الهيئة والمظهر الخارجي للمربي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

للهيئة الظاهرية تأثيرها البارز وعملها الفاعل في تكوين الانطباع الأول في نفس المتربي أو المتلقي أياً كان، وحين يتحدث ذلكم القدوة فإنهم يشخصون له بأبصارهم في لبسه وهيئته ويعتنون بسمته والتزامه بالهدي النبوي في ذلك كله، ثم إن تلك الهيئة المستقيمة للمربي تحقق استقامة نفسية له، وتلبي الانسجام والتناغم بين الباطن والظاهر عنده.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

(ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك وأمور ظاهرة من أقوال وأفعال قد تكون عبادات وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق والسفر والإقامة والركوب وغير ذلك. وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورا ظاهرة وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعورا وأحوالا. وقال: فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمامٍ إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلاً يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع)]1[

 

فما أعظم هذا النص التيمي حيث من المعلوم تأثير الباطن في الظاهر، ولكنه حكى أيضاً تأثير الظاهر في الباطن من لبس وعادات وأعمال، ولذا لزم التنبه لذلك والاهتمام به لا سيما من قبيل القدوات. وهذا لا يكون على حساب الباطن بلا شك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكُم، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم". رواه مسلم.

 

والموازنة بينهما أمر نسبي، والشريعة وازنت في ذلك وأمرت بالعناية بالجانبين: المخبر والمظهر، وفي الآداب لابن مفلح وحسّنه عن بشر التغلبي قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّكم قادمونَ على إخوانِكُم، فأصلِحوا رحالَكُم، وأصلِحوا لباسَكُم، حتَّى تَكونوا كأنَّكم شامةٌ في النَّاسِ، فإنَّ اللَّهَ لا يحبُّ الفُحشَ، ولا التَّفحُّشَ"، ورواه أبو داود وحسنه النووي في رياض الصالحين.

 

ولذا لزم القدوة العناية بجانب المظهر والتطبيق النبوي لذلك، ولا يعكس أراءه الشخصية الشاذة (إن وجدت) فيما يفعل حتى لا تتأثر العملية التربوية من قبله إذ هو مبلغ كما أمر الله وليس كما يرى "فادع واستقم كما أُمرت ومن تاب معك"، والشاهد "كما أُمرت".

 

وفي هذا المعنى حام هذا الأثر عن القاضي عياض: (لا ينبغي لمن يُقتدى به إذا ترخّصَ في أمرٍ لضرورة أو تشدّد فيه بوسوسة، أو لاعتقاده في ذلك مذهبًا شذّ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة؛ لئلا يترخّصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم)] 2[

 

[1] "اقتضاء الصراط المستقيم"؛ لابن تيمية.

[2] "شرح صحيح مسلم"؛ للنووي.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply