فيلم الترمينيتر وتاريخ التحولات الفكرية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فيلم الترمينيتر (المدمر) وتاريخ التحولات الفكرية والاجتماعية... بداية من الابن المخلص المنتظر ونهاية بالنسويَّة!

فيلم (The Terminator) فيلم أمريكي في الخيال العلمي والحركة والإثارة، أخرحه جيمس كاميرون، وكانت أول حلقة منه قد صدرت عام ١٩٨٤م، ثم تتابعت عدة حلقات منها، حتى آخر حلقة، والتي كانت في عام ٢٠١٩م، وهي السادسة.

الفاصل الذي يفصل بين عامي ١٩٨٤م و٢٠١٩م ليس فاصلاً زمنيًا بمقدار ٣٥ عامًا فقط، بل الفاصل في الحقيقة والواقع هو تحولات كبيرة جدًا في مجالات الفكر والأخلاق والقيم والدين، حيث شهد ضمور مساحات سابقة كانت ثابتة ومستقرة وواسعة، وظهور وتمدد مساحات جديدة مناوئة وغريبة.

الجزء الأول من فيلم الترمينيتر الذي صدر عام ١٩٨٤م، كان تجسيدًا لفكرة الرجل البطل المخلص، الذي سيقود البشرية نحو مقاومة الشر المدمر، المتجسد في تقنية الآلات الحديثة التي تشب عن الطوق بذكائها الصناعي، وتستقل عن هيمنة الإنسان، لتنقلب عليه قتلاً وإبادة، وتسيطر على الأرض.

كانت القيادة في المقاومة البشرية بزعامة شخص اسمه جون كونور، ولهذا يلجأ الذكاء الصناعي للآلات المدمرة إلى الاقتناع بأن القضاء على المقاومة البشرية لن يتحقق إلا بقتل هذا القائد البطل الرمز: جون كونور، فبدون هذا الرجل الرمز سيكون مكتوبًا على المقارنة الفشل الذريع والموت المحتوم.

ولأنها آلات في غاية الذكاء، ولم تستطع قتله أثناء اندلاع المقاومة المستقبلية، فلهذا قررت الآلات إرسال رجل آلي قاتل محترف من نوع متطور إلى الماضي من أجل أن يقتل والدة قائد المقاومة، وهي سارة كونور، وبذلك يمنع ولادة ووجود المخلص القائد المنتظر، وذلك بقتل الرحم الذي سيحمل به وسيلده.

المقاومة البشرية لم تقف مكتوفة الأيدي، بل أرسلت رجلاً شجاعًا لينقذ أم المخلص الفادي قائد المقارمة البشرية في المستقبل، وبالفعل ينجح هذا المحارب والبطل الصنديد، وهو رجل طبيعي لا يحتاج إلى أي تعديل جسدي أو آلي ليكون مؤهلاً للقيام بدوره البطولي، فطبيعته مهيئة ومقتضية لذلك.

ومن خلال الفيلم هذا نلاحظ ما يلي:

-البطل المخلص الفادي المنقذ للبشرية هو رجل.

-والمقاومة البشرية التي في المستقبل لم ترسل إلا رجلاً شجاعًا لينقذ أم البطل، وهو رجل طبيعي غير معدل.

-والمرأة في الفيلم لم تكن حمايتها مقصودة لذاتها، بل لما يحمله رحمها، فهي مقصودة بالعرض لا بالذات.

والفيلم في ملامحه العامة مستوحى من الإيمان المسيحي، فلدينا: نهاية العالم، والقدر المحتوم، وأم المخلص، والابن المولد ليكون مخلصًا فاديًا منقذًا للبشرية.

والرجل هنا كما هو واضح في دور مركزي ومحوري في عملية الخلاص والإنقاذ، الحالي والمستقبلي، وسارة أهميتها تنبع من كونها أم المخلص.

لكن بعد ٣٥ عامًا، تغيرت فكرة الفيلم الهيكلية والرئيسة، فلم يعد هناك قدر (مصير) محتوم، ولا ولادة ابن ذكر مخلص وقائد للمقاومة، ولن يتم إرسال رجل شجاع طبيعي من المستقبل للماضي لينقذ فتاة لأجل ما سيكون في رحمها من نطفة رجل، فكل ذلك سيتم شبطه وتغييره نهائيًا!

فقيادة المقاومة البشرية في المستقبل، ضد الآلات الذكية المدمرة، ستكون موكولة إلى امراة، وهي: داني راموس، وهي البطلة المخلصة الفادية، والمحارب الذي سيرسل للماضي لإنقاذ القائدة المخلصة ستكون أيضًا امرأة قوية معدلة جسديًا، ولم يعد هناك حاجة للرجال من أجل علمية إنقاذ العالم والبشرية.

والمرأة المخلصة القائدة في هذا الجزء الأخير، كانت، قبل اكتشاف دورها الحقيقي، تعتقد في الماضي أنها إنسانة تافهة ونكرة ومجهولة، ولا قيمة لحياتها أو لموتها، ولم تصدق يومًا ما أنها ستصل في الأهمية لتكون قائدة البشرية ومخلصة الإنسانية، ومحاربة شرسة وقيادية تقود الجموع البشرية.

لقد اختفت المرأة الطبيعية في هذا الفيلم، وقضايا معتادة طبيعية مثل العلاقة بين الجنسين والحمل والولادة كل ذلك لم يعد له قيمة، والرجل صار هامشيًا، وأصبح زمام الأمور الرئيسة بيد النساء، فالقائد المخلص امرأة، والمحارب البطل الصنديد امرأة معدلة جسديًا كي تلائم دورها ووظيفتها الجديدة!

هذا التحول الكبير في فكرة الفيلم من جزئه الأول حتى جزئه الأخير السادس، لا يعكس مجرد سنوات، بل تحولات جذرية في أفكار المجتمعات الغربية، ويبين العلاقة بين التغيرات الاجتماعية بين الجنسين وما تلقيه بضلالها وظلالها على الشاشة، وما تقوم به الشاشة أيضًا من تكريس وتعميق لتلك التحولات.

في عام ١٩٨٤م كانت الصحوة الدينية المسيحية الكبرى الرابعة قد بلغت نهاية أوجها، أما في عام ٢٠١٩م فقد بلغت النسوية، وما صاحبها من أفكار مدعومة كالشذوذ ونحوه، مبلغًا كبيرًا وعظيمًا. وكان التحول خلال ٣٥عامًا هو في حقيقته تحول من فكرة الخلاص المسيحي التقليدي، وإلى فكرة الخلاص النسوي.

أخيرًا، ‏"راقب أفكارك فإنها تصبح كلمات، راقب كلماتك فإنها تصبح أفعال، راقب أفعالك فإنها تصبح عادات، راقب عاداتك فإنها تصبح طباع، راقب طباعك فإنها ظلال مصيرك". فرانك أنلو

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply