وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام بكتاب الله عز وجل


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فمن أُوصِي بشيءٍ ينفعهُ في دنياه، فإنه في الغالبِ يُسَرُّ بذلك، ويشكر من أوصاه ويدعو له؛ لأنه يُوقِن أنه ما أوصاه إلا لأنه يُحبُّهُ ويُريدُ نفعه.

فإذا كان مَنْ أوصاه أغلى حبيبٍ إليه، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد أوصاه بشيءٍ لا يقتصر انتفاعه به على الدنيا، بل يمتدُّ نفعُه وخيرُه إلى الآخرة، وكان قد أوصاه بأعظم شيءٍ عنده، وهو القرآن العظيم كتاب رب العالمين الذي: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42] فلا شك أنه سيغتبطُ ويُسَرُّ؛ لأنه يُوقِن أنها وصية عظيمة بشيءٍ عظيم، فيها نفع عظيم.

هذه الوصية العظيمة هي وصية رسول الله عليه الصلاة والسلام لنا بكتاب الله عز وجل، فعن طلحة بن مُصرفٍ قال: "سألتُ عبدالله بن أوفى: هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، فقلتُ: كيف كُتِبَ على الناس الوصية، أمروا بها، ولم يوصِ؟ قال: أوصى بكتاب الله"؛ [أخرجه البخاري ومسلم].

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهمَّ، ولأنه فيه تبيان كل شيء؛ إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتَّبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم".

والوصية بكتاب الله عز وجل تقتضي التمسُّك به والعمل به؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقول ابن أبي أوفى: "أوصى بكتاب الله"؛ أي: بالتمسَّك به، والعمل بمقتضاه.

لقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمل بالقرآن، وكان هو عليه الصلاة والسلام خيرَ مَنْ عمِل بذلك، فقد سأل سعد بن هشام بن عامر أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان خُلُقُه القرآن"؛ [أخرجه مسلم]، قال الإمام النووي رحمه الله: معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدُّب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه، وتدبُّره وحُسْن تلاوته.

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم، صار امتثال القرآن أمرًا ونهيًا، سجيَّةً له، وخُلُقًا تطبَّعه.

ومن قرأ القرآن وعمِل به، فقد هُدي ووُقِي؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من قرأ القرآن، واتَّبَع ما فيه هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سُوء الحساب"، وقال رضي الله عنه: ضمن الله تعالى لمن قرأ القرآن وعمِل بما فيه ألَّا يضلَّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

ومن عمل بالقرآن شفع له؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدُمُه سورةُ البقرة وآل عمران، كأنهما غمامتان أو ظُلَّتان سَوْداوان، بينهما شَرْقٌ، أو كأنهما حِزْقانِ من طير صوافَّ، تُحاجَّان عن صاحبهما))؛ [أخرجه مسلم].

 

وقال العلامة محمد صالح العثيمين: الوصاة بكتاب الله تشمل وجوهًا كثيرة؛ منها:

أولًا: الوصاة بحفظه حتى لا يضيع، والحفظ نوعان: حفظ في الصدور، وحفظ في المسطور؛ أي: في الكتاب، فعلى المسلمين أن ينفذوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن في صدورهم ومسطورهم.

ثانيًا: أن نحرص على فَهمِ معانيه وتدبُّرها؛ لأن القرآن إنما أُنزِل لذلك في الواقع: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، ولأنه لا يمكن العمل به حقيقةً إلَّا بالتدبُّر؛ إذ إنك إن لم تتدبَّره لم تفهم معانيه، وإذا لم تفهم معانيه، فكيف يمكن أن تعمل به؟! وكذلك في الأخبار لا يمكن أن تنتفع بالقصة والخبر إلا إذا فهِمت المعنى.

ثالثًا: الوصية بتصديق أخباره، فإن من كذب خبرًا من أخبار القرآن، فإنه قد انتقص القرآن؛ لأن الكذب من الأوصاف الذميمة القبيحة التي يستهجنها حتى الكُفَّار في كُفْرِهم.

رابعًا: الوصاة بالعمل به بحيث لا نهجره، فإن هجر العمل بالقرآن هجر للقرآن: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30].

خامسًا: الدفاع عنه، بحيث نردُّ تحريف المبطلين الذين يفسرون القرآن بآرائهم وأهوائهم، ومن قال برأيه فليتبوَّأ مقعده من النار.

سادسًا: بإكرامه وتعظيمه، وذلك بأمور:

1-ألَّا نضعه في مكان يُمتهَن فيه، وإذا وجدناه في مكان يحتمل الامتهان رفعناه، فإن هذا من الوصية به.

2-ألَّا نرضى أن أحدًا يقوم بتمزيقه وإتلافه، كأنما هو عنده خرقة يُقطِّعها كما يشاء.

3-ألَّا نسمح لأنفسنا ولا لغيرنا بأن يُصيبه أذًى أو قذرٌ؛ كالنجاسة وشبهها، فإذا قُدِّر أن سقطت عليه نجاسة، فإننا نُزيلها عنه، ونحميه منها.

4-ألا نمسَّه إلا على طهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمس القرآن إلا طاهر)).

سابعًا: ألَّا نتخذه هزوًا ولعبًا، بحيث نجعله بدلًا من كلامنا، كما لو استأذن عليك مستأذن، فقلت: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 46]، أو كان اسم ابنك يحيى، فإذا خاطبته تقول: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، وهكذا، فإن جعل القرآن بدلًا من الكلام محرَّم؛ لما في ذلك من ابتذال القرآن وامتهانه.

 

ومن هذا: ما يفعله بعض الناس، حيث يكتب القرآن في الأواني، أو في المناديل، أو على ألحفة الموتى، أو ما أشبه ذلك، فإن هذا كله من امتهان القرآن، فإن الأواني يرميها الطفل، ورُبما يرميها الكبير أيضًا، وتُمتهَن بالشرب بها، وما أشبه ذلك، وتلحيف الموتى بها امتهان؛ لأن الميت ليس أكرم من الحي، وكل أحد يستقبح أن يجعل الحيُّ لحافه الذي يتغطَّى به عند النوم مكتوبًا عليه شيء من كلام الله، فالميت من باب أولى، والميت لا ينتفع بهذا، ولا بقراءة القرآن عنده؛ لأنه ليس حيًّا يستمع فينتفع، أو يقرأ فينتفع؛ بل هو ميت...كل هذا داخل في وصية النبي صلى الله عليه وسلم إيَّانا بكتاب الله، وإذا تأمَّلت هذه المسألة وعِظَمَها وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصاك وصيَّةً خاصةً بكتاب الله عز وجل من هذه الوجوه وغيرها استعظمتها في نفسك، فالزم هذه الوصية، واعمل بها، واحترم كلام الله عز وجل.

وقال رحمه الله: إذا كان لأحد أن يغتبط فليغتبط صاحب القرآن، فالمال والقصور والسيارات والملابس والنساء والأولاد، لا شكَّ أنها نعمة وخير، لكنها كلها زائلة،

لكن القرآن هو الغبطة، فإذا أعطى الله الإنسان القرآن، وعلَّمه معانيه، ووُفِّق لتصديقه، والعمل به، فهذا الذي لا يعدله شيء من الدنيا أبدًا، وأكثر الناس عن هذه غافلون، وإنما يقرؤون القرآن من باب التبرُّك وطلب الثواب في قراءته، أما أن يقرؤوه على أنه غنيمة وغبطة، فهذا قليل، ولكن ليس معدومًا، والحمد لله؛ ا هـ.

ومن الوصية به: تعاهد المحفوظ منه بالمراجعة، فحفظه نعمة عظيمة لا يُماثلها نعمة، ينبغي المحافظة عليها، بتعاهد الحفظ بالمراجعة حتى لا يُنسى.

ومن الوصية به: التحاكم إليه، باتخاذه دستورًا حاكمًا في كل شؤون الحياة بمختلف جوانبها، فيحتكم إليه المسلمون في جميع شؤونهم الخاصة والعامة.

ومن الوصية به: تدبُّره وفهم معانيه، كما ذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله، ويكون ذلك بالقراءة في التفاسير التي تفسر القرآن الكريم على طريقة السلف، فبعض التفاسير وإن كان فيها فوائد بلاغيه ولغوية، فإن فيها عقاربًا لا يعرفها إلا القليل؛ قال الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالة لهما إلى الشيخ أبي الوفاء ثناء الهندي، رحمهم الله جميعًا: نوصيك بالإكباب على كتب أهل السنة وتفاسيرهم؛ كتفسير ابن جرير، وابن كثير، والبغوي، وغيرها من تفاسير السلف من أهل السنة الذين لا تروج عليهم إحداثات المحدثين، وتأويلات الجاهلين.

 

وسُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بلاد الحرمين الشريفين: ما هو الكتاب الأجود في التفسير من الكتب الموجودة حاليًّا وسابقًا؟ فأجابت برئاسة العلامة ابن باز وعضوية الشيخ عبدالرزاق عفيفي، وعبدالله بن قعود، وعبدالله بن غديان، رحمهم الله جميعًا في الفتوى رقم [2677]: أجود كتب التفسير يختلف باختلاف طاقة القارئ ووسعه، وعلى كل حال أجودُها في نفسها كتاب "تفسير ابن جرير الطبري"، وكتاب "تفسير ابن كثير"، ونحوهما من كتب التفسير بالأثر، فإنها أسهل تعبيرًا، وأعدل في فهم المراد، وألمس لمعاني القرآن، وأقرب إلى إصابة الحق وبيان مقاصد الشريعة، مع ذكر ما يشهد لذلك من الأحاديث والآثار الثابتة، وردِّ المتشابه من الآيات إلى المحكم منها.

ومن الوصية به: الاستماع والإنصات إليه؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، ومن استمع إليه بقلبه كان ذلك سببًا لرحمته، وخشوع قلبه، ونزول السكينة والهدوء عليه.

ومن الوصية به: تعلُّمه وتعليمه للغير؛ فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه))؛ [أخرجه البخاري].

 ومن الوصية به: تعاهده بالقراءة فيجعل له حزبًا مُعينًا من القرآن، يقرؤه كل يوم بحيث يختمه كل ثلاثة أيام أو أسبوع أو عشرة أيام، أو في الشهر مرتين أو مرة واحدة في الشهر، فإن ضعف فليختم كل أربعين يومًا؛ كما ورد عن بعض السلف.

لقد عمل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصيته، فعملوا رضي الله عنهم بالقرآن الكريم، قولًا وعملًا:

ففي حادثة الإفك تكلَّم ناسٌ في أمِّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، منهم مسطح بن أثاثة، وكان رجلاً فقيراً ذا قرابة لأبي بكر، وكان أبو بكر ينفق عليه من ماله، فلما تكلَّم في عائشة، قال أبو بكر: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال في عائشة، فأنزل الله: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: بلى والله، إنِّي أُحِبُّ أن يغفر الله لي، فرجع فأنفق على مسطح، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا.

واستأذن الحرُّ بن قيس لابن أخيه عينه بن حصن بن حذيفة أن يدخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، فأذن له فلما دخل، قال: هي يا بن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه، حتى همَّ به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيِّه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، فما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله.

وهناك أمور يعملها بعض الناس ليست من وصية رسول الله بالقرآن:

منها: أن يتبرَّك به بوضعه في البيت والسيارة دون القراءة فيه وتدبُّره والعمل به، فهذه صورة من صور هجره، واستعماله في غير ما أنزل له.

ومنها: تزينه وتحليته بالذهب والفضة، رأى ابن مسعود رضي الله عنه مصحفًا قد زُيِّنَ بالذهب، فقال: إن أحسن ما زُيِّن به المصحف تلاوته بالحق، وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا رأى الْمُصحف قد فُضِّض أو ذُهِّب، قال: أتغرُّون به السارق، وزينتُه في جوفه.

ومنها: اتخاذ تلاوته وسيلةً لنيل حظوظ دنيوية، من مال أو جاهٍ.

ومنها: قراءته بألحان أهل الفسق والفجور.

 ومنها: قراءته على الأموات، وعند زيارة المقابر، والقراءة به في المآتم والعزاء.

 

إن من أخذ بهذه الوصية وعمِل بها، فهو المغبوط الذي نال سعادة الدارين، فحصلت له الحياة الطيبة في دنياه، فاطمأنَّ قلبُه، وارتاحت نفسُه، وسلم مما يُصاب به الناس من قلق واضطراب، وأمراض وعقد نفسية، ووساوس، ونحوها؛ قال الشيخ عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: سألت أبي [العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب التفسير: أضواء القرآن في تفسير القرآن بالقرآن]: ما الذي يطرد وساوس الشيطان؟ فقال: التدبُّر في كتاب الله.

وختامًا فهنيئًا لمن كانت حياته في تعلُّم القرآن وتعليمه، وسخَّر أمواله في ذلك.

فالتاجر الصالح والمحسن الكبير محمد يوسف عبدالرحيم سيتهي، منَّ الله عليه بالمال الصالح، فوضعه في حقِّه، وقدَّم لآخرته، فأسَّس جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري.

 والشيخ قارئ محمد عبدالماجد ذاكر رحمه الله (ت 1431) كبير المدرسين بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم - أمضى نحو خمسين عامًا في تحفيظ القرآن، تخرَّج على يديه كثيرٌ من الحُفَّاظ الذين أصبح لهم مكانتهم في المجتمع؛ يقول رحمه الله: أيها المسلمون، إن كلام الله تعالى هو مُلين القلوب القاسية، ومقوِّم الطرق المعوجَّة، إنه الضامن للبشرية السعادة الأبدية، ما قاد سلفنا الصالح العالم بأسْرِه إلَّا بفضل الله، وبالتمسُّك بحبل الله المتين وتطبيقه بفعل الأوامر واجتناب النواهي، إن ما حصل لسلفنا الصالح بالأمس من التمكين سيحصل لنا اليوم بإذن الله إذا نحن سرنا على نهجهم، أيها المسلمون، ها هو القرآن يُناديكم أن تعالَوا لتسودوا العالم إذا تمسَّكتُم بتعاليمي.

 

رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وأسكنه فسيح وأعلى جنَّاته، فقد ذكر أن القرآن الكريم مُلين القلوب القاسية، وكيف لا تلين والجبال الصُّلْبة لو أُنزِل عليها لخشعت مُتصدِّعة من خشية الله؛ كما قال الله عز وجل: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، فمن قرأ القرآن الكريم، أو استمَع إليه بقلب حاضر، فسيلين قلبُه وتدمع عينُه، فقد دمعت أعين حيوانات لما سمِعت آيات القرآن الكريم، فقد ذكر الشيخ عبدالعزيز بن إبراهيم بن قاسم، ومحمد زياد بن عمر التكلة، في كتاب: ترجمة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: أن الشيخ العلامة عبدالله بن بكر بن مطير البكر رحمه الله، حفظ القرآن في سنٍّ مبكِّرة من عمره، وكان حسن الصوت بالقرآن، ومن أخباره في ذلك أنه سافر مرة من الزلفى إلى الرياض على الإبل، وفي إحدى جلسات الراحة شرع في تلاوة القرآن، ورفع صوته بذلك، فما كان من الإبل التي حوله إلا أن توقَّفَتْ عن الأكل، ورفعت أعناقها، وإذا بالدموع تفيض من عيونها....تُوفِّي بتاريخ 27 /9 /1373هـ.

 اللهم اجعلنا ممن تَلين قلوبُهم عندما نقرأ ونستمع لكتابك، واجعلنا ممن يأخذ بوصية رسولك عليه الصلاة والسلام، ويعمل بكتابك، فالقرآن يُستغنى به عن كل شيء، ولا يُستغنى بشيءٍ عنه أبدًا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply