‏التوجيه في علوم الإسلام


 ‏ بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يستعمل الفقهاء والنحاة والأصوليون ما يسمى بـ (التوجيه).

‏وهو: إبداء الوجه المناسب الذي أُخذت منه المسألة.

‏وهو مقاربة اجتهادية، تختلف فيها الأنظار

‏والنقد الوارد على صاحبها ليس إبطالاً لما اقترحه، وإنما مقاربة مماثلة تقترح الأخذ بالأقرب والأولى مما أبداه.

‏ويمكن أن نضرب لذلك أمثلة:

-في الفقه:

‏ما ذكره الجويني رحمه الله في التيمم: "الغرض من التيمم إدامة الدربة في إقامة وظيفة الطهارة.

‏فإن الأسفار كثيرة الوقوع في أطوار الناس، وإعواز الماء فيها ليس نادرا، فلو أقام الرجل الصلاة من غير طهارة ولا بدل عنها، لتمرنت نفسه على إقامة الصلاة من غير طهارة ‏والنفس ما عودتها تتعود.

‏وقد يفضي ذلك إلى ركون النفس إلى هواها، وانصرافها عن مراسم التكليف ومغزاها"

‏[البرهان: ٢/ ٩١٣]

-في النحو:

‏ما ذكره بعض النحاة تفسير ظاهرة المنع من الصرف: أن الاسم الممنوع من الصرف لما شابه الفعل في بعض الحالات، حُذفت منه علامة تمكّنه: التي هي التنوين.

‏وهذا المعنى نظمه أحد علماء شنقيط وهو (المرابط اتاه يحظيه بن عبد الودود) رحمه الله، فقال: إبداءُ ما ناسب لا الإثباتُ لثابت الأحكام (توجيهاتُ)

‏وقد ذكر الخليل بن أحمد فيما نقله عن الزجاجي كلاماً شبيهاً بممارسة الفقهاء:

حيث سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو، فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فقال الخليل:

"إن العرب نطقت علی سجيّتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه.

فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمستُ، وإن تكن هناك علّة له فمثلي في ذلك:

كمثل رجل حكیم دخل داراً محكمة البناء، عجيبة النظم و الأقسام، وقد صحّت عنده حكمة بانِيها بالخبر الصادق أو البراهين الواضحة والحجج اللائحة فكلّما وقف هذا الرجل في الدار علی شيء منها، قال: إنما فعل هذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا وكذا سنحت له وخطرت بباله، محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة.

إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت به" [الإيضاح ١/ ٦٦]

‏ويشبه التوجيه في عصرنا ما يسمى في علم القضاء والجنايات بـ(شهادة ذوي الخبرة) !

‏فإن الطبيب الشرعي مثلاً إذا طلب رأيه في قضية قتل، فإنه لم يشهد حادثة القتل.

‏لكنه يستطيع أن يحدد كيف قتُل؟ وبأي وسيلة قتل؟ ومنذ متى قُتل؟ ... الخ فإن كلامه ليس كآحاد الناس، لما قام به من الخبرة والدربة.

‏فكذلك علماء الإسلام فيما يخبرون به عن علومهم

‏على المستوى الإجمالي بابتكار علوم مستقرأة (مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية) أو قواعد علمية داخلية (كقاعدة المشابهة في النحو) أو آراء جزئية تفصيلية كما مثلنا بعاليه، أو ما يحكم به نقاد المحدثين على الأحاديث بمحض الملكة .. فإن رأيهم ليس كآحاد الناس بل شهادة الخبراء

والله أعلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply