لماذا يقوم الإنسان بالخداع؟


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

بعض الدراسين يرون أن الخداع مثل العدوى تكتسب منذ سنوات الطفولة، وأن أول عتبة يخطوها الإنسان للإصابة بهذه العدوى قائمة على مبدأ "الأهم بالنسبة لي مصلحتي الخاصة" حين يحقق منفعة له بدون بذل مجهود، ومما يجعله مُهَيَّئًا لذلك شعوره بالرضى الشخصي بالاهتمام بالنفس قبل أي شيء آخر.

فتتضخم عنده حاجاته الشخصية وتضمر عنده مشاعر الآخرين الذين يحقق على حسابهم حاجاته ومنافعه الخاصة، التي تكسبه المتعة والفرح. وتترسخ عنده عدوى الخداع حينما يتعرض هو للخداع، فيؤسس فيه نفسه قاعدة مُرْضِية ومَرَضِيَّة تقوم على مبدأ: "خدعوني ولذلك سأقوم بخداعهم كذلك".

وإحساسه بأنه قد خدع في أول مرة يخلق فيها حالة من الشعور المزعج بالخسارة والاستغفال والرغبة بالثأر ممن خدعه وظلمه، والإحساس بأنك قد خدعت يثير في النفس انفعالات سلبية تقوم بصناعة "قوالب فكرية" بالقوة اللازمة، فتصبح جاهزًا لتقوم بخداع غيرك، وقبول ذلك وشرعنة في نفسك.

حينما تكون معبأً بإرادة الثأر والانتقام تحت وطأة الشعور بأنك قد خدعت، حتى لو كان ذلك مجرد وهم كاذب، يشعر بعدها ذلك الإنسان، وفق قوالبه الفكرية الجديدة، بالمتعة لنجاحه في خداع غيره، وتحقيقه لحاجاته ومنافعه الخاصة، ويعد ذلك انتصارًا في معركته في الحياة، التي خدع في بدايتها.

وعندما يقوم هذا الشخص لأول مرة بالخداع يشعر لأول مرة بأنه اهتم بنفسه فقط، وحقق لها نجاحًا كبيرًا وفائدة محسوسة، وهذا ما يورثه الشعور بالمتعة والرضى، وهكذا يتم ترسيخ هذا القالب الفكري في نظام تفكيره ومن ثم في سلوكه. وعليه فإن تعاملنا مع المتعة يقتضي الحصول عليها باستمرار وتكرار!

ومن ثم يصبح ممارسة الخداع مما يحقق له متعة، واستمرار المتعة مرتبط باستمرار الخداع وتحقيق الحاجات الشخصية الخاصة، وهكذا يصبح الأمر مرضًا حقيقيًا يتوجب علاجه، ويصبح العقاب المباشر لا ينفع كثيرًا لعلاج مثل هذا المرض أو هذه العدوى. والعجيب أن المخادع ينكر أنه كذلك بل قد يستنكر ذلك!

 

هذه هي وجهة بعض الكتاب في أصل تكون الخداع عند الإنسان، وأنه دائرة وحلقة تدور على نفسها وتولد الخداع من شخص إلى آخر، وأن علاجها الأفضل هو بكسر تلك الحلقة والتوقف عن ممارسة الخداع حتى ولو بالفعل تعرض الإنسان نفسه للخداع، وإلا سوف ترجع له نتائج الخداع التي سيقوم بها أشد مما يتصور.

قلت: النفوس تتفاوت خبثًا وطيبة، والتربية الطيبة تخفف الخبث وربما تمحوه، والتربية السيئة تضعف الفضيلة وقد تطمرها، والدين هو أعظم قوة تهذب النفوس وتجعلها لينة هينة خاشعة مهذبة، والأخلاق الحميدة الدينية تصنع من الإنسان الشرير إنسانًا طيبًا فاضلاً متسامحًا باذلاً للخير مجتنبًا الشر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply