـــــــــــــــرف.

- العطـــف علــــى المحـــــل.

- الفصل بين أن المصدرية والفعل المضارع.

- هـــل تـأتى أن المفتوحة أداة شــرط.

- مجـيء ما شرطية وحذف التاء فى جوابها.

وأما الباب الثالث فعنوانه " الآراء الصرفية الكوفية فى كتب علل القراءات السبع" وقد قام  الباحث  بدراستها وترتيبها حسب ألفية ابن مالك وذلك على النحو التالي:

_قـصـــــــــر الـمـمــــــــــدود.

_الجـمـــــــع الـسـمــــــــــــاعي.

_مــن أبنيــة القـلــة وزن أَفْعَـال والكثـرة فعـل.

_مــن أبنيــة جمــوع الكثــرة وزن  فعــــل.

_مــن أوزان الـكـثـرة فـعـلـــــــــــه.

_الـوقـــف علـى التـــاء فـى يــا أبــــت.

_بــــاب فـعـــــــل يـفـعــــــــل.

_التخلــص مـن إلتقـاء الساكنيــن بالضــــــم.

_هــل يجـــوز الجمـع بيـن سـاكنين فـى  الدرج.

_الاتباع فى حركة همزة الوصل ، وجواز نقلها إلى ما قبلها .

_إعـــــــلال دنيـــــــا وقصـــــوى.

_أصــــــل ميــــــــت ووزنــــــه.

_أصــــــل آيـــــــــة ووزنهـــــا.

_حــــــذف الهمـــــــزة تخفيفــــــا.

_جــــــواز الفــــــــك والإدغـــــام.

_حــذف إحـدى التـاءين مـن أول المضارع تخفيفـا.

هذا.. وقد انتهت  الدراسة بخاتمة ذكر فيها الباحث  أهم ما توصل  إليه من نتائج ثم ذيل  البحث بفهارس فنية.

 

نتائج الدراسة:

توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:

أولاً: القراءات السبعة: هي التي جمعها ابن مجاهد فى كتابه « السبعة فى القراءات » وقد ارتضى العلماء الذين جاءوا بعده ما فعله وأقروا اختياره ، والسبب فى إجماع العلماء على هذه القراءات السبع هو كثرة أهل الأهواء ، وأصحاب البدع الذين يقرؤن بما لا تحل قراءته تاركين المصحف الإمام.

ثانياً: بينت أن القراءات هى الأحرف، والأحرف السبعة: هي التي جاء بها الحديث الشريف بالإشارة إليها فى قول النبى صلى الله عليه وسلم ﴿إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه(2) فكل ما صح سنده، ووافق وجهاً من وجوه النحو، ووافق خط المصحف فهو من السبعة الأحرف المنصوص عليها فى الحديث الشريف.

ثالثاً: شغلت القراءات القرآنية أذهان النحاة منذ نشأة النحو وذلك؛ لأن النحاة الأول الذين نشأ النحو على أيديهم كانوا قراء كأبى عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر الثقفى ، ويونس والخليل ولعل اهتمامهم بهذه القراءات وجههم إلى الدراسات النحوية ليلائموا بين القراءات والعربية ، وبين ما سمعوا ورووا من القراءة وما سمعوا ورووا من كلام العرب.

رابعاً: تحدث الباحث عن القراء السبعة وأشهر رواتهم؛ لأن القراءة كانت لا تخرج عن واحد من هؤلاء السبعة.

خامسا: بين  الباحث  أن قضية التعليل فى كتب القراءات السبعة تعد من أهم القضايا ، فما من رأى كوفى يذكر إلا ويعلل النحاة له، حيث لا يمكن إثبات الحقائق وتقرير القواعد والمبادئ التى يقوم عليها صرح أى علم من العلوم إلا عن طريق التعليل.

سادسا: كثرت المصطلحات الكوفية فى كتب علل القراءات ومن ذلك:

مصطلح العماد، والمرافع، والخفض، والنعت، والنسق، والخلاف، والإجراء، واو الصرف.

سابعا: استخدم الكوفيون الأصول النحوية وبنوا عليها كثيرا من قواعدهم وذلك كالسماع والقياس وغيرهما.

ثامنا: استشهد الكوفيون بالحديث النبوى الشريف فى إثبات القواعد النحوية والصرفية.

تاسعا: أسهم نحاة الكوفة بشكل متميز فى تطور الفكر النحوى الصرفى فقد حوت كتب علل القراءات كثيرا من آرائهم من حيث الاختلاف، أو التأثير والتأثر وذلك على النحو التالى:

أ- اختلف البصريون والكوفيون فى كثير من المسائل النحوية والصرفية ولم يرجح فيها رأى فقمت بالترجيح ومن ذلك: ما تعرض له مكى فى أصل ضمير المتكلم المنفصل(أنا) فقال: والألف زائدة عند البصريين والاسم المضمر عندهم الهمزة والنون وزيدت الألف للتقوية، وقيل زيدت للوقف لتظهر حركة النون. والاسم عند الكوفيين (أنا) بكماله.

والذى يراه البحث من الخلاف السابق بين البصريين والكوفيين حول أصل ضمير المتكلم المنفصل (أنا) هو رأى الكوفيين وهو (أنا) بكمالها هو الاسم؛ لأننا لو قلنا (أن) لوقعنا فى اللبس بينها وبين (أن) المصدرية أو المخففة. يضاف إلى ذلك: أنها قد وردت فى القراءات القرآنية، ولا سبيل إلى تأويلها، هذا وقد اختار ابن مالك رأى الكوفيين.

ب- اختلف البصريون والكوفيون فى كثير من المسائل النحوية والصرفية وقد رجح رأى الكوفيين فى بعضها ومن ذلك ما تعرض له ابن خالويه فى مسألة (تخفيف إن المكسورة وحكم عملها بعد التخفيف) عند قوله تعالى ﴿ وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم (3) فقال: والكوفيون إذا خففوا (إن) لم يعملوا فعلى هذا نصب (كلا) بـ( ليوفينهم) واستشهدوا على صحة ما ذهبوا إليه. قال ابن الأنباري: والأصح عند الباحث مذهب الكوفيين.

جـ- تأثر الكوفيون بالبصريين فهاهو الرؤاسى الذي يعد علما من أعلام الكوفة الأوائل يروى عنه فى مسألة (منع الاسم المصروف من الصرف) أنه سأل أبا عمرو عن إجراء (سبأ) فقال لست أدرى ما هو: والعرب تترك إجراء الاسم المجهول.

قال الفراء: وزعم أبو جعفر الرؤاسى أنه سأل أبا عمرو فقال لست أدرى ما هو وقد ذهب مذهب تركوا إجرائه.

وفى مسألة: (مجيء أن أداة شرط وحذف الفاء فى جوابها) روى أيضاً أن الرؤاسى سأل أبا عمرو بن العلاء عن الفاء فى قوله "فقد جاء أشراطها" فقال: جواب الجزاء وإن تأتهم بكسر الهمزة وهى بسنة واحدة فى مصاحف الكوفيين ولم يقرأ بها أحد منهم.

تأثر الكسائى برأى الخليل

ففى مسألة: (موضع أن وأن" بعد حذف حرف الجر) ذهب الكسائى إلى أن (أن) فى موضع جر بإضمار حرف الجر، ولكثرة حذفه مع أن فكأنه ملفوظ به، فحسن عندهم عمله وهو محذوف وهذا القول نسب إلى الخليل. وعند الكوفيين أنها موضع نصب بعد حذف حرف الجر.

هذا: وقد خالف الفراء أستاذه الكسائى فى المسألة السابقة الذكر فقد ذكر أن موضع أن وأن نصب مخالف بذلك الكسائي.

عاشرا: خطأ الفراء بعض القراءات القرآنية ورماها بالوهم والقبح

ففى مسألة: (كسر ياء المتكلم) فى قوله تعالى:﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيّ (4) قال: وقد خفض الياء من قولهم "بمصرخى" الأعمش ويحيى بن وثاب جميعاً ولعلها من وهم القراء.

وفى مسألة: (العطف على الضمير المجرور) رد القراءة فى قوله:﴿بِهِ وَالأرْحَامَ(5) بجر الأرحام قال حدثني شريك بن عبد الله عن الأعمش عن إبراهيم أنه خفض "الأرحام" قال هو كقولهم: بالله والرحم. وفيه قبح؛ لأن العرب لا ترد مخفوضا على مخفوض وقد كنى عنه وإنما يجوز هذا فى الشعر لضيقه.

حادى عشر: وكما رد الفراء بعض القراءات ورماها بالوهم والقبح كذلك غلطه البصريون فى بعض آرائه.

ففى مسألة: (غير الاستثنائية والوصف بها) أجاز الفراء : "ما جاءنى غيرك" بالنصب وأنشد لذلك حجة . قال البصريون: غلط الفراء – رحمه الله – لأن غير هاهنا إنما فتحت لأنها بنيت مع أن.

ثانى عشر: حسن وعضد ولحن وغلط ابن خالويه ما يترآى له من آراء ومن أمثله ذلك:

- فقد حسن رأى الكوفيين فى التعليل الذى ذكره ثعلب فى تذكير الفعل فى قوله تعالى﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ (6) قال ومن أنث : قال النسوة جمع قليل والعرب تقول: (قام الجوارى) إذا كن قليلات، (وقامت) إذا كن كثيرات وهذا مذهب الكوفيين.

فقيل لثعلب لم ذكر إذا كان قليلاً ؟ فقال: لأن القليل قبل الكثير، كما أن المذكر قبل المؤنث فجعلوه الأول للأول. وهذا لطيف حسن.- وعضد رأى الفراء فيما ذهب إليه من جواز الإدغام فى قوله تعالى﴿ وَيَحْيَىَ مَنْ حَيّ عَن بَيّنَةٍ (7) ولحن البصريين فيما ذهبوا إليه.

- وغلط الكوفيين فى مسألة " الإتباع فى حركة همزة الوصل وجواز نقلها إلى ما قبلها" فقال فى قوله تعالى:﴿أَنِ اقْتُلُوَاْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ(8) قال أهل الكوفة: إنما حركوا بالضم إتباعاً لضم التاء والراء وذلك غلط؛ لأن ألف الوصل تسقط مع حركتها ولا تنقل حركتها. ولكن الحجة لمن ضم عند البصريين أنهم كرهوا أن يخرجوا من كسر إلى ضم ، فضموا ليتبعوا الضم الضم كقولك: (ادخل) و(اخرج).

ثالث عشر: جوز أبو عمرو ويونس والكوفيون اجتماع ساكنين وذلك إن كان الساكن الثاني غير مشدد واستدلوا بقراءة نافع﴿ وَمَحْيَايْ (9)

رابع عشر: فى مسألة حذف إحدى التاءين تخفيفاً من أول المضارع.

ذكر ابن خالويه نصين مختلفين فى ذلك ناسباً فى الحجة رأى سيبويه لهشام الكوفي ، ورأى هشام لسيبويه ، وفى إعراب القراءات السبع له كانت النسبة هى الصحيحة لأن الباحث أثبت ذلك في الدراسة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

([1]) - ينظر من ظواهر التوسع فى اللغة ظاهرة التقارض. للأستاذ  الدكتور/ أحمد الزين على العزازى ص 3 الطبعة الأولى 1414هـ، 1993 م والفصول والفروق عند النحاة ص3 للأستاذ الدكتور / أحمد الزين على العزازى الطبعة الأولى 1413هـ ، 1993.

([2]) - بخارى – ك – الخصومات - باب فضائل القرآن - وفتح البارى 5/ 33 رقم 5419

([3]) - هود 111

([4]) - إبراهيم 22

([5]) - النساء 1

([6])- يوسف 30

([7]) - الأنفال 42

([8]) - النساء 66

([9]) - الأنعام 162

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply