إدراك العلم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لو نريد التكلم عن العلم كمنهاج السير في حياتنا، و هذا هو في تصوري مبتغى وجوده، فنحن بني البشر في هذا الكون، لنا ميزة لا نلاحظها في المخلوقات الأخرى التي تعيش معنا. ألا و هي ميزة التدبير والتسيير و لهذا تزودنا بدليل فيه، "إلزامية التطبيق و المكافئة" لا يعقل بتاتا أن نسير في الحياة هكذا بدون أي توجيه ولا معلومات، و إلا نلتحق بالمخلوقات الأخرى. و من ثم يكون محتوم علينا استعمال ما حولنا بواسطة هذه الميزة باستخدام الدليل و هذا ما تسير عليه حياتنا بصفة عامة.

فبقدر ما التزمنا بهذا الدليل، كوفئنا و بقدر ما تكاسلنا عليه عوقبنا. فهذه المكافئة أو العقوبة مرتبطة بالميزة الممنوحة لنا بدون المخلوقات الأخرى. فكيف حينئذ نسير على منهاج هذا الدليل و مدى الالتزام به و معرفة تعاليمه ؟. لو نتأمل قليلا في أنفسنا و ما حولنا لأدركنا، أن كلما أخذنا سبيل التعلم أو العلم، أننا لا نستطيع الإحاطة بمغزاه ولا مفهومه ولا مبتغاه و إذا أخذنا مسلكه ما وصلنا إلى منتهاه ، إلى أن يرث الأرض و من عليها. يا ليتنا ما تحملناه،  [إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] - الأحزاب 72، إنها عظمة العلم و قدسيته و أهميته و أولويته في هذا الكون و ما أدراك الأمانة و ما أدراك التكليف و ما أدراك الخلافة.

 

لو وصلنا إلى الحقيقة التي يتقبلها العقل البشري و المفروضة والمقبولة منطقيا على حسب مقدار عقولنا، أننا جئنا من العدم بسبب أب و أم، و العلم جاء لنا كمنهاج يسيرنا، إذا أخذنا به سعدنا و إذا بعدنا عنه تعسنا. فلا يحق لنا الكلام في أمور موجودة من حولنا و تفوق طاقة عقلنا فتتعبنا و تشغلنا عن منهاجنا الأصلي. لهذا أعتقد، أن الأدوات الممنوحة في هذه الميزة (العقل) لا تسمح لنا أن نصل إلى الشمولية المطلقة. فيجب علنا البحث و الاجتهاد في المقاييس الكفيلة الممنوحة لنا وبتعاليم الكتاب و السنة أي الدليل.

باسم الله" هذه الجملة التي هي الجوهر و المفتاح الوحيد الذي يسير بها الإنسان في الكرة الأرضية بأسرها وحتى خارجها إن وصل ذات يوم إلى التجول بعيدا في هذا الكون. ألم يكفي كل ذو ميزة منا، أن ما أمر به مسير هذا الكون، لبني البشر في بداية تعاليمه " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ "، لنتأمل في هذه السورة كم من فعل أمر "أقرأ" فيها. و لهذا بات و أصبح من الضرورة الملحة ترتيب الأمر على حسب ما يمليه الدليل لا على ما أرادت أهوائنا فعله بدونه، فتكون نهاية عاقبتها عرجاء و عقابها وخيم.

 

فكيف يا ترى نتعلم العلم و نفرقه مما سواه؟ الكثير منا يرى أن تحصيل العلم هو عن طريق الدراسة بمفهوم عصرنا الحالي ربما هذا مرتبط بتطور العالم المعاصر. لكن هذا الدليل أنزل في بيئة خالية من أدنى وابسط الإمكانيات و على رجل اختاره الله أميا لا يعرف لا القراءة و لا الكتابة و في مكان لا تجد فيه أي شيء. بل هو التحصيل في الصدور، أكيد أن كيفية التعلم أو كيف نستعمله لنسير حياتنا تتطلب نظرة أكثر شمولية مع الانتباه الجيد و الإدراك لما نتعلم و ما يفيدنا و يحمينا و يسعدنا. ولهذا يجب علينا الالتزام و العمل به أكثر فأكثر، وإلا يكون العمل أبترا،  فالأخذ به لا يتطلب منا جهدا، و مما يلفت الانتباه أن هذا الدليل الذي بواسطته تسير حياتنا البشرية نأخذه بأبسط صورة في أي مكان و زمان و وضعية نكون فيها. المشكلة في النهاية هي أننا ملزمون بالأخذ به وإلا سيكون العقاب.

 

قول أهل الدراية و البصيرة من سمات العلم النافع، الخشوع والعمل المفيد و الورع و المزكِّي للقلوبِ و الأرواحِ و الاعتقاد الجازم المطابق للواقع. لابد أن نفرق بين الأمرين، فالعلم النافع هو الدليل المقدس الذي تسير به البشرية كاملة متكاملة لا ريب فيه ولا تحويل ولا تبديل منزل للبشرية لتسيير حياتها، قال تعالى"الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ" - البقرة(2) أما الأمر الثاني فهو اجتهاد المخلوق في البحث في المخلوقات المجودة من حوله و هذا غالبا ما يكون منقوصا لأنه اجتهاد فقط من تطور الإنسان و تطلعه للأحسن و هو مفيد للإنسانية إذا لم تبتعد عن الدليل، يقول قائل كيف يمكن إن لم نخبز أو نحصد أو نزرع أن نعيش مثلا ؟ العلم النافع يرشدك لأخذ الاجتهاد في الأسباب أما معيشتك موجودة طول حياتك لم تنقصها ذرة و هي مخلوقة من أجلك. ويقول عز من قائل (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)- الكهف (7)، فعلى حسب اجتهادك تكون النتيجة إذا استعملت العلم نافع نجيت و سعدت وإن ابتعدت عنه تعست.

لنرى و نعتبر في حالنا اليوم مثلا، جائحة الكورونا 19 و ما أكثرها في تاريخ الإنسانية، أن كل العلوم الوضعية التي اجتهدت فيها البشرية لم تغنيها من لله شيئا ربما لأنها ابتعدت على الدليل و العلم النافع و الخروج على طاعة الخالق. و كأن هذه الظاهرة تنبه الإنسان إلى إعادة النظر في الاجتهاد والتطور في الحياة، و في النهاية لا يفلح إلا من سلك منهاج الدليل المرسوم لنا. و لهذا فرض علينا إدراك العلم و العمل به. ومن باب مخاطبة الذات بتأني و في وحدانية و طمأنينة، نجد العلم النافع وكأنه أكسيجين نتنفسه في كل وقت و في كل عمل صالح أو نتلقاه ينفعنا في حياتنا اليومية، أما الاجتهاد فذلك العلم الذي تهيئ له الأسباب من المادة والبحث عنه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply