التقييمات والاختبارات الذاتية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أحب عمل التقييمات والاختبارات الذاتية على اختلاف أنواعها.. والتي من ضمنها معرفة أسلوبك أو نمطك في التعامل (أنماط الشخصية، مثلا). وكثير ممن أتعامل معهم أو أقوم بتوجيههم، يتساءلون: "عبدالرحمن.. وش الفايدة إذا عرفت نمطي أو أنماط الآخرين؟!"

التقييمات على اختلاف أنواعها (اختبار أنماط الشخصية، أو اختبار التفاؤل، أو اختبار الذكاء العاطفي، أو أي اختبارات أخرى) تساعدك على اكتشاف نفسك أكثر.  وهذا أهم فوائدها المباشرة
ولكن هذا ليس كل شيء!

أحد فوائد التقييمات/الاختبارات هم معرفة مدى الاختلاف بينك وبين الآخرين (وخصوصا من يهمك أمرهم، مثل الأقارب، الأصدقاء، أو زملائك في العمل).  لذلك تصبح أداة في يدك تتدرج فيها بأربعة مستويات من الفائدة

1 - الراحة والاطمئنان

معرفة الاختلافات غالبا ما تكون مصدر راحة لأنها تفسر كثيرا مما نواجهه أو نعاني منه في حياتنا الشخصية أو العملية، وخصوصا مع الآخرين.  وغالبا، يبدأ الإنسان بالإحساس بالطمأنينة إذا استطاع معرفة الأسباب خلف معاناته أو مشاكله، حتى وإن لم يصل لحلها بعد.

مثال: عندما تعرف أنك تميل للتخطيط والتنظيم الصارم، وتعمل في بيئة عمل ناشئة وفيها درجة من المرونة وتداخل الأدوار إلى حد الفوضى أو أقل قليلا.  معاناتك في بيئة عمل مثل هذه لن تكون مصدر قلق، أو ستكون أخف قليلا، لأنك بدأت تعرف الأسباب في ذلك.

 

2 - التقبّل

كما أن الاختلاف سمة من سماة الحياة، فإنه كذلك حكمة، وأحيانا مطلب في الحياة.  ولو اقتنعنا بهذا المبدأ، أصبح لدينا تقبلا أكثر للبيئة التي نعيش فيها وللآخرين، وطرق تفكيرهم، وأساليب حياتهم، وأنماط عملهم، وهكذا.

مثال: أنت ممن يميل للعزلة أكثر، وتزوجت من امرأة تميل أكثر للاجتماعية وطاقتها تستمدها بالتفاعل مع الآخرين. عندما تعرفان ذلك وتدركان هذا الاختلاف، تبدأ أنت بتقبل حقيقة أنها تحب الارتباطات الاجتماعية وأنها لن تستغني عنها، وتعرف هي جيدا أنك بطبيعتك لا تحب ذلك بل تتجنبه قدر المستطاع.

 

3 -  التكيّف

لا تقف معرفة الاختلافات على مجرد الراحة والتقبل، بل تتعدى عندما يخطو الشخص للأمام تجاه من يختلف عنه (أو معه).  وهذا يتطلب غالبا طاقة وجهد من الشخص للتكيّف وتغيير أسلوبه أو طريقته حتى يصل لجزيرة في المنتصف.. بدلا من أن يكون صلبا عنيدا ويطلب من الآخرين أن يُقبلوا إليه.

وهذا المستوى هو بمثابة "التغيير الداخلي"، وفيه الخروج من "منطقة الراحة" وهو ما اعتدت عليه في حياتك، محاولة منك لاستكشاف مناطق أخرى قد تسبب لك نوعا من عدم الارتياح.. ولكن لهدف أسمى وهو التعايش أو حل المشاكل أو بناء العلاقات الصحية، وهكذا.

مثال: في اختبار ثقافتك في بيئة العمل (Cultural Profile) من "هارفرد بزنس ريفيو" قد يتبين لك أنك تميل أكثر لإبداء مرئياتك بشكل مباشر (من غير تلميع يعني!) ولكن البيئة السعودية تميل للمرئيات غير المباشرة (لتخفيف الوقع، والمحافظة على العلاقات)

يمكنك عندها أن تبدأ بالتكيف مع بيئتك (وخصوصا عندما تكون من بيئة أخرى)، ومحاولة إبداء مرئياتك بطريقة دبلوماسية وغير مباشرة حتى يتقبل الناس منك ولا تؤثر سلبا على علاقاتك معهم.

 

4 -  التغيير

كل منا يود أن يغير العالم من حوله حتى يتوافق مع ما يريد أو مع ما ينسجم مع طريقة تفكيره أو أسلوبه.. أو مع مايراه هو صحيحا.  إن كنت مررت بالمستوى الثالث، فافترض أنك قدمت قبل أن تطلب من الآخرين أن يقدموا.. وعندها آن لك أن تخطط وتبذل جهدك ليخطوا الآخرون خطوات تجاههك.

والجميل أن هذا "التغيير الخارجي" مبني على معرفة الاختلاف والفجوات التي بينك وبين الآخرين، وبالتالي يصبح محددا وواضح الملامح.. وأيضا يتسم بالعدل لأنك بذلت جهدا قبل أن تطلب من الآخرين أن يبذلوا جهدهم.

مثال: لو كنت ممن يميل للتنظيم والتخطيط والصارم، وبدأت فعلا بتخفيف جمودك وصرامتك.. وأصبحت مرنا أكثر ومتقبلا للتغيرات المفاجئة والعشوائية.  عندها يمكنك أن تبدأ برحلة تغيير لبيئة عملك بحيث تصبح منظمة أكثر ولكن بالتدريج.. وخصوصا أنك عرفت أن بيئتك أبعد ما تكون عن ذلك

ختاما.. في المرة المقبلة، وأنت بصدد عمل تقييم أو اختبار لنفسك أو أسلوبك، تأكد أن ذلك فرصة لتوظيف ذلك عند الاختلاف مع الآخرين.. وأن أمامك أربعة مستويات من الفائدة تتدرج من الراحة، إلى التقبّل، إلى التكيّف، إلى التغيير.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply